صفحة الكاتب : ياس خضير العلي

صفحات من دع القلق وأبدا الحياة بالعراقي
ياس خضير العلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أثناء الحرب العراقية الآيرانية بالثمانينات كنت اسكن بيتآ ضخمآ يملكه المرحوم أبي , والذي كان ضابطآ بالعهد الملكي وبعد أعلان الجمهورية العراقية منح كأي ضابط البيت هذا بمنطقة ( زيونة ببغداد _ الرصافة )  , والبيت كبيرآ جدآ وبعد زواجي بنيت ملحق بجانبه بالحديقة معزول عنه  وبموقع متميز بالتقاطع بين الشارع الرئيسي والطريق السريع , وكان المرآب ( الكراج) يتسع لسياراتنا أنا وأخي الموظف بفندق من الشركات السياحية المشهورة , ولكن انظر من مكان جلوسي هنا حيث أكتب رسالتي هذه للأستاذ الصحفي الصديق ياس خضير العلي  الى الحديقة وأثار البيت الجانبي الملحق بالبيت الكبير و حيث بنيته لي ولزوجتي وأولادي , ولكني أراه اليوم خرائب وحفر ولم يبقى منه شيء ألا هذه الحفر التي نمت فيها أشجار طولها اليوم ثلاثة أمتار أو أكثر وأعشاب والتي كانت قبل سنوات غرف النوم وصالات ومطبخ وحمام وألغرف الأخرى وبأمكاني اعيد بناءه لكني أريده يبقى ذكرى وكانه نصب فني لنحات كلفته أن يراكب ركامه لأراه كل يوم  والسبب كان القصف الآيراني لمدينة بغداد أواسط الثمانينات حيث كانت حرب المدن بالصواريخ نوع كراد الروسية بعيدة المدى التي تبادلها نظام صدام والايرانيين و وكنت في ذلك الصباح وكعادتي أستيقظ من الصباح الباكر أصلي وأذكر الله وأذهب بسيارتي الى الأفران لشراء الصمون العراقي الحار الساخن  وأشتري من المرأة الريفية التي تأتي لتبيع القيمر وهونوع من الالبان المحلية مصنوع يدويآ ومشهور في بغداد , وعندما وضعت كيس الصمون وماعون القيمر في السيارة عند الساعة الثامنة ألا ربع صباحآ تقريبآ حيث أتوقع يكون الأولاد قد أرتدوا ملابس المدرسة وبأنتظار وصولي للبيت ليأخذوا طعام الفطور والشاي السخان ولأوصلهم للمدرسة في الشارع الخلفي لبيتنا  كما هو الحال صباح كل يوم, وصلت للبيت ووجدت الناس متجمعون وسيارات الشرطة والأسعاف والكل لايرى ألا أنقاض البيت لأنه الصاروخ الذي سقط لم يترك اثر لشيء ...
ذهلت لكن الصدمة جعلتني أصدق ماأرى وأكذبه بنفس الوقت ... وبدأت أهيء نفسي للحياة الجديدة ...
وتذكرت أني منذ الشباب جابهت عدم الأستقرار , جابهت أول مرة ذلك عندما انتقلنا الى بغداد من مدينة السليمانية الكردية لنرافق أبي بموقع عمله كضابط بالجيش العراقي في مواقعه ببغداد, وعلى الرغم من الأمتيازات لأبي من سيارات وسائق وحرس حماية للعائلة وأدخلني أبي في مدرستين من أحسن المدارس بالعراق وعاصمته بغداد , ولكن التعليم الراقي هذا لم يكن كافيآ و فقد كنت عنيدآ أنانيآ وكنت أهمل دروسي وكانت تثور في نفسي مشاعر غريبة , وطباع بغيضة, وفي أحدى ساعاتي الشيطانية , حاولت أن أشعل النار في المدرسة , وفي ساعة أخرى حاولت فتح بطن زميلي بالسكين التي كنت احملها كسلاح أبيض معي , ولكنه من حسن حظي لم يصب بأذى لتدخل زملاءنا .
أعتقادي أن المال والتعليم لوحدهما لايكفيان مالم تدعمهما حياة عائلية مستقرة والبيئة المناسبة وخاصة نحن من الأكراد وجئنا لمنطقة ذات أكثرية عربية وكانت الصراعات بين حركات وجيوش الأكراد المطالبة بأقامة دولة كردية وتنتج عنها معارك حقيقية مع الجيش العراقي وتتسبب بمقتل الكثيرين من الجيش والأكراد وذلك زرع بنفوس الناس الكراهية من الطرفين وأن لم يعلنوا عنها جهارآ ...وعندما كنت صغيرآ كنت أظن السعادة في أن أكبر وعندما كبرت ظننت  أن السعادة لاتوجد ألا في أيام الطفولة, وفي الواقع أسعد أيام حياتي كانت قبل الحروب , وكنت أيام الدراسة الجامعية لي زميلة تدرس الهندسة الزراعية معي وتبين أنها كانت تحبني ولكني لم الاحظ ذلك  وهاقد أصبحنا موظفيين حكوميين جمعتنا الصدفة في مؤسسة واحدة وعندما سمعت بقصتي جاءت مع الزملاء عندما حضرت للعودة للحياة الوظيفية بعد الحادث بأشهر لتسلم علي وتقول لاتحزن أننا معك الى آخر لحظة من حياتنا ... ولكني لم أستطيع الرد عليها لزحمة الزملاء وحواراتهم ومحاولتهم الشفقة والعطف علي , وبعد أشهر وجدتني أغفوا بأحضانها وتزوني للبيت الذي أسكن في البناء القديم منه الذي لم يتضرر , وتعاطف أخي معي وترك البيت ليتزوج ويعيش مع زوجته زميلته بالفندق السياحي الكبير جدآ ولديهم مجمع سكني ملحق بالفندق للمنتسبين له , وبقيت وحيدآ ألا من زياراتها التي كانت تحرص على أن تكون أمها العجوزة معها فيها ويحملن الطعام الذي صنعته أمها لنا والمعجنات والكيك والحلويات واستمتعت بشرب الشاي من يديها , وعليه قررت الزواج منها وتم لنا ذلك , وما جعلني أحبها كثيرآ , هو منحي فرصة أن أجلس لوحدي بعض الأحيان والأوقات أنظر للخرائب بالحديقة وأتأمل ولاتشاركني ساعات تفكيري لتتركني أخذ القسط من الراحة والتأمل والدعاء بالرحمة لعائلتي ...
وكانت تأخذني برحلات الأجازة الى مدينة السليمانية بشمال العراق حيث ولدت وبيت العائلة الكبير والمزرعة وهناك أصبحت أكثر صبر وتأمل وسيطرة على النفس ولكون الطبيعة صعبة وأمارس فيها تمارين رياضية وأركب الخيل وأمارس هواية الصيد وأطلاق النار ورياضة طبيعية أنستني همومي , وكنت أحس بحريتي التي يحس بالحرمان منها زملائي بالعمل في بغداد وأصدقائي أيام الدراسة الجامعية , حيث كنت قد شملت بقرار العفو من الخدمة العسكرية الأجبارية لكون الأكراد القومية منحوا العفو من الخدمة بالجيش لكونهم من أقليم كردستان و ولكن تركونا نستمر بالوظيفة المدنية العامة , وهذا قرار نظام صدام عاملنا كأجانب , ولم يكن لدي مايشغلني بوقت فراغي ألا القراءة والتطلع للأخبار ومشاهدة المآساة بالحرب التي تواصلت ثماني سنوات وحرقت الأخضر واليابس ولكني منحت شهداء للوطن ضحايا بالحرب عائلتي الأولى دون سبب...
أنا شخصيآ لم أربى تربية دينية متشددة , لأني تعلمت الدين الأسلامي بالمدرسة أكاديميآ وآمنت لكن كان الصراع القومي بين العرب والأكراد من أهل منطقتي كبير ومحير الطرفان من الأسلام لماذا يتقاتلون؟ أليس غريبآ بوقت الدين ينص على أن المسلمون أخوة , لكني أحسسن أن رجال الدين هم السبب وراء ذلك لأنهم يلقنوننا الدين تلقين لدرجة قد أصبح الأصغاء لهم كفكرة مبتذلة مكررة , أو حقيقة أفرطوا بتكرارها على أذهاننا لدرجة محت ذوقنا عما يرغب , أن الكلمات المعادة تصبح خالية من المعنى والأراء المكررة تصبح بالية عندما تكرر كما هي نصآ , ولكني لاأنسى أن الحقيقة تبقى مخفية في طيات هذا التكرار , ومن رأيي على رجال الدين أن يعرفوا الناس بالحقيقة  بطرق جديدة نيرة واضحة تحبب الناس في الدين بدل أن تنفرهم منه عندما يصبح رجال الدين طبقة خاصة وبعيدة عن الناس ولاتعايشهم ولاتتألم معهم لتعبر عما يعانون وتجد الحلول التي عليها وواجبها أن تجدها لهم وترشدهم لها ’ وأذا رفض الحاكم تمارس دورها بقيادتهم لتغييرها .
لأنه الحل لمشاكل الناس لايأتي من الحكومات والقوانيين التي تشرع من هؤلاء المتسلطون بطرق عدة , وسيتوقف الحل عند القانون الذي يحكم كل فرد من هؤلاء الناس .
وأنا اليوم أحاول أن أهيء أطفالي للحياة المستقبلية لعلهم يجدون السعادة فيها , لأني أصبحت متفرغ لهم بعد أن أخذت الحروب الصدامية من 30سنة لليوم كل أصدقائي وأقاربي , لأنهم من لم يمت كمقاتل مات بأنفجار أو قتل على يد عصابات أو أخفي في السجون السرية , وأعجبني عنوان كتاب الصحفي عندما أعلن عنه لراسله واكتب قصة حياتي ليصيغها لكم ويكتبها بأسلوب مقبول عندكم وفكرتي التي آمنت بها أن المصائب من صنع أيدينا و لأننا مثلا تم أعفاءنا من الخدمة العسكرية لأننا أكراد القومية , كان علي أن أنتقل الى الشمال لأعيش في مدينة أجدادي السيمانية وهناك دوائر للدولة كان ممكن أنتقل لها وأمارس عملي كمهندس زراعي بعد الدوام الرسمي في المزرعة التي يملكها أجدادي وأعيش طبيعي , لكن حب التميز ربما كالعيش بعاصمة والتمتع بسهرات مع الأصدقاء ليلية وحضور الحفلات والنوادي الأجتماعية كان وراء الكبرياء لكي لاأعود لمدينة متوسطة كالسليمانية , هناك صفحات أخرى بحياتي أعتذر هن هرضها لأنني لاأريد أن أحرج أحد منهم من أساء ألي ومنهم من أكرمني , هذه جزء من طرق مجابهتي للتحدي المؤلم بالحياة وكيف تغلبت عليه لأبدأ الحياة من جديد, شكرآ لكم .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ياس خضير العلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/23



كتابة تعليق لموضوع : صفحات من دع القلق وأبدا الحياة بالعراقي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net