صفحة الكاتب : حاتم عباس بصيلة

غدير العنبر " ثامر الشيباني وتجارب الصمت "
حاتم عباس بصيلة

 للبحث عن العلاقة بين موضوع اللوحة ومعالجتها يعتقد البعض ان تكرار الموضوع الواحد في أكثر من لوحة يدفع بالحديث عن الروابط التي تشد اللوحة التي تنظر اليها باللوحة التي سبقتها .. واللوحة التي تليها .. لان (العقل) الذي أراد ان يبعث رسالة للمتلقي بقي مقتنعاً بما أراد ان يقوله ( بكلمات) اللون والفرشاة وحتى الضربات القوية .. وفي بعض الأحيان اللمسات الرفيعة التي جاءت على أهداب اللوحة ..
وهذا مافعله الفنان التشكيلي الماهر ( ثامر الشيباني ) حينما استطاع ان يرسم ويطرز جدران قاعة ( الوَد) بلوحاته .. وبصمت كامل .. لم يقل لأحد لا شفهياً .. ولا تحريرياً بأنه يصور مرحلة قائمة من تاريخ البلد .. فلا قِدم ولا قلم ولا علم .. بل شاهدنا لوحات يكتضها الظلم وستائر ثقيلة من ألوان حالكة تغطي ما وراءها .. !
لم يقل الشيباني ان معرضه يعالج حالة سياسية .. وقد أشار بالظلام في لوحاته للدلالة على حقبة سياسية تجتاز نفقاً مظلماً .. فوجدنا ستائر ثقيلة من الوان داكنه على اللوحه !
ماذا وراءها .. ؟ !
ناس ( بدون) .. وناس ( بطون) .. وآخرون يعملون (لون) أو بدون لون) ، يعملون بصمت خلف تلك الستائر الثقيلة التي كانت لوحاته بتسلسلها وترتيبها الموضعي – اما الحضور – تعطي .. وتحكي بلغة الصمت (!) هموماً ثقيلة يعيشها المجتمع _ ساهم بها كل من كان منهم على كرسي المسؤولية وحتى من بقي عالقاً بين الأسلاك الشائكة وجدران الاسمنت في شوارع بغداد والناصرية وكركوك وديالى وبقية مدن الكسير ..
خلف تلك الستائر الثقيلة ، التي غطت اللوحة ، تطايرت ( الكراسي ) الى (أعلى عليين) !
وبقيت أجساد من جلسوا عليها محصورة بين (الحائط ) و( ظهر اللوحة) !
يكاد المتلقي يسمع تبادل الصفعات فيما بينهم .. ويشعر بالركلات تهز اللوحة التي أمامه !
فأية حياة هذه التي ابتلى بها المواطن من جراء صراع على كراس ٍ .. ومناصب ورواتب .. بدت في لوحاته ( الشيباني) على شكل خطوط ملتويه .. ومنكسرة .. نقاط مظلمة .. داكنة..
ولكن الفنان ( الشيباني) أراد ان يسحب الكرسي من تحت سيد الحزن والكأبة .. فأنار لنا – وبشيء من الضوء يفتح النفس .. ليبعث شيئاً من الأمل في النفوس .. لقد بدأ حزيناً متألماً .. ولكنه فتح على شخوص لوحاته ، خطوط ضوء ، ساعدت في فتح نوافذ الأمل في نفوس المشاهدين..
ويذكرنا توزيع الضوء والظلمة في لوحات السيد ثامر بالفنان الهولندي ( فيرامير) الذي بقي – أبناء بلدان الشمال الأوربي يحنون الى ضوء الشمس ، كما يحن العراقيون الى ضوء الكهرباء – نقول بقي ( فيرامير) يركز بشكل أساس على توزيع الضوء الأتي من الخارج على مساحة محددة من لوحاته ليعطيها جمالية أكثر وغموضاً أوفر ، كما فعل فناننا (الشيباني) فقد وزع الضوء في ثلاث محطات استوقفته في لوحاته المعروضه ضمن مجموعة ( تجارب الصمت) وهذه المحطات هي ، دور العبادة والحصان والمرأة !
فقد كان فيها عنصر الضوء مبعثاً للأمل والترجي في نفس المشاهد ..
لقد صور الايمان بالرسالة السماوية مصدر نور فكانت لوحاته المتمثلة في هذا الجانب ذات سمة ( نورانيه) وقد عبر من خلالها عن شيء غيبي وإيماني في قرارة الإنسان ...
ونشر حبات ضوء حول الحصان ، العنصر الثاني الذي يرمز للعراق ، ويذكرنا بـ ( حصان جواد سليم) وجموحه القوي في نصب الحرية .. اما كتلة الضوء الثالث فجاءت عند وجود (امرأة عراقية) في اللوحة ليقول للمشاهد (ان العراقية ولادة) ..
لقد شكل لنا (الشيباني ) ثلاث كتل من الضوء في لوحاته في حالة شعور النفس الإنسانية بالإيمان في لوحاته عن ( الجوامح) والقوة التي رمز لها بالحصان والمرأة الولود التي ستملأ ارض العراق شباناً يخدمون الامه والوطن ..
واذ ما اردنا ان نضيف ركناً رابعاً .. فهو ( قصاصات الصحف) التي ظهرت متممه لتشكيلة اللوحة وفي هذا الحقل يكون الفنان التشكيلي قد كسر الصمت الذي بقي يختفي خلف ستائره .. !
لقد فتح لنا نوافذ الضوء – في لوحاته ( تجارب الصمت) – قنوات تستحق التأمل بقيت تشكل معادلة متوازنة مع اللوحات الغامضة .. الثقيلة على الروح..
ولم يستطع المتطلع الى لوحات المعرض ان يفضل لوحة على الأخرى .. لقد – كنا – نرى المعرض لوحاتة واحدة تعيش الصمت .. وقد قيل ((رُبَّ صمت أبلغ من الكلام)) وكان في هذا الصمت المطبق على ليل اللوحة وفجرها حكمة .. وموسيقى .. ودروساً تدعو للتأمل اردنا ان نشرب من ينابيع الحكمة ..
فإغترفناها من التقاء الألوان المتنافرة في لوحة واحده وأطربتنا ( موسيقى) – الهمس – الذي كان يدور بين رواد المعرض ، الذي شكل قمة نخبويه في التفاعل مع عالم اللون والإيحاء الشاعري بين اللوحة والفرشاة..
لقد أردنا ان نقرأ ( لافتات) امد مطر ونسمع شتائم ( مظفر النواب ).. فوجدناها في الضربات الحادة على لوحات الشيباني .. وعلى الوجه الثاني لذلك الطلاء الثقيل الذي جثم على (كبد) اللوحة أثر ضربة قوية لفرشاة .. اراد الرسام ان يصفع بها حقيقة صعبة فجاءت الصفعة على وجه اللوحة تشي للمشاهد ما كان يدور من حوار بين الرجل ولوحاته .. قال لها : هل تستطيعين التعبير ؟ لم تسكت ! قالت : نعم
وعندما وقف امامها الجمهور بقيت صامة ... !
ولاكن جمهور ( ثامر الشيباني ) كان ذكياً .. حساساً ففهم ما قاله الفنان له عبر لوحاته ..
أيها الشيباني .. يا ثامر .. ايها المواطن المضمخ بحب الوطن.. والمشدود الى ابناء العراق بكل مافي الإنسان من إنسانيه .. لقد وصلت الرسالة . ونجح المعرض .. نزجي اليك تهنأة ..
لقد كان معرضك قمة تتسامى مع القمم ( الكاليرهات) العالمية شكراً .. لقد علمتنا الفن !

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حاتم عباس بصيلة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/17



كتابة تعليق لموضوع : غدير العنبر " ثامر الشيباني وتجارب الصمت "
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net