سياق آية التطهير رؤية مبتكرة أم اجترار قاصر
مجلة الأمين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لقد استمعت إلى تسجيل لكمال الحيدري يتحدث فيه عن آية التطهير، فراعني ما ذكره فيه، وصدمني شدة عجبه بنفسه وتنكره لجهود الآخرين ممن سبقوه من العلماء والمحققين، وفاجأني كثيرا قصوره في فهم الأدلة والقرائن القرآنية، مع كثرة بحوث علمائنا المنشورة حول الآية المباركة كما سيتضح جليا من خلال المقالة.
ما لفت نظري بداية هو حديثه عن سياق الآية الشريفة، وضرورة معالجة مشكلة سياق آية التطهير؛ لأنها في سياق آيات تتحدث عن نساء النبي صلى الله عليه وآله، واننا الشيعة متهمون بعدم مراعاة السياق؛ وبدأ بالتهويل على خطورة إهمال السياق دون الاشارة إلى خطأ هذه التهمة، ودون الاشارة إلى بحوث علمائنا التي تحدثت عن سياق آية التطهير، وانها منسجمة تماما مع سياقها.
فالملاحظ عليه:
أولا: أوهم المستمعين أن هناك تهمة على الشيعة بإهمال السياق، لم يردوا عليها، وان جنابه سيتصدى للرد العلمي؛ ليكون المبتكر والمبدع دون سواه.
ثانيا، أعطى للسياق دورا في القرينية أكثر مما يستحق، وأهمل تماما دور السنة والحديث في الكشف عن أسباب النزول؛ وعمن نزلت في حقه آية التطهير؛ بحجة أن بحثه قرآني.
ولتوضيح الاشكالين عليه أقول:
إن اتهام الآخرين للشيعة في إهمال السياق في غير محله؛ فإن علماءنا قد كتبوا حول آية التطهير؛ وأثبتوا انسجامها التام مع سياقها؛ وأن الآية الشريفة تتحدث عن أهل البيت عليهم السلام ولا تشمل بأي شكل أزواج النبي صلى الله عليه وآله؛ وأن الآيات التي سبقتها وتلتها تتحدث عن نساء النبي صلى الله عليه وآله، وهذا أمر ليس بعزيز في القرآن، فقد يتحدث عن شيء ثم يلتفت للحديث عن أمر آخر ثم يرجع إلى الموضوع الأول، لحكمة وعلة، كقوله تعالى: (قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين) ففي هذا النص القرآني نجد أن الحديث يبدأ بذكر كيد النساء وينتهي بذنب زليخا ويتخلله خطاب ليوسف عليه السلام.
وذكر علماؤنا جملة من القرائن والأدلة على تخصيص آية التطهير بأصحاب الكساء وعدم شمولها لنساء النبي- مضافا للنصوص الحديثية - .
منها الضمائر؛ فالآيات والفقرات التي تتحدث عن نساء النبي صلى الله عليه وآله هي بضمير نون النسوة، وأما آية التطهير فبضمير جمع المذكر السالم.
ومن القرائن نوع وأسلوب الخطاب فالآيات المتحدثة عن الأزواج فيها تكاليف، وليس فيها أي إرادة إلهية للعصمة والتطهير، بل الإرادة فيها للنساء (إن كنتن تردن الحياة الدنيا) و (إن كنتن تردن الله ورسوله) فالإرادة بيد النساء، بخلاف آية التطهير فالإرادة إلهية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
وممن أثبت انسجام وتوافق آية التطهير مع سياقها:
1- المرجع الديني الراحل الشيخ فاضل اللنكراني مع آية الله الشيخ الاشراقي في كتابهما (آية التطهير رؤية مبتكرة) والذي طبع لأول مرة عام 1970 وترجم للعربية عام 1987 وترجم ثانية عام 1995 م.
2- العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه (أهل البيت في آية التطهير) والذي طبع لأول مرة عام 1412 هجرية، أي قبل أكثر من عشرين سنة.
وهذا بحسب بحثي في مكتبتي الفقيرة فقط دون الاستعانة بالأقراص الليزرية.
فماذا يضير كمال الحيدري أن يشير إلى أن علماء الشيعة قد أجابوا عن هذه الشبهة؟؟؟
هل جهل بهذين المؤلفين أم يهمه إيهام مستمعيه بأنه المبدع وانه الراد على الشبهة دون غيره ؟؟؟
وأما بالنسبة لقرينية السياق فقد ذكر علماؤنا ومحققونا قيمة قرينة السياق، وانها من أضعف القرائن، فيما لو علم أن المتكلم بصدد بيان موضوع واحد، وربما لا يكون بصدد بيان موضوع واحد، بل يذكر أمورا متعددة ومختلفة في موضوعاتها وأحكامها، ككثير من الآيات القرآنية.
وأنها لو فرضا تعارضت مع النصوص الصحيحة بل المتواترة (كحديث الكساء) في شأن النزول فيرفع اليد عن السياق ولا يعمل بها.
فلماذا كل هذا التضخيم لقرينة السياق بألفاظ وحركات وصياح أمام الكاميرا مع إهمال الحديث !!
وياليته أقام دليلا على هذا التعظيم والتفخيم لقرينة السياق!!
وأما الطامة العلمية الكبرى في حديثه فحينما تعرض لبيان علة وجود آية التطهير في سياق آيات تتحدث عن نساء النبي؛ إذ كشف بكلامه عن عدم التفاته إلى ما يلتفت إليه العوام، وأي قارئ للقرآن، فكان أسوأ حالا منهم !!
فقال معللا: إن الآيات تتحدث عن بيوت النبي !!!!! وبيت علي وفاطمة من أشرفها او على الأقل منها؛ فلولا آية التطهير لكان بيت علي وفاطمة مشمولا للعتاب الوارد في حق النساء؛ واستدل بورود البيوت قبل آية التطهير وبعدها.
ولا يخفى - على أي قارئ للقرآن من العوام فضلا عن العلماء - أن الآيات لا تتحدث عن بيوت النبي بل عن نسائه وزوجاته، فهي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون شاملة لبيت علي وفاطمة .
وكيف تكون شاملة وهي تصرح وتقول: (يا أيها النبي قل لأزواجك) و(يا نساء النبي من يأت منكن) وهكذا فمع تصريحها بالأزواج كيف يجزم وبضرس قاطع شمولها لبيت علي وفاطمة لولا آية التطهير.
وما ذكر البيوت إلا لبيان بعض أحكام نساء النبي فقط لا ان الآيات تتحدث عن بيوت النبي؛ هذا مضافا إلى أنه ناقض نفسه إذ كرر في نفس التسجيل ان بيوت الزوجات ليست بيوتا للنبي ولذا قال تعالى ( وقرن في بيوتكن) ولم ينسبها للنبي؛ فناقض نفسه حينما قال إن الآيات تتحدث عن بيوت النبي، وذلك خلال دقائق!!!
وناقض نفسه حينما قال ان السياق لا يقتصر على ملاحظة عدة كلمات قبل وبعد الآية بل أشمل وأوسع حتى تصل لسياق السورة؛ ثم هنا نظر نظرة قاصرة إلى ورود كلمة البيوت قبل وبعد آية التطهير بقليل فظنه السياق !!!!
والمفاجأة ان هذا التعليل قد سرقه من غيره، ولكن دون استيعاب للأسف فقد ذكر الشيخان اللنكراني والاشراقي هذا التعليل، ولكن بعبارة: وقوع الآية في نهاية تلك الآيات كان لدفع وهم قد يطرحه بعض من في قلوبهم مرض. (ص 79 وما قبلها).
فتحول توهم شمول الآيات لبيت علي وفاطمة عليهما السلام إلى جزم عند الحيدري في شمول الآيات التي تتحدث عن نساء النبي لبيت علي وفاطمة لولا آية التطهير .
ولا يخفى أن السيد جعفر ذكر تعليلا آخر قد أخذه من الشيخ المظفر في دلائل الصدق، وأشار في الحاشية إلى ذلك كديدن علمائنا في حفظ حقوق الآخرين العلمية.
أخيرا أقول للمعجبين بالكاريزما: إن الحيدري لا يتقن اجترار ما عند الآخرين فضلا عن أن يكون صاحب رؤية؛ فنزلوه على قدر منزلته.
شاهد كلام الحيدري على هذا الرابط:
" YouTube - https://www.youtube.com/watch?v=QoYSPHcQXIA&feature=youtube_gdata_player
مجلة الأمين
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
مجلة الأمين

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat