صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

الحج الى رسالة مكة
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مبارك لكم شهر ذي الحجة ، هذه سلسلة من التعليقات على بعض فقرات الكلمة التوجيهية التي ألقاها السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره على طلبته بمناسبة سفره الى حج بيت الله الحرام سنة ١٣٧٨ ه‍ ، وعنوان الكلمة كان هو نفس عنوان المقال أي ( الحج الى رسالة مكة ) وكما يلي :

( ١ )

فكرة ومغزى كلمة السيد الشهيد هو أن الحجَّ حجان ، الحج الفقهي المتعارف وهو السفر الى مكة المكرمة واداء مناسك الحج المتعارفة من إحرام ووقوف وطواف وسعي ورمي وهدي .. الخ ..
وحج الى أهداف مكة ورسالتها ، حج الى مراتب مكة العالية ، مكة بمعناها الرسالي هي منهج حياة وأسلوب عيش ونظام مجتمع ..
يعتبر السيد الصدر أن الحج الثاني هو أشرف من الأول ، وأن الحج الثاني مدعوّ اليه كل أحد سواء كان مستطيعاً للحج الفقهي الأول أو لم يكن مستطيعا ..

ويعتبر السيد الشهيد أن الحج الى رسالة مكة هو نوع جهاد في سبيل الله ، وهو الجهاد الذي به نستطيع استعادة أمجاد الرسالة التي جاءت بها مكة ، وبه نستطيع تحقيق أهداف مكة ، تلك الأهداف التي سعد المسلمون بظلها ، ثم شقوا بعد تمردهم عليها .. يقول السيد الصدر أن اللقاء برسالة مكة هو لقاء مع مجاهدي بدر واُحد وحنين ..

اذن : ونحن نعيش اجواء موسم حج استثنائي بسبب جائحة كورونا وعلى أثرها مُنع أكثر المسلمين من الحج الفقهي .. فستكون لدينا فرصة للحج المعنوي الى رسالة وأهداف مكة ..

( ٢ )

بعدّ أن بيّن السيد الشهيد الفرق بين الحج الفقهي والحج الى رسالة وأهداف مكة ، نستشعر في مكان آخر من كلمة السيد التوديعية أنه يعيش مفارقة نفسية واضحة ، ففي الوقت الذي يشدّ فيه الرحال الى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج الفقهي ، فإن رسالة مكة واهدافها يجدها ويتحسسها خارج حدود مكة وخاصةً في النجف الاشرف ، فهو يشعر أن ثمة مسؤولية كبيرة تقع على عاتقه اتجاه الشرائح التي انحرفت عن دينها او على الاقل تماهلت عن رسالتها واصبحت لا تفقه منها شيئا .. يقول قدس سره :

" هل تصدّقون أ نّه في النجف الأشرف نفسه ، في مركز الحوزة العلميّة في النجف الذي من المفروض فيه أن يموّن بإشعاعه الفكري والعلمي والروحي والديني ، أن يموّن كلّ العالم ، أو على الأقلّ كلّ العالم الإسلامي ، أو على الأقلّ كلّ العالم الشيعي ، هذا النجف يوجد فيه آلاف من الناس لا يعرفون أحكام رسالتهم ، غير منفتحين على رسالة مكّة ، ولا على مبادئ مكّة ، منجرفون مع تيّارات اُخرى ، أو جاهلون ، أو مقصّرون ، من الذي يُسأل عن هؤلاء أمام اللََّه ، نحن نُسأل أمام اللََّه عن منحرف انحرف عن دينه ، وعن منحرف انحرف في آخر نقاط العالم الإسلامي ، في [ ظلّ ] وجود إمكانيّات ، فكيف لا نُسأل عن منحرف انحرف في أوطاننا ، في أهلنا ، في بلدنا .. " .

فهو يقول هنا أنّ رسالة مكة تتمثل بهداية هذا العدد من الناس الذين ابتعدوا عن مبادئها ، ومن أهداف الحج الى مكة هو براءة الذمة امام الله تعالى عندما يسألنا عنهم .. ! فما معنى الاقتراب من مكة كجغرافيا في الوقت الذي نبتعد فيه عن مكة كأهداف ومقاصد ..!

لكل من الأعمال العبادية رسالة خاصة بها ، للصلاة والزكاة والصيام .. هذه الرسائل تعتبر أهداف تلك العبادات وغاياتها ، وبدونها تصبح عبارة عن قوالب فارغة وحركات غير مستثمرة بالشكل الذي وجدت من أجله ..

( ٣ )

ولم تكن الالاف من الناس المُبتعدة عن رسالة مكة في النجف الأشرف هم السبب الوحيد الذي يمثل هاجساً للسيد الصدر ومفارقةً بين الحج الفقهي الذي يروم ادائه والحج المعنوي الذي يمثل لديه أشرف من الحج الأول واعلى مرتبة منه بل يمثل اهداف مكة ورسالتها العليا .. وانما كان الوضع العام الذي يعيشه العالم الإسلامي هو ما يُقلق السيد الشهيد الصدر ويجعله يشعر أنه أمام واجب اعظم واكبر ينبغي اداء مناسكه خارج حدود مكة الشرعية .. يقول قدس سره :

" اليوم أصبحنا نعيش في عصرٍ ، الانحراف فيه عن رسالة مكّة هو القاعدة ، والعود على رسالة مكّة هو الاستثناء ، بعد أن تغيّر وضع العالم الإسلامي .. بعد أن خرج عن كونه كياناً قائماً على أساس الإسلام ودخل عصر الاستعمار الذي بناه على أساس القواعد الفكريّة الكافرة ، صَبَغهُ بأنظمته الكافرة ، دخل هذا العصر ، وكان بدخوله في هذا العصر يواجه تحوّلاً كبيراً في كلّ وجوده ، في كلّ تركيبه العضوي ، الروحي ، الفكري ، السياسي ، الاجتماعي ، فأصبحت القاعدة فيه هي جاهليّة الغرب ، القاعدة فيه هي الانحراف عن اللََّه ، هي الانقطاع عن السماء هي التمرّد على رسالة اللََّه ، وأصبح الاستثناء فيه هو الطاعة ، الاستثناء فيه هو الالتفات إلى رسالة مكّة ، إلى قيم مكّة ومُثُل مكّة ، هذا أصبح هو الاستثناء " .

هكذا يتوسع السيد الشهيد في رسالة مكة ، وهكذا يطوف حول مشاكل العالم الإسلامي ، وهكذا يريد ان يعيش المسلم حياة السعي الحقيقي بين هموم الإسلام الكبرى .. هذا البُعد الاجتماعي والإنساني والعالمي هو الرسالة التي يقدّمها الحج للعالَم والهدف الأسمى من مناسكه ، إن الشعائر داخل حدود مكة الفقهية ينبغي أن تترجم الى مشاعر يعيشها المسلم خارجها ، لقد عاش النبي الاكرم حياة مكة واستذوق حجها الابراهيمي ، ولكنه خرج منها مهاجراً وهو يحمل همّ أهدافها ومعاني رسالتها ، حجّها صلى الله عليه واله بإسلوب آخر في المدينة وأدّى مناسكها بطريقة ثانية فآتت أكُلَها بإذن ربها ..

( ٤ )

بعد أن بيّن السيد الشهيد البعد الاجتماعي الانساني العالمي لرسالة مكة ، يبيّن لنا في مكان آخر من كلمته ان نداء مكة بالمعنى الاكمل لها ، ونداء ابراهيم ع في الناس لحجّها المعنوي الاعم من حجّها الجغرافي ، هو نداء موّجه لكل طاقة نمتلكها وكل مهارة نحسنها وكل خدمة نجيدها نستطيع أن نخدم بها رسالة مكة واهدافها ، حيث يقول قدس سره :
" إنّ رسالة مكّة تناديكم ، تستنجد بكلّ واحد منكم بطاقة من طاقاتكم في سبيل الدفاع عنها ، وفي سبيل حمايتها ، وفي سبيل إيصالها إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين " .

استجابةً لهذا النداء خرج ابو عبدالله في مثل هذه الايام من مكة الجغرافية الى مواقع وميادين اهدافها الرسالية ، لم يترك ابو عبدالله ع الحج وانما اختار النوع الأفضل منه .. اختار اصلاح الأمة بدلاً من اصلاح النفس " انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي " ..

خرج الحسين ع من شعائر مكة الى موضع اراد منه أن تتحول رسالة مكة الى مشاعر يعيشها الاحرار من العالم لا تهدأ ولا تنطفي جذوتها الى ان تتحقق جميع أهدافها ..

لا نمتلك مَثَلاً ولا دليلاً على معنى رسالة مكة وأفضليتها على مكة نفسها الا خروج موكب ابي عبدالله عليه السلام من مكة ، قاطعاً إحرامه معرضاً عن مناسكها ومستقبلاً لأهدافها ورسائلها في طف كربلاء ..

لم يجد عليه السلام غير دمه ودم أهل بيته وصحبه طاقةً يستطيع من خلالها الدفاع عن رسالة مكة ، فرخّصه لها ولسان حاله يقول : إن كان دين محمد لا يستقيم الا بقتلي .. فيا سيوف خذيني ..

( ٥ )

بهذه الكلمات ودّع السيد الشهيد طلبته قبيل سفره الى حج بيت الله الحرام ، ذهب هو للحج الفقهي وكلّف طلبته أن يحجوا الى رسالة مكة وأهدافها ..

في العادة يأتي الحجاج بمعنويات مكة وآثارها ، بينما السيد الشهيد طفحت عنه تلك الآثار بمجرد عقد النية وشحذ الهمة نحو مناسك الحج ..

لنتعلم من هذه الكلمات درساً ولنتخذ منها قانوناً مفاده : أن في كل فعل او ترك ، أوجبه الله علينا أو ندبنا اليه .. رسالة وهدفاً هما أسمى من الفعل والترك نفسه ، وهما العلة
الغائية له ..
منعت جائحة كورونا المسلمين هذا العام من قصد بيت الله والشعائر المقدسة ولكن لن تمنعهم من رمزية الحج ولا من رسائله واهدافه ، رمي الشيطان الذي يوسوس بين الأخوة هو من رسائل منسك رمي الجمرات ، والسعي لحوائج الاخوان من اهداف منسك السعي بين الصفا والمروة ، وهكذا لعرفات والطواف والمبيت في منى رسائل واهداف تتعدد وتختلف بتعدد واختلاف الحاجة بين هذا الجماعة من المسلمين وتلك ..

رزقنا الله واياكم حج بيته الحرام ووفقنا الى فهم رسائل مناسكه والعمل بمضمونها لنيل اهدافها وغاياتها .. انه هو السميع المُجيب ، والحمد لله


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/07/23



كتابة تعليق لموضوع : الحج الى رسالة مكة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net