تَركُ الأَجسادِ المُطهَّرةِ بلا دَفنٍ في ضوءِ قُربانِ ابنَي آدمَ (عليهِ السلامُ) ، ورأفةِ الغُرابِ وحيائِه
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لو عرضنا لمَلحمَةِ دَفنِ الأَجسادِ المُطهَّرةِ للإِمامِ الحُسينِ (عليهِ السلامُ) ، وأَخيهِ أَبي الفضلِ العباسِ وآلِ بيتِه (عليهِمُ السلامُ) ، وصحبِه المُنتجَبِين (رضوانُ اللٰهِ تعالى عليهم) التي تركتها مُرتزَقةِ الشيطانِ (يزيدَ) بعدَ جريمةِ العاشرِ مِن المُحرَّمِ الحرامِ على رمضاءِ كربلاءَ ثلاثًا تحت صَهيرِ الشمسِ ، وفوقَ لَهيبِ الأَرضِ ، وفي دائرةِ حَميمِ الهَواءِ بلا مأمَنٍ مِن الجَوارِحِ والسِّباعِ في ضوءِ مُعطياتِ حادثةِ قُربانِ ابنَي آدمَ (عليهِ السلامُ) ، ومُعطَياتِ رأفةِ الغُرابِ وحيائِه ؛ فما الذي يَتحصَّلُ لنا مِن مَّعرِفةٍ قرآنيةٍ نقرَأُ بها شرَفَ قُربانِ الحقِّ مُقابلَ خِسَّةِ قُربانِ الباطلِ من جهةٍ ، ورأفةَ الغُرابِ (الأَخِ) وحيائِه مُقابلَ إِجرامِ الإِنسانِ على (أَخيهِ) وسيِّدِه ؟
قال تعالى: ﴿واتلُ علَيهِم نَبَأَ ابنَي آدَمَ بالحقِّ إِذ قَرَّبا قُربانًا فتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِما ولَم يُتَقَبَّل مِنَ الآخَرِ قالَ لَأَقتُلنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللٰهُ مِنَ المُتَّقينَ﴾ [المائدة/٢٧].
فقد قدَّم الإِمامُ الحُسَينُ (عليهِ السلامُ) نفسَه وآلَ بيتِه وأَصحابَه قرابينَ للهِ تعالى بالحقِّ إِيثارًا للإِصلاحِ بعِزِّ النبوَّةِ الرساليةِ على الفسادِ بذُلِّ التبعِيةِ في ظلِّ التقوَى التي يتحلَّى بها بما لا يتقبَّلُ اللٰهُ عملَ أَحَدٍ - مهما بلَغَ - ما لم يتَّصِفْ بها ؛ لذا لم يُتقبَّلْ قُربانُ (قابيلَ / يزيدَ) القائمِ على الكُفرِ والإِلحادِ والفسادِ لانعدامِ التقوى به إِزاءَ قَبولِ قُربانِ (هابيلَ / الحُسينِ عليهِ السلامُ) القائمِ على الإِيمانِ والتقوى.
ونتيجةَ عدمِ الرضوخِ لمُغرَياتِ (قابيلَ / يزيدَ) ودسائسِه ، وبطشِ صِراعِه خاطبَه الناصحُ المُصلِحُ (هابيلُ / الحُسينُ (عليهِ السلامُ) بما جاء به قولُه تعالى: ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتُلَني ما أَنا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيكَ لِأَقتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللٰهَ رَبَّ العالَمينَ ، إِنِّي أُريدُ أَن تَبوءَ بإِثمي وإِثمِكَ فتَكونَ مِن أَصحابِ النَّارِ وذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمينَ﴾ [المائدة/٢٨-٢٩] ؛ فقد أَلقَى عليهِ وعلى مُرتزَقَتِه الحُجَجَ ناصحًا مُذَكِّرًا مُنبِّهًا مُوجِّهًا هاديًا ، ولكن لا جدوَى ممَّن رانَ على قلوبِهم ؛ ﴿فطَوَّعَت لَهُ نفسُهُ قَتلَ أَخيهِ فقتلَهُ فأَصبَحَ مِنَ الخاسِرينَ﴾ [المائدة/٣٠] ؛ فقتلَ (قابيلُ / يزيدُ) مَن كان الشرَفُ والرِّفعةُ والنجاةُ بمُؤاخاتِه حقًّا ؛ فعَلَا (هابيلُ / الحُسينُ (عليهِ السلامُ) إِلى عِلِّيِّينَ قد تُقُبِّلَ منه ، ثم تُقُبِّلَ هو ، ودَنَا (قابيلُ / يزيدُ) خاسرًا في سِجِّينٍ.
وبعد هذه الحادثةِ الإِرهابيةِ الإِجراميةِ التي أَقدمَ عليها المُجرِمُ (قابيلُ / يزيدُ) زاد في إِجرامِه بأَمرِه تَركَ الجَسَدِ الطاهرِ لـ(هابيلَ / الحُسينِ (عليهِ السلامُ) بلا توقيرٍ للشهيدِ وذويهِ الشهداءِ من دَفنٍ كان فيه (الغُرابُ) مع (هابيلَ) أَكرمَ من بني أُميَّةَ ومُرتزَقتِهُم مع الإِمامِ الحسينِ (عليهِ السلامُ) ؛ فما انعدمَ من رأفةٍ وحياءٍ من بني أُميةَ وعبيدِهِمُ القتَلَةِ لمواراةِ الأَجسادِ المُطهَّرةِ قد تحلَّى به غُرابٌ ليس له مِن كرامةِ الآدمِيةِ شيءٌ يُذكَرُ بمصداقِ قولِه تعالى: ﴿فبَعَثَ اللٰهُ غُرابًا يَّبحَثُ في الأَرضِ لِيُرِيَهُ كيفَ يُوارِي سَوءَةَ أَخيهِ قالَ يا وَيلَتىٰ أَعَجَزتُ أَن أَكونَ مِثلَ هذا الغُرابِ فأُوارِيَ سَوءَةَ أَخي فأَصبَحَ مِنَ النَّادِمينَ﴾ [المائدة/٣١].
فتعسًا لـ(قابيلَ / يزيدَ) ولكلِّ قاتلٍ بالباطلِ يَستدعي عقابَ اللٰهِ تعالى بمِصداقِ قولِه: ﴿…مَن قَتَلَ نفسًا بغَيرِ نَفسٍ أَو فسادٍ في الأَرضِ فكأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جميعًا ومَن أَحياها فكأَنَّما أَحيَا النَّاسَ جميعًا ولَقد جاءَتهُم رُسُلُنا بالبيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كثيرًا مِّنهُم بعدَ ذلكَ في الأَرضِ لَمُسرِفونَ﴾ [المائدة/٣٢].
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat