ماذا دهى العرب أمام ما يجري في غزة؟

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كان العرب قديما أهل عهد ونخوة ونجدة وشجاعة وكرم وحلم، رغم قساوة الصحراء التي عاشوا فوق رمالها، وشظف العيش الذي لازم حياتهم، ولم ينزل فيهم هذا الدين الخاتم، إلاّ بسبب تلك الخصال الحميدة التي عُرِفوا بها، ولعل تلك السجايا الرفيعة مصدرها ملّة إبراهيم عليه السلام، أو ما تبقى من آدابها، بعد ذهاب عقيدتها في توحيد الخالق، سفِّهَتْ بها أحلامهم، وانحطّت عقولهم، وغلبت على طبعهم الشّدّة والقسوة، ومن أجل تلك السجايا الصالحة التي تميّزوا بها، بعث الله نبيه منهم ليهذّبها، ويتمّم مكارم أخلاقها كما قال: (إنّما بُعثت متمما لمكارم الأخلاق)(1)

ولما استقرّ قرارهم على الإسلام، واختلطت بهم الأمم والشعوب، وطال بهم الأمد، تراجعت أدبيّاتهم، وخفّ دينهم بركونهم إلى الدنيا، بعد أن استدرجتهم بحلْيها فأجابوها، حتى إنّ ما عُرِفوا به قديما من خصال وسجايا انطفأ بريقها، وإن بحثت عنها فيهم، قد تجد صعوبة في تحديدها عند من بقيت؟ وقد لا تلام الشعوب وحدها هنا على هذا التردّي الكبير، فالجانب الأكبر من المسؤولية ملقى، على عاتق الحكومات المقصّرة في قيادة شعوبها، سواء كانت تلك الحكومات منتخبة بالخداع والتزييف، أو منصّبة نتيجة انقلاب عسكري، وتاريخ العرب مليء بالانقلابات العسكرية التي كانت تتمّ بواعز خارجي أو تدبير شخصي.

العرب اليوم بطيّبهم وخبيثهم مجموعين في سلّة واحدة، أمام ما يجري في غزّة من عدوان وحشيّ، ترتكبه القوّات الصهيونية المحتلّة، بمنتهى القسوة والفظاعة، لم يجرؤ عليها في تاريخنا المعاصر أفسد المفسدين في الأرض، ومنشأ الإفساد في الأرض جبلّة في بني اسرائيل عَرِفهم بها القرآن الكريم، فهي لصيقة بهم لن تتغيّر أبدا، والإعتقاد بأنّ قتلة الأنبياء يمكن أن يغيّروا أسلوبهم العنيف، في التعامل مع غيرهم من العرب، ونحوهم من الشعوب والأجناس فيحوّلوه من الإزدراء إلى الإحترام، ومن العنف إلى اللين، لا يعدو كونه توهّم أو ضِغثُ حلم لن يتحقّق.

العرب اليوم - حكومات وشعوبا - بمرأى ومسمع أمام مشهد غزة المنكوبة، ولا يحرّك ساكنا سوى بعض المظاهرات الرمزية في بلدانهم، لم تؤثر في حكوماتهم، فكيف يمكن أن تؤثر خارجا؟ ولم يظهر من هؤلاء الحكام متحمّلا مسؤوليته الدينية والإنسانية، في الدفاع عن غزة وفلسطين، سوى الشعب اليمني الأبيّ، وحكومته الثورية في صنعاء، وقائده الشهم الشجاع السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله، وقد أطلقت قواته الشعبية جملة من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، في اتجاه مواقع الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، متحمّلا تبعات تلك المساندة العسكرية، فضلا عن المظاهرات المليونية، التي عبّر بها الشعب اليمني عن موقفه الصريح والواضح، بشأن القضية الفلسطينية عموما، وعدوان غزّة خصوصا، ليس هذا فقط، فاليمنيون رغم أوضاعهم الصعبة التي يمرّون بها، ومؤامرات أمريكا والدول الغربية والدول الخليجية ضدّهم، أبوا إلّا مساندة أشقائهم في فلسطين، وكان ذلك نابع من عقيدة راسخة فيها، لن تتغيّر مهما أسفرت عليه من نتائج، اليمنيون انفسهم يقولون أن موقفهم حتّمه عليهم الواجب في الدفاع عن اخوتهم، ومع ذلك يجب أن يثمّن ويُقَدَّر.

إن تحرّك اليمنيون مدفوعين بواجبهم الديني نابع من صميم نجدة المسلم لأخيه فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من أصبح لا يهْتمّ بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم) (2) فلماذا على هذا الأساس الديني لم يتحرك بقية العرب والمسلمون، وواعية المستغيثين تتردّد على أسماعهم كل يوم؟ لماذا يقف أمر الإهتمام والمساندة عند بضعة دول وشعوب ولا يكون جامعا وعاما؟

على سبيل المثال لماذا لا يفتح الرئيس المصري معبر رفح لدخول المساعدات وقبول الجرحى وهو من يتحكم في المعبر وليس الكيان الصهيوني؟ أليس ذلك من أضعف الإيمان الذي يجب أن يفعله، وقد كان من الواجب عليه أن يدافع عن اشقائه المحاصرين تحت نيران الصواريخ والقذائف المدفعية الثقيلة، والجيش المصري يمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة، وقوات عسكرية معدودة بمآت الآلاف من الجنود برا وبحرا وجوّا، فضلا عن القوات الخاصة؟ ولماذا تكدّس السعودية والإمارات أسلحتهما، وهما من أكبر الدول شراء للأسلحة في العالم، إذا لم تُستعمل في مثل هذه الحالات العدوانية الطارئة، فهل هي أسلحة مخصوصة بالعدوان على اليمن، وعلى من سيكون الدور بعده في ترتيب العِداء؟

وهل سياسات الأنظمة العربية نابعة من شعوبها وحاكية لتطلّعاتها؟ أم هي تنفيذ لسياسات الدّول الاستعمارية الغربية؟ وبالتّالي فإنّ هذه الدّول لا تزال ترزح تحت ظلّ تبعيّتها، وليس بمقدورها أن تفعل ما يخالف اتفاقاتها القديمة معها، وعلى ذلك الأساس، فإن الشراكة الإقتصادية مع دول الغرب الاستعمارية، تُعْتَبَرُ عملية استغلال وتحيّل، بواسطته تُمَرّرُ البضاعة الغربية بأغلى الأسعار، بينما تتلقى الدول الغربية بضائع دولنا بأزهد الأسعار.

وبعد حشد الاساطيل الأمريكية والغربية، قبالة ساحل فلسطين ولبنان وسوريا، في تحرّك عسكري استفزازي واضح، بالوقوف الى جانب الكيان الصهيوني الغاصب، رغم كل جرائمه المرتكبة في غزّة لحد اليوم، مساندا له في كل ما ارتكبه على أنّ ذلك دفاعا عن النفس، فهل بقي مجال لإعتبار هذه الدول، وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا دولا صديقة؟ منادية بميثاق حقوق الإنسان والمنظمات الدّولية، فقد تعرّت اليوم أيّما تعرّ بحيث لا يمكن أن يستر عوراتها المتبجّحة سابقا بأنها راعية تلك الحقوق، لقد برهنت اليوم على عداوة صريحة، لم تتحرج من التصريح بها سابقا، فإذا هي تقوم بتطبيقها حاليا، كأنّها بذلك تذكرنا بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، والذي اشتركت في تنفيذه أمريكا وبريطانيا مع اسرائيل(3)، ومع ذلك لم تعتبر دولنا من ذلك العدوان، ونسيت شعوبنا تاريخها، وكان من الواجب وضعه نصب أعينها، فهو درس بليغ، كشف مدى ما يخفيها عنا هذا العدوّ من مشاعر كراهية ونوايا تربّص وغدر، ومن لا يزال يرى الغرب بدوله صديقا لنا نحن العرب والمسلمين، فليراجع تصوّره فهو مخطئ تماما.

ومن كان يري أن حل القضية الفلسطينية سيكون بالمفاوضات والسلم، فهو واهم تماما، وفلسطين التي أُخذت بالقوة لا يمكن أن تُسْتَرَدّ بغير القوّة، وسلطة عباس هذا التي تعيش تحت حماية الصهاينة وتعتاش من التخابر معه، بكشف عناصر المقاومة، هي أسوأ من الكيان الصهيوني نفسه، وعلى الفلسطينيين الإنتهاء من هذه السلطة العميلة، فمكانها مزبلة التاريخ، وبناء غد المقاومة الفلسطيني، سيكون مشرقا غدا في غيابها، وانقطاع المعلومات عن قتلة الأنبياء

 

المراجع 

1 – بحار الأنوار المجلسي ج 68 ص 382

2 – الكافي الكليني ج2ص 164

3 – العدوان الثلاثي https://ar.wikipedia.org/wiki/

 

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/11/09



كتابة تعليق لموضوع : ماذا دهى العرب أمام ما يجري في غزة؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net