خطاب القرآن الكريم عند الشيخ مطهري
علي جابر الفتلاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
القران الكريم كتاب هداية ليس للمسلمين فحسب بل للانسانية ، ليخرجهم من الظلمات الى النور (( كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور )) ابراهيم ،1
وكلمة الناس عامة تشمل الانسانية كلها ، واحد اساليب القران في الخطاب ، اسلوب مخاطبة العقل والفكر والدعوة الى التدبر (( كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولو الالباب )) سورة ص 29 .
وهذه احدى مسؤوليات القران حيث يخاطب العقل ويدعو الى التحليل والعقل والتعليم والتذكروالتفكر وبعد مخاطبة العقل ، يتجه القران الى اسلوب اخر في الخطاب هو اسلوب مخاطبة القلب ،والاسلوبان واساليب اخرى في القران كلها تريد الوصول الى هدف واحد هو هداية الانسان،واسلوب الخطاب القراني للهداية ، يصلح لكل زمان ومكان وهذه احدى المعجزات القرانية ، حيث تتسع التجربة القرانية لكل الحقائق العلمية المكتشفة ولا تتعارض معها ، وان حصل تعارض او اصطدام بين الحقيقة العلمية وما اشيع عن رأي في التفسير،انما الخلل في المفسر وفهمه واستيعابه وليس الخلل في القران ، لان الحقيقة القرانية واحدة، فالاراء التي قيلت سابقا ،كالقول بان الارض مركز الكون ،او ان الارض منبسطة او انها ثابتة ، ليس الخلل في القران بل في مستوى العلم في ذلك الزمان ، وفي فكر وفهم واستيعاب المفسر للحقائق العلمية المكتشفة ، علما ان القران ليس كتاب علم في الفلك او الفيزياء او أي علم اخر، بل هو كتاب هداية يضرب امثلة ، فيها اشارات علمية للتنبيه والتفكر لغرض الاقناع والهداية لا غير،في هذه المقالة نتناول خطاب القران للعقل والقلب،وموقف المسلمين من هذا الخطاب ، وكيف يفهم المسلمون هذا الخطاب ، وهل يمتلك المسلمون فهما موحدا للخطاب القراني ؟ ومعلوم ان الافهام تتنوع بناء على معطيات كثيرة منها المسبوقات الفكرية والذهنية ، او الثقافية العامة ، و تطور الفهم تأريخيا ، وللشهيد مطهري محاضرة قيمة يتناول فيها هذا الجانب وهو خطاب القران للعقل والقلب نستعرض من خلال هذه المقالة آراءه والافكار التي يريد توصيلها الى القارئ ، يقول الشيخ مطهري ان اول سؤال يطرح نفسه لدى التحقيق في موضوعات القران هو هل يمكن اصلا معرفة القران؟ وهل هناك امكانية التحقيق في القران ؟ وهل يمكن التفكر والتدبر في مواضيع ومسائل القران؟ ام ان هذا الكتاب لم يعرض اساسا للمعرفة ؟ بل فقط للتلاوة والقراءة والتبرك والتيمن واخذ الثواب ؟
هذه جملة اسئلة يطرحها الشيخ مطهري ، وذات مساس بموضوع البحث اذ ان هناك فرقا اسلامية لها موقف من هذه الاسئلة ، ومن هذه الفرق من يحسب على الشيعة . يمكن ان يقول البعض ان مثل هذه الاسئلة ليس لها وجه ، لانه لايشك احد ان القران كتاب معرفة ، ولكن لظهور قضايا في مسألة معرفة القران بعلل مختلفة في العالم الاسلامي،وكان لها تأثير فعال في انحطاط المسلمين وتدهور حالهم، ولا زالت جذور تلك الافكار المنحطة الخطرة موجودة في مجتمعاتنا ، لذلك لابد من التوضيح ، هذا الرأي للشيخ مطهري .
نوجز بعض اراء الشيخ مطهري حول الموضوع ، ظهر بين علماء الشيعة قبل ثلاثة قرون او اربعة قرون ، اشخاص يعتقدون بعدم حجية القران ، ولم يعترفوا في ثلاثة من المنابع الاربعة للفقه ، التي ارتضى بها علماء الاسلام بمثابة معايير لمعرفة المسائل الاسلامية ، وهي القران والسنة والعقل والاجماع ، هؤلاء العلماء الذين انفردوا في ارائهم عن آراء المسلمين الاخرين ، يقولون في انتقادهم لمصدر الاجماع في الفقه ، ان الاجماع من بنات افكار المذاهب الاخرى ولا يكمن اتباعه ، وينتقدون الاعتماد على العقل كمصدر للتشريع بان العقل لا يجوز الاعتماد عليه لكثرة اخطائه اما رأيهم بخصوص الاعتماد على القران كمصدر للاستنباط ، فكانوا يعتقدون بانه اكبر من ان نستطيع نحن البشر ان نطالعه ونتأمل فيه ، ولا يحق لاحد الا النبي والائمة من التعمق في آيات القران ، ونحن لا يحق لنا غير تلاوة الايات ، وهؤلاء الذين نعنيهم ويتبنون هذه الافكار هم ( الاخباريون ) اذ لا يجوزون الا مراجعة الاخبار والاحاديث ، ان بعض التفاسير التي كتبت من قبل الاخباريين يذكرون الاية اذا وجد حديثا في ذيل الاية ، وان لم يجدوا حديثا امتنعوا حتى من ذكر الاية ، وكأن تلك الاية ليست من القران .
يذكر الشيخ مطهري ان هناك فرقا اخرى غير الاخباريين يمتنعون من وضع القران في متناول ايدي الناس ، ومن هذه الفرق الاشاعرة ، حيث يعتقدون ان معرفة القران لا تعني التدبر في آياته ،بل معناها فهم المعاني اللفظية للايات ،أي ان ما عرفناه من ظاهر الآيات نقبلها ولا يهمنا من واقعها شيئا .
وطبيعي ان التعامل مع القران بهذا الاسلوب سيقود حتما الى الضلال والانحراف والابتعاد عن مقاصد القران الحقيقية والواقعية ، لانه لامفر من توضيح معني الايات ولكن لانهم عطلوا العقل فلابد ان يحصلوا على نتائج ساذجة من المعاني ، ثم ان القران كتاب هداية،ويهدي للتي هي اقوم ، فهو لجميع الناس، وهذه ارادة الله ان يكون القران انسانيا،لان الدين الاسلامي دين الانسانية،وليس دين مذهب او طائفة او قومية لان شعور بعض افراد المذاهب ان الاسلام والقران لهم وحدهم والقران لا يمكن فهمه فهما صحيحا الا من قبلهم فقط، هذا الشعور يقود الى التطرف من جهة ، وينتج عقولا متحجرة ، تحجر على الدين من ان ينطلق في آفاق العقل والتطور ، الكل يفهم من القران شيئا يفيده وحسب القاعدة الفكرية والثقافية لكل انسان ، كما ان القران لا يمكن ان نحجرعليه بفهم واحد اونسيّره في مجرى من الفهم واحد ، بل الافهام تتنوع بتنوع البشرمن حيث المستوى العلمي والثقافي ومن حيث استيعاب المعاني المتطورة مع الحياة ، ومهما يحصل من تطور في المعارف والعلوم وفي مختلف الازمان والاماكن ، لا تتعارض مع القران بل المتعارض هو تنوع الفهم البشري للقران وهذه احدى معجزات القران الكثيرة .
ان التعامل مع القران بالطريقة الاخبارية، تؤدي الى الانحراف والتحجروالتشويه في المعاني ، وعدم الاستفادة من خيرات القران الكثيرة ، وكذلك التعامل مع القران بالطريقة الاشعرية يؤدي الى الانحراف في الادراك الصحيح ، اذ اعتقدوا اعتقادات باطلة من قبيل التجسم أي ان الله جسم ، ومئات من العقائد الانحرافية الاخرى مثل قولهم بامكانية رؤية الله بالعين ، والتحدث مع الله بواسطة اللسان العضوي ، و... الخ
وفي مقابل الفرق التي تركت القران من الاساس ، ظهرت فرقة اخرى جعلوا القران وسيلة للوصول الى اغراضهم واهدافهم الشخصية ، وكلما كانت تقتضي مصالحهم قاموا بتأويل القران ونسبوا اليه امورا لا ترتبط اساسا بروح القران ، وعند مواجهتهم أي اعتراض ، كانوا يجيبون انهم دون غيرهم يعرفون بواطن الايات ، وان المعاني المستخرجة حصلوا عليها من معرفة بواطن الايات .
ان ابطال هذه الحركة في تأريخ الاسلام فرقتان:اولهما الاسماعيلية ويقال لهم الباطنية والثانية المتصوفة ، الاسماعيلية يسكنون الهند ويسكن بعضهم ايران ، وقد نجحوا في استلام الحكم في مصر ، واسسوا الحكومة الفاطمية .
يعرف الاسماعليون بانهم من الشيعة ، ويعتقدون بستة من الائمة ، ولكن اجمع علماء الشيعة الاثنا عشرية ان هؤلاء بعيدون عن التشيع كل البعد ، حتى اهل السنة الذين لا يعتقدون بأئمة الشيعة كما يعتقد الشيعة ، اقرب الى التشيع من هؤلاء المحسوبين على الشيعة المعتقدين بستة من الائمة والذين يسمون بالاسماعيلية .
والفرقة الثانية الذين يتصرفون بالايات القرانية ، وبخطاب القران فيذهبون به بعيدا عن مقاصده ككتاب هداية لجميع الناس، هم المتصوفة،الذين لهم دور كبير في مسألة تحريف الايات،وتأويلها لصالح عقائدهم الشخصية،ويذكر الشيخ مطهري قصة نبي الله ابراهيم وولده اسماعيل ، في القصة التي يرويها القران الكريم ان ابراهيم كان يُؤمر في المنام بذبح ولده اسماعيل في سبيل الله ، ثم يخبر ابنه عن هذا الموضوع فيقبل الابن بكل اخلاص ويستسلم لحكم الله ، والغرض هو الطاعة والتسليم والرضا بقضاء الله تعالى ، ولذلك فعندما يستعد الاب والابن بكل اخلاص لتنفيذ امر الله سبحانه ، يتوقف تنفيذ الحكم بأذن الله تعالى .
وفي تفسير هذه الحادثة يقول المتصوفة،ان المقصود من ابراهيم هو العقل والمقصود من اسماعيل هو النفس والعقل هنا يريد ان يذبح النفس . ومثل هذه التفاسيرانحراف بمفاهيم القران التي غايتها الهداية ، كذلك هذه التفاسير فيها دعوة صريحة لتحكيم المصالح والاهواء الشخصية واسقاط المفاهيم البشرية الناقصة المنحرفة على القران وفي هذا تعدي كبير على كلام الله تعالى ، الذي لا يعتريه النقص او الانحراف .
يقول الرسول الاكرم (ص) (( من فسر القران برأيه فليتبوأ مقعده من النار )) القران هوالمنهج الوسط فهو ضد الجمود والتفكير الجاف للاخباريين ، وضد الانحراف والتفسير الخاطئ للباطنية والمتصوفة ، (( القران يدعو المؤمنين ، وحتى المخالفين بالتفكر في آياته ، ويدعوهم بان يتأملوا في آياته بدلاً عن صدها وانكارها )) مطهري ووردت روايات عديدة تدعو الى التفكر وتحبذه ، ويعرف السيد الخميني التفكر((هو ترتيب الامور المعلومة للوصول الى النتائج المجهولة )) وفي الروايات ((تفكرساعة خير من عبادة سنة )) ، وفي رواية اخرى (( تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة))
أي ان العبادة التقليدية الخالية من التفكر ناقصة ، فالتفكر ساعة مع العبادة خير من عبادة سنة او ستين سنة من دون تفكر ، والتفكر مراتب ولكل انسان منزلته في هذه المراتب ، والمستوى العلمي والثقافي اضافة للوعي من مستلزمات التفكر الصحيح والسليم،وهناك التفكر المنهي عنه وهو التفكر في كنه الذات الالهية ، جاء في الحديث (( من نظر في الله كيف هو هلك )) .
بعد ان خاطب القران الكريم العقل ، ضمن الهدف المركزي للقران الا وهو الهداية يخاطب القران القلب ايضا ، كأسلوب من اساليب الهداية المتنوعة التي سلكها القران لتحقيق الهدف الرئيس له الا وهو هداية الانسانية ، كتاب الله تعالى هو ربيع دائم الى الناس ، وفي كل زمان تكتشف فيه مفاهيم جديدة تتناسب والعصر ، فهو كتاب الله الذي لا تحدده مساحة زمنية او مكانية ، فهو كتاب الله تعالى الذي لا يمكن الاستغناء عنه ، وهو الذي نكتشف فيه الجديد من المعاني المتناسبة مع الزمان والمكان ، وهذه هي المعجزة القرانية ولكي تتم الفائدة بالقران الكريم لابد من التعرف على لغة القران وخطابه ، تحدثنا عن خطاب القران للعقل ، والان نتحدث عن خطاب القران للقلب وايضا ضمن آراء الشيخ مطهري في خطاب القران وحديثه عن القلب والعقل ولا نقصد طبعا بالقلب هذا العضو الموجود في القفص الصدري للانسان ، بل القلب هو الاحساس الداخلي للانسان بالله تعالى وبوجوده (( وان الذي يريد ان يتعرف على القران ويأنس به ،عليه ان يتعرف على هاتين اللغتين ويستفيد منهما معا ، وان تفكيك هاتين اللغتين ( العقل والقلب ) يؤدي الى بروز الخطأ والاشتباه ، ويسبب الضرر والخسران )) الشيخ مطهري،ويضيف (( ان ما نسميه بالقلب عبارة عن شعور عظيم وعميق جدا في باطن الانسان ويسمونه احيانا احساس الوجود ، أي احساس رابطة الانسان مع الوجود المطلق ، فالذي يعرف لغة القلب ويخاطب الانسان بها ، يحرك الانسان من اعماق وجوده ، وعندئذ لا يبقى الفكر الانساني تحت التأثير فحسب ، بل ويتأثر كل وجوده )) .
القران كتاب الهي ، وكلماته فيها خصوصية ونغم خاص يخاطب القلب والعقل ، من يعيش مع القران بروحه وقلبه وعقله ، يعيش حالة الخشوع والذوبان في حب الله ،من وصايا القران ان نرتله ترتيلا ، أي ان لا نستعجل في قراءته ، بل لا بد ان تخرج الكلمات كاملة منسابة ، يتبعها الكلمات الاخرى بنفس الميزان حتى تترك تأثيرها في القلب ، وتنتعش الروح بالحب الالهي ، (( يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا نصفه او انقص منه قليلا،اوزد عليه ورتل القران ترتيلا)) المزمل 1 ،2، 3 ،4 ، يقول الشيخ مطهري (( الشئ الوحيد الذي كان سببا للنشاط ، واكتساب القوة الروحية والحصول على الخلوص وصفاء الباطن بين المسلمين ، هو موسيقى القران )) .
القران هو كتاب العقل والفكر ، وفي الوقت نفسه كتاب القلب والروح ، القران كتاب الله تعالى الذي يهز ويثير النفوس ، وتخشع لتلاوته القلوب ، وتنهمر الدموع لموسيقاه حتى ان قسما من اهل الكتاب حسب ماذكر الشيخ مطهري يهتز لسماع ايات القران الكريم ، لانه لغة الخشوع والخضوع لله تعالى ، حيث وصف القران جماعة من المسيحيين عندما سمعوا آيات القران الكريم:(( واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فأكتبنا مع الشاهدين )) المائدة ،83،الذين يخشىون الله تعالى تأنس ارواحهم بالقران وتفيض دموعهم خشوعا لله تعالى((الله نزّل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله )) الزمر 23 ، (( اذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا )) مريم 58 .يعلق الشيخ مطهري على هذه الايات بقوله : (( في هذه الايات يوضح القران انه ليس كتابا علميا وتحليليا محضا بل انه في الوقت الذي يستخدم الاستدلال المنطقي يتحدث عن احساس الانسان وذوقه ولطائف روحه ويؤثر عليه )) . هذا الاحساس الذي يشير اليه الشيخ المفكر المجتهد العارف، موطنه القلب ، هذا الاحساس الداخلي لا علاقة له بالعقل او الفكر او المنطق ، اذ نرى انسانا يسقط في مهاوي الرذيلة وينحرف ، لانه يعيش احساسات داخلية بعيدة عن العقل او المنطق او التحليل ، كذلك عندما يسمو انسان في عالم الايمان ، فانه يعيش حالة سمو روحية خاصة تجعله يرتبط بالوجود الالهي المطلق ، وفي كلا الحالتين يكون القلب هو المحور ومنه يبدأ البناء الروحي ، يقول تعالى: (( ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب )) ق 37 ، وفي حالة انحراف الانسان فهذا يعني ان قلبه مريض ، وسبق ان ذكرنا ان القلب لانعني به هذا العضو العضلي بل هو الاحساس الداخلي للانسان، قال الله تعالى (( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ))فليس المقصود المرض العضوي الذي يصيب القلب،ويعالجه طبيب الامراض القلبية، بل هومرض يصيب النفوس ولا يعالج الا بالوصفات الروحية السامية، قال تعالى (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا)) آل عمران 8 ، وفي وصف المسيئين قال الله تعالى : (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)) المطففين 14وقوله تعالى (( فلما ازاغوا ازاغ الله قلوبهم )) ويتحدث القران عن قساوة القلوب(( فقست قلوبهم وكثير منهم الفاسقون ))الحديد 16(( وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه )) الانعام 25 ، (( كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين )) الاعراف 101 .، الايات السابقة تتحث عن القلب عن قساوة القلوب ، او زوغانها او الختم عليها وفي الايات مجاز وكنايات ، اذ ربما يفهم البعض من الايات ان الله هو الذي جعل قلوب الكافرين او الفاسقين هكذا ، وهذا المعنى غير صحيح ، يقول الشيخ محمد جواد مغنية في تفسيره (الكاشف) ، الظاهر من قول الله تعالى :(( ختم الله على قلوبهم )) انه هو الذي منعهم من الايمان واتباع الحق ، وعليه يكون الكافر مسيرا لا مخيرا ، وبالتالي لايستحق ذما ولا عقابا – ويوجد من الفرق من يقول بهذا المعنى اذ يأخذون الامور بظاهرها – ويجيب الشيخ مغنية عن هذا الاستفسار، ان كل شئ لا ينتفع به ، ولا يؤدي الغرض المطلوب منه يكون وجوده وعدمه سواء ، والغرض المطلوب من القلب ان ينتفع ويهتدي بالادلة والبراهين الصحيحة ، كما ان الغرض من السمع ان ينتفع بما يسمع من اصوات، ومن البصر بما يشاهد من كيفيات وكميات فأذا قامت الدلائل القاطعة على الحقيقة ، وانصرف الانسان عنها مصرا على ضلالة فأن معنى هذا انه لم ينتفع بقلبه ، ولا قلبه انتفع بما ينبغي الانتفاع به حتى أن الله خلقه بلا قلب ، قال عز من قائل : (( ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد )) ق 37 .
مع العلم بان القلب موجود وثابت ، لكنه ليس بشئ ما دام بعيدا عن الهدى والرشاد وعليه تكون نسبة الختم اليه سبحانه مجازا لا حقيقة ، ويؤيد هذا ان لا غشاوة حسية على سمع الكافرين وبصرهم ، فكذلك لا ختم على القلوب ، فالطبع اذن على قلوب الكافرين هو(( كناية عن قسوة قلوبهم،وانها لا ترعوي عن ضلالها ولا يرجى خيرها وقست قلوبهم كناية عن اعراضهم عما انزل الله في التوراة والانجيل )) الكاشف اما الشيخ مطهري فيقول : (( كل هذه التأكيدات تبين ان القران يريد جوا روحيا ومعنوية عالية للانسان ويوجب على كل فرد ان يحافظ على سلامة ونقاء هذا الجو .. يصرح القران بان ذلك الايمان والعشق والمعرفة والتوجهات السامية وتأثيرات القران وقبول نصائحه كل ذلك يرتبط بأبتعاد الانسان والمجتمع الانساني عن الدنايا والرذائل والاهواء النفسية والشهوات )) من هذا المبدأ نستوحي ان التغيير في المجتمع يبدأ من الذات قبل الاخر ، وبناء المجتمع ينطلق من الفرد ، وهو اشبه ببناء بيت يبدأ بطابوقة ثم اخرى وهكذا ، والله تعالى اشار الى هذا المبدأ في التغيير الاجتماعي حيث قال عز من قائل : (( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم))هذا هو رأي الشيخ مطهري في التعامل مع خطاب القران ، الذي يخاطب مرة العقل والفكر ، واخرى القلب والروح .. وكلا الخطابين يهدفان لتحقيق غاية واحدة ،هي هداية الانسانية نحو الصلاح والاصلاح .
A_fatlawy@yahoo.com
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
علي جابر الفتلاوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat