صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

السلطات العربية تتوافق مع السياسات اليهودية
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كثيرةٌ هي القواسم المشتركة التي تلتقي عليها السلطات والحكومات العربية مع السياسات اليهودية القديمة والجديدة، ٌرغم أنهم يتبجحون ويبدون غير ذلك، ويتظاهرون بأنهم أعداءٌ وخصوم، والحروب بينهم مستعرة، والقتال بينهم ضاري، ولا لقاء بينهم ولا اتفاق، ولا أمن يوحدهم ولا سلام يجمعهم، وأن التوافق بينهم صعبٌ أو مستحيل، أو هو ضربٌ من الخيال أو محاولةٌ للتشويه، إذ كيف يجتمع النقيضان ويلتقي الضدان، وهم عبر التاريخ وعلى مر الزمان أضدادٌ متعارضة، ونقائض متنازعة، لا يصدقون بعضهم، ولا يأمنون أو يركنون في علاقاتهم لغير القوة والإعداد، أو هكذا يقولون.

لكن الحقيقة التي لا شك فيها هي غير ذلك تماماً، وهي التي يدركها العارفون، ويعلمها الخبراء والمختصون، الذين يطلعون على بواطن الأمور ويعرفون جوهر الأشياء، ولا تخفى عليهم المظاهر ولا تخدعهم الأشكال، فهم يعلمون يقيناً أن بين السلطات العربية والسياسات الإسرائيلية مصالحٌ مشتركة، ومنافعٌ متبادلة، يقفون عندها، ويحافظون عليها، ويدافعون عنها، ولا يفرطون فيها، فهي عماد وجودهم، وأساس بقائهم، وضمان أمنهم، وميزان استقرارهم.

لعل اتفاقيات السلام الموقعة بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني تكشف عن الكثير من القواسم المشتركة، والمصالح المتبادلة، وتفضح عمليات التنسيق الأمني بينهم، وترفع السرية عن الكثير من العمليات الأمنية المنسقة، التي تخدم أمن الفريقين وتضر بمصالح ومستقبل الشعب والأمة، علماً أن التنسيق الذي تفرضه اتفاقيات السلام، يتجاوز القضايا الأمنية، ليشمل الملفات السياسية، والمشاريع الاقتصادية، والبرامج العلمية والتربوية، والمناهج التعليمية والمساقات الدينية، وغيرها من المشاريع التي من شأنها القضاء على جذوة العداء، وخلق أجواء من التفاهم والتطبيع والمصالح المشتركة بين الطرفين، وهي في الغالب العام ضد الشعوب العربية، ولكنها لصالح الكيان الإسرائيلي ومستوطنيه فقط.

سأكتفي من بين القواسم المشتركة التي تجمع بينهم، باستعراض الشعار اليهودي القديم، الذي ما زال سياسةً إسرائيلية، ومنهجية استراتيجية لا تتغير، إذ ما زالوا يرفعون شعار "أرضٌ أكثر وسكانٌ أقل"، وهو ما عملوا على تطبيقه عبر سنواتٍ طويلة، منذ التأسيس حتى أيامنا هذه، فهم يعملون للسيطرة على أكبر مساحاتٍ ممكنة من الأرض، فتراهم يخططون للاستيلاء على المزيد من الأراضي، وطرد أكبر عددٍ ممكنٍ من السكان العرب، أو إخلائهم كلياً من مناطقهم، ليحل مكانهم مستوطنون يهود، وافدون ومهاجرون جدد، أو من المتدينين المتطرفين، الذين يؤمنون بطرد العرب والحلول مكانهم، اعتقاداً منهم أن هذه الأرض هي التي اقتطعها الرب لهم، ومنحهم إياها دون غيرهم من الخلق، وجعلهم شعبه المختار، وأبناءه وأحباءه المصطفين الأخيار.

الإسرائيليون يدركون أن الإنسان هو الذي يعمر الأرض، وهو الذي يمنحها الهوية، ويكسبها الصفات الباقية السائدة، وهو الذي يميزها عن غيرها، ويجعل منها وطناً بدل أن تكون تراباً وحجراً وشجراً، ولهذا فهم يحرصون على أن يسكنوا "الأرض المباركة"، وأن يعيشوا ويعمروا فيها، وأن يتركوا فيها آثارهم، فهي الدالة عليهم، والمعبرة عنهم، في الوقت الذي يغيب الإنسان العربي الفلسطيني، وتنقطع آثاره، وتغيب شواهده، فلا يعود له في الأرض مكان، ولا يبقى له فيها ما يربطه أو يشده إليها.

أما في الجانب الآخر، وعلى امتداد الوطن العربي كله، فإن الحكومات والسلطات العربية الحاكمة، تسعى لأن تستكمل السياسات الصهيونية، وأن تكمل المخططات التي بدأوها، وأن تشرف على ما يضمن نجاح خططهم، فهي أولاً تضيق على الفلسطيني الساكن في أرضه، والقابض على حقه، وتحاربه في رزقه وقوته، وتحرمه من مستقبله وحياته، لتجبره على الهجرة والرحيل، والنزوح عن الوطن والبحث عن لجوءٍ جديدٍ وشتاتٍ آخر، بحثاً عن رزقٍ ومسكنٍ، وعيشٍ كريمٍ ومأمنٍ، وهويةٍ وكرامةٍ، وبعضاً من الحرية والاستقلالية الفردية المحروم منها.

كما تسعى السلطات العربية إلى تهجير أبنائها، وطرد سكانها، وترحيلهم من ديارهم، واقتلاعهم من أرضهم، ولا يهمها ما يلحق بهم من ذلٍ وهوانٍ، وضيقٍ وحرمان، طالما أنها تتخلص منهم، وترمي بهم خلف الحدود لئلا يشكلوا عليها عبئاً، أو يكونوا لها معارضة، أو ينحازوا إلى خصومها، فيعرضون استقرارها للاضطراب والفوضى، وحكمها للزوال والسقوط، علماً أنها بأفعالها من حيث تدري تخدم العدو الإسرائيلي، الذي يهمه أيضاً أن يخلو الجوار من العرب، وأن يرحل من على حدوده حراس الأوطان وسكان البلاد، فهم يقلقونه ويخيفونه، ويستعدون لمواجهته ويتمنون قتاله، ولا يحبون له البقاء، ولا يأملون له الاستقرار.

أليس في هذا توافق وقحٌ بين السلطات العربية والسياسات الإسرائيلية، وتنسيقٌ قبيح بينهما وتبادلٌ مهينٌ للأدوار، فكلاهما يريد أرضاً بلا سكان، وأوطاناً بلا شعوبها الأصلية، أو يريد فيها عبيداً مخصيين للخدمة لا أكثر، لا يعرفون الثورة ولا العصيان، ولا يتقنون إلا الصر والحلب ورعي الغنم، ليسهل عليهم تغيير شكلها، وطمس هويتها، واستبدال ثقافتها، وتعديل ديمغرافيتها، والتلاعب في طوائفها ومذاهبها، ويسهل عليهم بعد ذلك حكم البلاد، والسيطرة على مقاليد الحكم والاستقرار، دون خوفٍ من انقلابٍ أو خشيةٍ من ثورةٍ أو انتفاضةٍ تقلب الأوضاع، وتعيد إلى البلاد موازينها الأصلية، وهوياتها الشرعية الموروثة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/18



كتابة تعليق لموضوع : السلطات العربية تتوافق مع السياسات اليهودية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net