هويتنا الثقافية التحدي والصمود
حسن الجوادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حسن الجوادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مقدمة تأصيلية (نحن حين نفكر بتعريف موضوع ما، باي طريق نفكر ، وكيف نفكر ، وكيف ندخل لهذا الموضوع ، اي المسبقات التي ننتمي اليها ستكون فاعلة ومؤثرة متعاطية مع الموضوع سلباً وايجاباً ، ام سنبحث بما لهذه المفردة من حقيقة وبعد؟
شأن مفردة الهوية شأن سائر المفردات والمصطلحات فقد تعرضت لجملة من الافهام والاذواق ، تناولوها من عدة جهات ، كل واحد منهم تناولها من زاويته الفنية او الفلسفية او العلمية او السياسية او الفكرية ، حين نغوص اكثر في مصطلح الهوية الثقافية نجد ان هذا الموضوع قد طرح في الدراسات السياسية والدراسات الفلسفية والدراسات الاجتماعية والدراسات الدينية والدراسات الاعلامية ، اذن فالحديث عنه باختصار هو نحو ازاحة بهذا المفهوم الكبير الى بئر التشتت وليس اخراجاً منه ، فوظيفة الباحث ان يحاول قراءة الفكرة بعمق ، بتأني ، بروية ، بهدوء ، بشغف، بقوة بتماسك ، بذكاء ، بتروٍ.
ان الباحثين اعطوا تعاريف كثيرة للهوية وللثقافة ، والمزج بينهما كمصطلح واحد "الهوية الثقافية" اعطوه تعريفاً جديداً وتضخم التعريف وانشطر الى تعاريف كثيرة ، والمرجع الى ان الهوية الثقافية هي مجموع الرؤى والافكار والسلوكيات التي تتشكل وتتداخل فيما بينها في بيئة بشرية.
معالم الهوية
لكل هوية معالمها الخاصة وعناصرها وعلى اساس ذلك تمثل اسسها الاصيلة التي لا تتغير بمرور الوقت ونجد ان الهوية الثقافية لها ركائزها الثابتة واصولها التي ترتكز عليها وهي:
1ـ اللسان الاجتماعي (اللغة).
2ـ الافتخار المعياري(التاريخ)
3ـ المعتقد(الدين)
4ـ البيئة الحاضنة(الوطن)
5ـ السلوكيات والقيم (الاخلاق)
تعتبر اليوم الهوية الثقافية للعراق هي المصد الذي يواجه مد العولمة الجارفة والافكار الجاهزة التي يراد من خلالها ان يقشر هذا الوطن ويقدم على طبق من ذهب ليكون على مائدة الدول الكبرى ، لكن هويتنا بركائزها الثابتة والتي من اهم تلك الركائز هو الدين الاسلامي الذي يمثل قيمة كبرى داخل هويتنا الثقافية ويمثل التطلع الروحي والمعنوي المرتبط بحياتنا جميعاً ، فنشعر ان هويتنا لا تنفصل عن الدين وان فصلت فلا هوية لنا ولا تميز لنا وبالتالي سنكون تابعين في كل حركة وسكنة لا جديد لنا سوى ما يصدر لنا ، ليس من صناعة فحسب بل من افكار وثقافات ايضاً.
لماذا الهوية؟
يمتاز كل فرد عن الاخر بمميزات تشكل هويته بالمقارنة مع الآخرين ، وهكذا البلدان ايضاً حيث يمتاز بلد عن آخر بهويته الحضارية او الصناعية او التاريخية او الآثارية ، وتنطلق اهمية الهوية من الحالة الفردية الى الحالة الجماعية ، ولا يمكن الانسلاخ من الهوية حيث كل فرد يعزز انتمائه لقيمه الخاصة والعامة ، ومجموع القيم يمثل هوية الفرد ، حيث يجد الانسان نفسه في هويته يتحرك ويعيش بها ويتواصل مع من حوله ، يعرفونه ويقدرونه وفق هويته الخاصة ، كما ان المريض يقدر الدكتور ليس لذاته وانما مزيد تقديره يكون لهويته الطبية ، وهنالك تفسيرات اخرى للهوية الفردية تتشعب بصورتها الفلسفية الى صورتها الادبية والفرضية ، حيث ان الانسان وفق معيار المحور الفكري يعيش بفكرته ويقينه وما توصل اليه عبر رحلته المعرفية والمنطقية في هذه الحياة وكل ما ينتجه ويؤمن به يعد هويته ، ولا فصل بينه وبين هويته ، لأنه يجد نفسه حيث تلك الاشياء من مفاهيم وسلوكيات ومعارف.
اما الهوية الجماعية فإنها تنطلق من المشتركات بين الافراد ، ويمكن تقريبه باعتبار كل مفهوم او سلوك يمثل قناعة الاغلبية من الناس ، وان صرح البعض بخلاف رأي الاغلبية الا ان هذا البعض سيذوب رأيه حتماً بالأكثرية ، وهذا ما تقره الانظمة الديمقراطية اليوم ، حيث ان صوت الاكثر هو الرأي الرسمي المعتمد ، وربما يقول د. حسن حنفي: الهوية هي الحارسة للوجود والضامنة لبقائه. يتوافق معه د. عبد الوهاب المسيري، من ان الهوية تعتبر حماية للإنسان ضد عمليات التنميط الزاحفة(الهوية والحركة الاسلامية، ص146).
يشير المسيري الى ان الحضارة الجديدة تشتغل على اعادة تشكيل الانسان والثقافات والحضارات لان الهوية الثقافية تقف بالضد من الاختراق الثقافي ، الاختزال الثقافي ، الانصهار الثقافي ، العولمة ، الاستتباع الحضاري ، الامة الاقتصادية ، الدولة العظمى ، ومن هنا تأتي فكرة الهيمنة الثقافية وكسر حواجز الهوية التي تقف بالضد من التوسع والانتشار الفكري والثقافي للدول الكبرى والتي غالباً ما تحاول ان تجعل الهوية في محب الريح من اجل التغلغل والربح الاقتصادي والهيمنة المالية والثقافية ، وربما يخدع بعض الناس بالأساليب التي يستعملها الآخر في ترويج بضاعته او فكرته وتغليفها غلاف فطري او فكري من اجل تكثيف قناعة الناس بها ، ولا غرابة في ذلك ونحن نعيش في عصر الدعاية والتأثير والموضة ، وابن آدم ميال نحو الجديد ويمل الرتابة والاشياء القديمة.
التغيير نعم او لا؟ ولماذا
اجتياح الهويات بصورة مطلقة هو عملية جرف وانهيار للقيم والافكار والمعتقدات دفعة واحدة ، ولا ريب ان كل امة لا تقبل ابداً بهذا الامر.
العراقيون يتفقون على ان اهمية ما يمتلكون من اثار تربطهم بالحضارات والامم التي تعاقبت على السكن والعيش في هذا البلد ، فان الناس هنا يرون ان هذه المعالم هي معايير ، حتى وان كان انكيدوا خرافة او نبوخذ نصر لم يكن عادلاً المهم انهم يرون هذه الاشياء مهمة ومعتبرة وتمثل حالة ضاربة بالعمق التاريخي لهذا البلد وبالتالي تمثل قيمة رمزية بالنسبة للعراقي!
فهل يراد من هذه الاحجار والرسوم المنقوشة على الجدران القديمة البالية هي نفسها فقط ؟ كأحجار ؟ بالتأكيد ليس هذا المعنى هو المقصود على نحو مطلق ، انما بما تمثل هذه الاحجار والابنية والشواهد من معالم اثرية تربط الانسان الحاضر بالماضي ، فهل عاب احد من الناس هذا الارتباط ؟
ربما لا يعاب اليوم على الناس ارتباطهم بماضيهم الحضاري والتاريخي لكن حتماً سيتوجه للناس اللوم بانهم جمدوا على تراثهم وافكارهم ولم يلتحقوا بالركب ، وهذه العبارات تفتح شهية الناس للمزيد ولترك ما بأيديهم لا سيما وان مثل هذه الاطروحات تبث في اوقات المحنة والظروف الصعبة كي يكون المرء جاهزاً لان يتخلف عن هويته ويركب اي موجة يشعر بانها تجديد وتقدم!
بلا شك لسنا كعقلاء ان نقف ضد التقدم والتحرك الى الامام ، لا علاقة لهويتنا بضرب التقدم واحلال التأخر ، انما الهوية تضبط الايقاع وتمحور الانسان في محور لا يتشتت في كونه حال به ، اما اذا انفلت من محوره ومركزه ضاع وتلاشى ، وهذه سيرة الناس في كل الاشياء ، فان اطلاق العنان في كل شيءدائماً لا يأتي بنتائج مقبولة.
ان التغيير امر في غاية الاهمية وهو لا يتعارض مع الهوية ابداً ، لكن من يصوره بانه يتعارض مع الدين او الاخلاق او القيم هو في الحقيقة يسعى لمقاصد اخرى ولن يريد جوهر التغيير ، وربما تجد بعضهم من يصرح بان الدين كهوية يقف حاجزاً من التقدم والابداع على المستوى العلمي والثقافي ، والحق ان هذا من وهم العصر ومن سذاجات الاطروحات الكارهة للدين وتغلغله في نفوس الناس ، والحق ان الدين يقف حائلاً امام التجارب الفكرية الساذجة التي تقوم بها المنظمات وغيرها ، وبالتالي يرونه حجرة صلدة تقف امام بوابة التغلغل في المجتمع وتمنع كل الاغيار من الدخول ، لذا تجد التصريحات من هنا وهناك تحاول ان تسفه الارتباط بالدين ، ومن هنا نفهم ان جواب المرجعية الدينية العليا في السؤال الذي وجه لها في بدايات تغيير حكم السلطة البعثية :
س: ما هو أكبر خطر وتهديد لمستقبل العراق؟
ج: خطر طمس هويته الثقافية التي من أهم ركائزها هو الدين الاسلامي الحنيف .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat