صفحة الكاتب : باقر جميل

سكوت المرجعية .. من وجهة قرآنية
باقر جميل
 لقد كثر الحديث عن سبب  سكوت المرجعية الدينية عن الأوضاع السياسية بالتحديد ، وكثرة التحليلات والتوقعات التي  تبين سبب هذا السكوت ، كما  ان هناك جهات اتخذت من هذا السكوت مادة للتشهير  بالمرجعية الدينية والنيل  من مقامها  وتحميلها  مسؤولية صعود الفاسدين الذين انتخبهم الشعب لأكثر  من مرة !
وهنا  سوف  نتعرف  ولو بالشيء  البسيط على  فهم هذا السكوت وما  هو فعاليته وما هو الغرض  منه ؟ ولفهم ما هيته بالتحديد ، فهل  هو فعلا  تراجع وإخلاء  الساحة للسياسيين ؟ ام ان المرجعية تعطي  وقتا إضافيا للحكومة في   تنفيذ ما وعدت به الشعب  من إصلاحات ؟ ام ان سكوتها  لاجل شيء لا  نعرفه ؟
وهل  سكوتها  فيه موقف شرعي موجود وملموس على ارض  الواقع ؟
مع ان العبارة الأخيرة  لا يقولها  من يؤمن بخط المرجعية وبأعلمية الفقيه الذي  يحاول  دائما  ان يحفظ الامور  العامة قدر  الامكان ، فهو المختص  والاكثر  خبرة من غيره ، لكن كلامنا  لطبقتين رئيسيتين هما :
الاولى : 
الطبقة المثقفة والتي  من أسسها  تناول  الموضوعات بشكل  حيادي  وموضوعي  وصريح وجاد ، ولكي  تبحث  عن الحقيقة فلا  تهتم للإشاعات والأقوال المنفردة والغير  منضبطة ، بل  يكون البحث والتدقيق  والتشخيص  هي  الادوات التي تمكنها من الوصول  الى ما  تصبوا  اليه .
والذين بقوا  في  حيرة من امرهم في  سبب سكوت المرجعية اما  من كثرة التحليلات ، او لعدم فهم ما  يدور  في خلد المرجعية من افكار ، فهنا  نحاول  ان نعطيهم نموذج يحاول  ان  يفتح الباب  أمامهم لكي  ينطلقوا  بمصداقيتهم للوصول  الى الحقيقة والدفاع عنها ، واما  الذين يدعون الثقافة فلا  كلام لنا  معهم ، لانهم والهمج الرعاع سواء .
الثانية :
هي  طبقة الشباب  الحريصة  على كشف الحقيقة والدفاع عنها ، والذي  اختلطت عليهم الامور  بسبب كثرة الإشاعات والكلام الذي يحلل سكوت المرجعية على انه خذلان وتراجع ، وبنفس  الوقت  يحاول  قدر  الامكان فهم هذا السكوت ، هل  هو تدبير صحيح بالأساس ؟  وهل  يعتبر شيء محدد بحد ذاته ام  ماذا ؟
وكما  هي في  الحالة السابقة فالذين لا  يريدون معرفة الحقيقة ولا  كيفية الوصول  اليها  فلا  كلام لنا  معهم ، لان غايتهم الاعتراض فقط ، ومحاول جلب  الاضواء  اليهم من خلال  التعرض  الى هرم التشيع فيكون ذلك بنظر  ضعفاء  النفوس (من اشجع شجعان العرب)!
هنا  نحاول  ان نعرف ان سكوت المرجعية ليس  مللا  من الاوضاع ، وليس تراجع وخوفا من المستقبل ، ولا  هو رضوخ وخضوع امام الفساد وكبار منتهنيه ، وليس سكوتها  هو ترك الناس  امام هذه الاخطار والاهوال ، والشواهد على هذه الامور  كثيرة وكبيرة ، فالمرجعية رأت ضرورة للكلام فتكلمت ، وعندما  رأت ان الامر  يتطلب  النصح نصحت ، وعندما  شاهد الامر يحتاج الى فتوى فقد افتت ، وعندما  يحتاج الواقع الى سكوت وتهدأ الأوضاع فعلت ، حتى لو تهدم قبر  الامامين العسكريين ! لان السكوت في  وقتها  كان هو السلاح الناجح لإبعاد الفتنة .
لذلك قد يكون سكوت المرجعية قد يكون هو مستمد من القران الكريم وفي  اكثر  من اية ، (ولا  نقول  ان هذا الامر  هو مراد المرجعية القطعي  من السكوت) .
حيث  ان الله تعالى استخدم السكوت لعدة مواقف كما  بينها  القران الكريم ، حيث  قال  في  سورة آل عمران في اية (77) : ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
وكذلك في سورة البقرة حيث  قال  تعالى في اية (174) : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
هذا السكوت في  اية آل عمران ، هو جزاء للذي يشتري ايات الله بثمن قليل ، فكان جزائهم منعهم من (الخلاق) أي  النصيب  والتزكية  ، وكذلك( لا يكلمهم الله) ، وكإن الله تعالى قد جعل التكلم والكلام مع فئة من الناس يوم القيامة امر لا  يحصل  عليه الا ذو حظ عظيم ، ومن كان مؤمنا  بكتابه ورسله ومطبقا لما فيهما  الى يوم القيامة قدر المستطاع كما في  قوله تعالى في سورة الحاقة (  كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ).
وفي  اية سورة البقرة كان السكوت عقابا لاهل  الكتاب ، الذين يكتمون الامور  التي  حللها  الله فيحرمونها حفاظا لسلامة سلطانهم وحفظ رئاستهم من الناس (1) ، فكان لهم من الله العقاب انه لا يكلمهم ولا  يزكيهم يوم القيامة على عكس  ادعائهم بأنهم شعب  الله المختار ..! 
 
         لكن البعض يعتبر  ان السكوت هو نوع من انواع العقاب نظيرا للكلام ايضا ، لان الكلام جاء في بعض  الايات على شكل  عذاب وعقاب لكثير  من المعاندين والمنافقين كما في قوله تعالى (  خُذُوهُ فَغُلُّوهُ *  ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ *  ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ )، وسكوت الخالق  يوم القيامة هو محطة من محطات العذاب  الاليم يوم القيامة ، ومن بعدها وقائع وخيمة لا  يحمد عقباها ، فلا يتوقع ان سكوته هو القبول  بما  فعل  الانسان من جرائم ، بل هناك اشياء  قد تكون اعظم منها  .
نأتي  الان الى سكوت المرجعية وما هو المغزى منه في  هذه الاحداث  الكبيرة ، فالمرجعية قد تكلمة في  كثير  من الامور  التي  تكون مصيرية للشعب  العراقي   امثال  الانتخابات فقالت لابد من انتخاب  الاكفئ والانزه  في  مجاله ، كما  انها  لم تتلكم عن بعض  الامور كما  حصل  في  مسألة تشكيل  المجلس  الانتقالي ولم تبدي رأيا فيه (2) ، لكن بعد الانتخابات وبعد ان جعلت المرجعية خطبة الجمعة منبرا لتوجيه التصحيحات التي  تفتقدها  الحكومة وأصبحت موجهة لها وداعية لمراعاة المصالح الوطنية  عبر الفضائيات (خطبة الجمعة في  الصحن الحسيني المطهر) ، فكان الجواب  هو الخذلان من قبل  الحكومة وعدم الاستجابة وعدم الايفاء  بالوعود التي وعدو بها ، وقاموا  باخفاء  الحقائق التي لابد ان يطلع عليها  الشعب حفاظا على سلطانهم ومناصبهم ، بعدها تحولت المرجعية الى مواجهة جديدة لا  نعرف  بالضبط ماذا سيكون بعدها بالتحديد ، الا ان القادم سيكون الشعب  اما خيارين لا  ثالث  لهما : 
اما مساعدة المرجعية بإنتخاب ممثلين أمناء وصلحاء يحفظون  المال  العام ،ويجعلون  الوطنية هي  الميزان في  خدمة الشعب  لا  المصالح الشخصية او الحزبية .
او يبقى الامر  كما  هو عليه  وترجع نفس  الوجوه المتخمة من الفساد ، حتى يتفاقم الامر اكثر من السابق لان الفساد ان استمر سيدمر كل  شيء  باستمرار ، أي  لا يدمر  شيء  ويقف  عنده .
  اذا سكوت المرجعية ليس تراجعا منها ، وليس خوفا من الاعداء ، بل  اسلوب  يتخذ  في مرحلة معينة وفي  ظروف  خاصة ، كما  كان الكلام في  السابق  لظرف لابد منه في  تبيان الكثير  من الامور ، الا ان الفارق  هنا يكون الاختبار هو سيد الموقف  ليتبين من الذي  سيلتزم ومن الذي سيقع في  فخاخ الاحزاب .
 الامر  يحتاج الى صبر  ومثابرة ليس  بيوم او يومين ، ويحتاج الى تضافر  الجهود من الشعب لتطبيق نصائح المرجعية .  إن أرادة الناس  فعلا إبعاد هذه الطبقة السياسية بالكامل ، فالمرجعية والشعب  لا  خيار  سلمي  أمامهم سوى الانتخابات التي تجبر  الكل  على السكوت والرضوخ للأمر  الواقع بدون منازع .
في  النهاية نعيد الامر  بصورة اخرى ، سكوت المرجعية مستنبط من اسلوب عالي  المستوى وهو فعل  الله تعالى يوم القيامة للبعض ، كما  ويشير  الى استمرار معركة الاصلاح وجعلها  في  طرفين الاول ساكت والاخر  يعمل ، لندخل  بعدها  في  مرحلة جديدة لا  نعرف مستوى خطرها  او سوء  ايامها ، سوى اننا نحتاج الى الايمان بسكوت المرجعية ومصداقية سكوتها  الذي قد يتحول  في  وقت من الاوقات الى تطبيق (ولات حين مندم) والله العالم .(3) .
____________________
(1)  تفسير  الميزان ، وتفسير  الامثل  ، وغيرها .
(2)  كتاب  النصوص الصادرة لحامد الخفاف /ص(44 /45/47)
(3)  (لا  نقول  ان هذا الكلام هو الوجه الحقيقية لسكوت المرجعية ، انما  هو تحيلا  لا أكثر والعلم عند الله)

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


باقر جميل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/18



كتابة تعليق لموضوع : سكوت المرجعية .. من وجهة قرآنية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net