صفحة الكاتب : غازي الطائي

يوميات مدير \ 3
غازي الطائي

                        

لحظة وداع (مُتواقِف)              

تَجَمهَرَ العاملون... وهم يَعتريهم الحزن الشديد، مشوبا بالآهات والحسرات, لتوديع زميلهم ومسؤولهم في العمل ، بعد أن أنهكته الحياة وأخذت سنوات العمل وَهَمِّ الدنيا زهرة شبابه التَّفوا حَولَهُ ليتذكروا-  وأصوات الضحكات والتعليقات تملأ المكان- المواقف الفرحة والحزينة التي عاشوها معه خلال مدة عمله الطويلة البالغة أربعون سنة عمل متواصلة ، كان خلالها كالعمود الشامخ الذي لن ينحني أبدا, كان لا يعرف الكسل ولا التقاعس ، كان دوما يُحَفِز العاملين وخصوصا المتلكئين منهم على المثابرة, ويزرع فيهم: روح الإخلاص, والنشاط, والتفاني, ويساعدهم على حل مشاكلهم، ويطالب بحقوقهم. أن تأخر ترفيع لواحد من بمعيته يعدوا مسرعا ويطرق كافة الأبواب دون كلل أو ملل حتى يظفر بحق صاحبه , وَيُقدِم منتشيا ومعه نسخة من أمر الترفيع ليقول لصاحبه : خُذ أمرترفيعك! أريد منك أن تكون أكثر همة بالعمل؟ كيف لا, وهو مسئولهم والمشرف عليهم, كانوا يودونه ويَكَلِّون له الجميل, وكأنه بمثابة الأب الراعي لأولاده . قلبي كان مُطمئِنا إليه في إخلاصه, وانجاز العمل بالوقت المحدد, نادرا ما كُنتُ أُتابع عمله إلَّا في بعض الحالات التي يحصل فيها تعديلات على التصاميم, لتوضيح له التعديلات في المخططات التصميمية . بالرغم من تحصيله الدراسي المتواضع ، لكنه عند شرح المخطط له, وطريقة تنفيذ العمل, كان يستجيب بسرعة كبيرة وفهم وأدراك عالي لما يُراد منه ، كان يُدرِك كيف يقود العاملين الذين بمعيتهِ ويتعايش معهم, يشاركهم همومهم ! وأفراحهم ! يتفقدهم واحداً واحد! وعند تأخر أو عدم مجيء أي عامل! كان يتصل بهِ فوراً ليعرف السبب والمسبب, ويحاول مساعدته بشتى الطرق وقدر ما يستطيع!. العامل المِعوَز يحاول مساعدتهِ, كأن يتشارك مع الآخرين بعمل جمعيه ويجعل نصيب المحتاج أول من يستلم ، وان تعذر ذلك,يلتجأ لجمع التبرعات لمن يستطع التبرع. كنت ألاحِظ ألابتسامه والفرحة مرسومة على وجهه بعد حل معضلة ما لأحد العاملين!. كان عندما يدخل الى غرفتي بابتسامته المعهودة, أعلم بأنه سيطلب مساعدة مادية أومعنوية لأحد زملائه,  كأن تكون إجازة طويلة لأحد العاملين بحاجة ماسة لها, أو إلغاء غياب, أو تسهيل أمر احد المتأخرين عن العمل, أو المشاركة في جمع تبرعات لمتضررٍ من حالةٍ معينه, أو لمُحتاج . ذات مرة دخل علي لحاجة لأحد العاملين, فقلت له:  أراك كثير الطالبات لزملائك, وَلَكَ لم تَطلُبُ شيئا يُذكر؟ فأدركني بالإجابة:الحمد لله على كل حال, المهم حل مشكلة (فلان). بالرغم من كونه صاحب عائلة كبيرة, تتكون من عشرة أشخاص, وكل واحد منهم له همومه ومطالبه ومشاكله ؛لكنه كان لن يبوح لي بها, ولكنها كانت تصلني من زملائه المقربين له في العمل, لأبادر لمساعدته قدر المستطاع . كان الجميع يحاول أن يساعده ويردّ إليه الجميل ، ذات مره في احد مواقع العمل تعرض لوعكه صحية شديدة ، الجميع كان يحاول مد يد العون لمساعدته, وبشتى الطرق ، احدهم يمسح على وجهه بالماء البارد, والأخر يفرك على يديه, وثالث على رجليه, وآخر يجهش بالبُكاء ، ولكن الحمد لله مرت بسلام بعد نقله الى احد المستشفيات القريبة. كان سبّاقاً في العمل وتجده على رأس الهرم, والمتقاعسين يَهبّون للعمل خجلا منه وتقديرا له . كيف لا, وهو الأب الراعي لمصالحهم, والسند القوي لهم, والمدافع والمقاتل عن حقوقهم, وبكل مايملك من مَقدِره .
كان يكره الجلوس لفترة طويله ، وبعد انتهاء العمل في المعمل مبكراً لا يُحاول أن يسترح, بل يبادر وعلى الفور ومن معه من العاملين: بتنظيف موقع العمل, وتنظيم المكائن والمعدات, ومن دون توجيه من أحد.
 اقتربت لحظة الوداع لهذا الرجل الطاعن بالسن, ليُغادر حياة العمل ويَخلِد إلى الراحة في منزله المتواضع البسيط ، بعد حياة عملية ومهنيه طويله ، ولكني اعتقد جازما بان البيت لن يكون مأوى له بنهاره وليله, كونه شخص ديناميكي الحركة . بعد انتهاء حفله الوداع من قبل زملائه. دخل عليَّ بابتسامته المعهودة, لتكشف عن بعض من اسنانه المتساقطة, قلت له : ستودعنا وكلنا حسرات على فراقك – لا فراق ان شاء الله ستكون مواصلتي معكم مستمرة – أتمنى أن يحصل ذلك, وأتمنى أن تعيش بسكينه وسلام وارتياح – لا اعتقد ذلك! لأن هموم الدنيا لن تمضي! ولن تزول! بل دائما تفاجئنا بجديد! وهذا هو حال الدنيا- صدقت وأصبتّ! ودعك من الهموم وتفاءل يا (مُتقاعِد) . وهو يهم بالخروج بعد عناقي استدار نحوي وردد – لا تنعتني ب(مُت قاعِد)! فهذه الكلمة لا أحبذها... بل قل لي (مُت واقِف), وسأضلُ واقفاً إلى أن يَجثِمَ جسدي مُجبَراً!  أو تحل منيتي! ...



 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


غازي الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/05/06



كتابة تعليق لموضوع : يوميات مدير \ 3
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net