صفحة الكاتب : عماد يونس فغالي

مذكّرات
عماد يونس فغالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 عندما تقع على كتاب مذكّرات، تخالكَ أمام امرئٍ يكتب سيرته الذاتيّة أو بعضَها، جلّ مناه أن يترُكَ أثرًا جديرًا بالذكر بعده.
لكنّ الأمر هنا مختلفٌ تمامًا. فأنتَ أمام مذكّرات لم يكتبْها أحمد الصافي النجفيّ، بل رواها لصاحب الفندق الذي نزله سحابة اثنتي عشرة سنة، على أن يُصدرَها هذا الأخير كتابًا، كان النجفيّ نفسُه كتب مقدّمتَه، معلِّلاً النفس بصدور الكتاب على أيّامه، فيمتّع خريف عمره به.
ولم يصدر الكتاب أيّام النجفيّ، ولا أيّامَ جورج رومانوس صاحبِ الفندق. ولكن! ها إنّ مذكّرات الشاعر أحمد الصافي النجفي صادرةٌ كتابًا ضخمًا في حوالى 570 صفحة من دراسة وتحقيق الدكتور لويس صليبا.
عندما تلج مضامين الكتاب، تحفّزكَ منذ المقدّمة، قصّةٌ ليست تقتصر على سرد مذكّراتٍ عاديّة. هي قصّة مذكّراتٍ أشبه بمغامرةٍ ساقتها "الأقدار" نحو شاطئ الأمان، فكانت نهايتها سعيدةً إلى حدّ، لو رأت النور في أيّام صاحبها، لكانت وصلت إلى خواتيمها المرجوّة.  
هو رجلٌ غير عاديّ في مسيرة حياته وفي مسلكيّاته، لكنّه يشدّكَ إليه فيهما، لِما هو في عيشه تائقٌ دومًا إلى الفضيلة والسموّ. وهذا في رأيي ما جعل جورج رومانوس يتمسّك بمذكّراته ويحافظ عليها بأمانةٍ غالية، وفي نفسه توقٌ إلى تحقيق رغبة الصافي في تسليمها إلى صاحبها الحقيقيّ: القارئ. وهذا أيضًا ما شدّ الدكتور صليبا إلى سبر أغوارها ومعالجتها دراسةً وتحليلاً، رغم ما تطلّبت من وقت وجهد على ما أفصح لمسلّمها إليه!
النصّ سرديّ بامتياز. تَراكَ أمام شخصيّات يتقدّمهم الشاعر نفسه كشخصيّة أساسيّة. هذا بديهيّ كون النصّ مذكّراته. وفي فلكه الناس الذين مرّوا في حياته. وجديرٌ القول إنّ حياته هنا هي حياة الشاعر فيه. فلا علاقة للناس معه إلاّ لكونه الشاعر أحمد الصافي النجفي.
ومحدّدٌ الإطار الزمانيّ والمكانيّ الذي تدور فيه الأحداث، بحيث لبنان محورٌ في ستّينات القرن الماضي، وبالتحديد فندق رومانوس في صيدا، مقرّ الإقامة الأساسيّ وملتقى الرجل وانطلاقاته!
تلفتُكَ علاقات أحمد الصافي بالرجالات الكبار في لبنان والعالم العربيّ. فإلى كونه شاعرًا مغمورًا في الأوساط الشعبيّة، فهو معروفٌ حقًّا عند النخبة في عالم السياسة والأدب والدين، على الأقلّ في زمانه هو. فأئمّة المجتمع يكرّمونه
ويتوقون إلى لقائه. وهم لا يوفّرون فرصةً ليعبّروا له عن ذلك. وفي هذا السياق تعليق البطريرك المارونيّ آنذاك، الكاردينال المعوشي، على زيارة النجفيّ له: "إنّ كلّ الزيارات التي تتمّ عندي، فهي ليست لي شخصيًّا، إنّما هي لمصالح الناس، بينما زيارتكم هذه، فهي لي شخصيًّا، وأرجو بأن تتكرّر قريبًا...".
قد تكون النخبة هذه تعوّدت على نمط الشعراء الذين يقتنصون المناسبات ليُنشدوا شعرهم أميرًا أو رئيسًا مدنيًّا أو دينيًّا، فينالوا الهبات مضاعفة... وليس النجفي الذي تهافتوا إليه هكذا. فالشاعر في مفهومه رجلٌ حسّاس مرهف، لا يأتيه الشعر عندما يطلبه، بل هو حالة تهبط عليه في وقتٍ لا يخاله...
والنجفي الساعي دومًا إلى السموّ والفضيلة، كره المال ورفضه من أقرب الناس إليه بالرغم من حاجته الدائمة إليه، والفاقة التي كان تتخبّط فيها. فالمادّة في نظره مادّة قذرة تؤمّن له الأدنى من متطلّبات عيشه ليس إلاّ!
إذًا، نشر الدكتور لويس صليبا مخطوطة مذكّرات الشاعر النجفي بأمانة، بعد أن عرض لظروف وصولها إليه. وضمّن كتابه قصائدَ جمّة من شعر الرجل، أعطت فكرةً واضحة عمّا كانه من شاعر وما خالجه من مشاعر وتطرّق إليه من مواضيع شكّلت كنزه الفكريّ والفنيّ!
أحمد الصافي النجفي إنسانٌ من طينة القلّة! أُعجبَ به جورج رومانوس صاحب الفندق في صيدا، المرهف الإحساس فنًّا وشعرًا، ونقل شغفه هذا في أواخر أيّامه، إلى الدكتور لويس صليبا الذي تشغل شخصَه علومُ الإنسان وفلسفة وجوده، ليصل إلى القارئ العربيّ نُتَفًا من عاليات النفس البشريّة، وخصالاً من إنسانيّةٍ تاق إلى مثاليّاتها الناس، وإن لم يمكّن الواقع من التحلّي بها دائمًا. علّه يفتح آفاقًا ولو أدبيّة فنًّا وأخلاقًا، لا تخلّد الشاعر موضوعنا فحسب، بل ترفع معه كلَّ أحد!  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عماد يونس فغالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/11/30



كتابة تعليق لموضوع : مذكّرات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 3)


• (1) - كتب : عماد يونس فغالي ، في 2013/01/09 .

السيّد أحمد النجفيّ أشكر لكم تشجيعكم واهتمامكم. على أمل أن أكون دومًا على مستوى تقديركم.
وشكرًا أبو محمّد. أسعدني إعجابكم بالمقال.

• (2) - كتب : احمد النجفي ، في 2013/01/05 .

الاخ العزيز عماد يونس فغالي نتقدم لكم بالشكر الجزيل على ما عرضتموه من مذكرات حول شاعرنا الكبير الصافي النجفي ونشكر سلفا الدكتور لويس صليبا على مبادرته في نشر مذكرات الصافي وهذه الدراسه المهمة ونحن كابناء للمجتمع النجفي العراقي نشكر لكم هذه المساهمة والمبادرة . ونتمنى منكم المزيد ونحن نتابع كتاباتكم على هذا الموقع المهم الغزير بالكتابات الرصينه والناضجه . فلكم منا كل الود . اخوكم احمد النجفي .

• (3) - كتب : ابو محمد ، في 2013/01/05 .

احسنتم على هذا العرض الشيق




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net