صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

معارك عين الحلوة أحداثٌ مؤسفةٌ ومآسي مرةٌ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لن أدخل في تفاصيل المعارك الجارية في مخيم عين الحلوة جنوبي مدينة صيدا اللبنانية، وهو المخيم الأكبر للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولعله أكبر مخيمات الشتات بعد الدمار الكبير والمريع الذي لحق بمخيم اليرموك بدمشق عاصمة مخيمات اللجوء الفلسطينية، وأحد أشهر المخيمات التي يعتز بها الفلسطينيون إلى جانب اليرموك والوحدات وجباليا وغيرهم من المخيمات العزيزة الغالية، التي أنجبت أعظم الأبطال، وربت خيرة الرجال، وخرج منها مقاتلون ومقاومون، وقادةٌ ومسؤولون، ومتميزون ومبدعون، وروادٌ وكتابٌ وتجارٌ وخير رسلٍ وسفراء عن فلسطين، يحملون قضيتها، ويدافعون عنها، ويضحون في سبيلها، ويعلمون من أجلها، ولا يتأخرون عن العطاء فداءً لها، ونصرةً لشعبها، وتأييداً لحقوقها.

التفاصيل الميدانية للمعارك والأحداث الجارية في مخيم عين الحلوة كثيرةٌ وعديدةٌ، ومتفرقة ومختلفة، وهي معاركٌ قديمةٌ جديدةٌ، متكررةٌ ومعادةٌ، ولكنها جميعها مخزيةٌ ومؤسفةٌ، ومؤلمة وموجعة، لا تشرف الفلسطينيين ولا تخدم قضاياهم، ولا تقربهم إلى بلادهم، ولا تعيدهم إلى ديارهم، ولا تؤلم عدوهم، ولا توجع محتلهم، ولا تسر أصدقائهم، ولا ترضي أحبابهم، ولا تشجع المناصرين لقضيتهم، ولا تساعدهم على الدفاع عنهم، وتبني مطالبهم، ورفع شعاراتهم، بل إنها تفض المؤيدين من حولهم، وتقصي المناصرين لقضيتهم، وتدفع القلوب إلى اليأس، والنفوس إلى الإحباط، وتضعف الارتباط بقضايا الوطن، وتجعل التضحية في سبيله تحت الرايات الموجودة والعناوين الحاضرة مغامرةً خاسرة وتضحيةً باطلةً.

تُرى كيف سنقنع العالم ومعه لبنان أن سلاح هذه المخيمات الفلسطينية إنما هو للمقاومة وقتال العدو الإسرائيلي، وأنه للتحرير والتمهيد للعودة إلى الوطن، وقد كان لأبنائه في ميادين القتال دورٌ مشرفٌ في المقاومة والعمليات الفدائية، فسلاحنا في هذه المخيمات سلاحٌ مقدسٌ شريفٌ، طاهرٌ برئٌ غير مدنسٍ، وإلى غير فلسطين غير موجه، فكيف سنقنع العالم بدعوانا وبوجهة نظرنا ونحن نرى أبناء المخيمات يتقاتلون، وعناصر المنظمات يتصارعون، والوافدون الغرباء إليه فيه يتحكمون، وعلى مصائر أهله يتسلطون، وجميعهم يطلقون النار على بعضهم وكأنهم أعداءٌ وخصوم، ويقصفون بالسلاح الثقيل أحياءهم وكأنها تل أبيب أو غوش عتصيون، فيقتلون المارة والمحصنين، وتطال قذائفهم غرف النوم والمدارس ورياض الأطفال، وتقتل الرضع والشيوخ، والكبار والصغار، والنساء والرجال، وتجر معاركهم العنيفة إلى رحاها القذرة كل أطياف الشعب الفلسطيني اللاجئ، في صيرورةٍ للقتال مهينة، واستمرارية للمعارك غير مفهومة.

ألا يعرف الفلسطينيون أهمية وقيمة الحاضنة الوطنية والقومية التي يستندون إليها ويحتمون فيها، إذ لا قيمة لسلاحهم إن تخلى عنهم شعبهم، وانفض من حولهم أشياعهم، وابتعد عن قضيتهم المؤيدون لهم والمناصرون لحقوقهم، فنحن إذا ننتصر وترتفع كلمتنا وتشتد شوكتنا ويقوى عزمنا، إنما بسبب الحاضنة الوطنية والمحيط القومي، المؤمن بقضيتنا، والمستميت في الدفاع عنها، ولكن معارك مخيم عين الحلوة تستفز كل محب، وتخرج كل صديقٍ عن طوره، وتجعله يحار في فهم ما يجري، وتفسير ما يقع، إذ لا يقتصر الخوف على أبناء المخيم وحدهم، وإنما يمتد ليطال الآمنين في مدينة صيدا، والساكنين في المحيط والجوار، وجلهم من المحبين لفلسطين وأهلها، ومن المتعاونين مع المخيم وأبنائه، إذ فيه رزقهم وأعمالهم، وفيه يفتحون محالهم ومتاجرهم.

ما الذي سيجنيه المتقاتلون في المخيم وماذا سيكسبون إن كان ثمن اقتتالهم خراب المخيم ورحيل سكانه، وتشتيت الرمز الفلسطيني العريق في هذا المخيم، علماً أنه ما كان لهم أن يحملوا السلاح ويتشبهوا بالمقاومين لولا هذا الشعب وقضيته ومخيماته. 

ألا يعلمون أن الشعب الفلسطيني لا يقبل بهذه الجرائم، ولم يعد يرضى بالسكوت عليها، أو خفض الصوت لتمريرها، بل إن صوته سيرتفع هذه المرة مطالباً بالتحقيق في هذه المعارك المأساوية، ومحاكمة كل الذين كانوا سبباً فيها، أو ساهموا في استمرارها، أو تأخروا في إخماد نيرانها، أو سكتوا عمن فجّرَ الأحداث، أو سهلوا دخول الغرباء والأجانب، الذين لا يهمهم الشعب، ولا تعنيهم القضية، وهم الذين هربوا من ديارهم وبلادهم بعد أن أفسدوا وخربوا فيها، ودخلوا المخيمات ليستظلوا بظلها، ويستفيدوا من فيئها، ويستغلوا أجواء المقاومة التي تعيش، وحالة الاستثناء التي تميزها، ليشكلوا مجموعاتٍ تخربٍ، وفرقاً تفسد، وتنظيماتٍ تفرض شروطها، وتنفذ برامج لا تخدم الفلسطينيين ولا تنفع قضيتهم، بل إنها تضر وتفسد بينهم وبين الجوار الذي يحتضنهم، والشعب الذي يستضيفهم، ولا يقبل أن يهانوا وقضيتهم.

ألا يستطيع المسؤولون في هذا المخيم العزيز أن يتداعوا إلى لقاءٍ جامعٍ، يدعى إليه الحكماء والمخلصون، والوجهاء والعلماء والعاملون، والوسطاء والمستشارون من غير أبناء المخيم، ليوقفوا المعارك ويحقنوا الدماء، ويعيدوا الأمن والأمان إلى المخيم، ويستعيدوا ثقة السكان وطمأنينة الأهل، ويوقفوا تداعي المشكلة وتفاقم الأزمة، ويضعوا حداً للتدخلات الأجنبية والأيدي الغريبة والساعين لخراب المخيم وتشتيت الشعب وإشعال نار الفتنة بين الفلسطينيين في لبنان، وليعلموا أن نار الحرب إذا ما أضرمت فإنه يصعب إخمادها، كما لا يسهل تطويقها، وهي بالتأكيد ستخلف نتائج سلبية، وستترك آثاراً قاسية، وستجبر سكان المخيم على الرحيل والهجرة، وترك بيوتهم والتخلي عن مخيمهم، بعد أن دكت القذائف جوانبه، وهزت الصواريخ أركانه، وتطاير رصاصه القاتل وتفرق بين أزقته وفي شوارعه، ولا يخفى على أحدٍ أن إخلاء المخيم من سكانه حلمٌ، وتفكيكه أمل، والقضاء على جذوة المقاومة فيه وروح الصمود بين أهله مشروعٌ.

إنها معاركٌ مشبوهةٌ، وحروبٌ غير نظيفة، ومخططاتٌ مجهولةٌ، وشخصياتٌ غير معروفةٌ، وأسلحةٌ غير شريفةٍ، بل إنها بحق بنادقٌ مأجورة، وكوادر وطاقاتٍ موهومة أو مغرورةٌ، ينبغي التصدي لها، والوقوف في وجهها، وعدم التساهل معها، والاتفاق على ضربها، والعمل على إخراجها أو تطويقها، فهذه المعارك والحروب تضر بنا وبقضيتنا، ولا تخدم سوى عدونا ومن تآمر علينا، وإن سكتنا عنها مرةً فإنها ستتكرر في مخيماتٍ أخرى، وستؤدي إلى تقويض البنية المجتمعية الفلسطينية وتشريدها، ودفعها إلى لجوءٍ جديدٍ وهجرةٍ أخرى.

بيروت في 1/3/2017

https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi

moustafa.leddawi@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/01



كتابة تعليق لموضوع : معارك عين الحلوة أحداثٌ مؤسفةٌ ومآسي مرةٌ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net