صفحة الكاتب : عزيز الخزرجي

فنّ ألكتابَة و آلخطابَة (1)
عزيز الخزرجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

 
في شهر رمضان ألمبارك كما آلمُناسبات ألأسلاميّة ألموسميّة ألأخرى تكثر ألمجالس و آلمحاضرات التقليديّة في عموم بلدان العالم ألتي يقطنها المسلمون, و قد يكون بعضها القليل بمستوى لا بأس به للأمكانية العلميّة ألتي يمتاز بها المحاضر لما يطرحه من الحكم و المواعظ و تفسير بعض آيات الكتاب المبين بشكل يتناسب مع روح الزمان و المكان ألمعاصرين لكنه لا يرتقي إلى المطلوب, و الأعم الأغلب منها تطغى عليها حالة الأجترار و الخلط و التجميع في الموضوعات بعيداً عن آلمنهج ألأكاديمي كآلمتبع في الجامعات الراقية, و لعلّ مستوى آلحاضرين (ألمُستمعين) أو (ألقُرّاء) هو آلبارومتر ألذي يتمّ عادة ما من خلالهم قياس مستوى آلمحاضرة او ألمقالة, و لهذا قد يكون ألمقال أو المُحاضرة متدنيّة جدّاً على آلأغلب بفحواها لكن نرى تقبّل ألجّمهور عليه و إستحسانه بسبب ضعف مستواهم ألعلميّ و قلّة معارفهم من آلأساس!
 
 
إنّ آلباحث و آلمُثقّف ألحقيقيّ لا يقف عند ذلك آلحدّ؛ بلْ يكون كادحاً و ساعيّاً و باحثاً على آلدوام وراء آلمعرفة و آلحكمة كضالة له على طول ألخط حتّى آخر حياته, و لا يتلقى آلمعرفة كطقوس أو مهنة و في آلمناسبات ألموسميّة كمصدرٍ للرّزق و الجاه و الظهور؛ بل يعتقد بأنّه صاحب رسالة حقيقيّة للأنسانيّة, و لهذا تراه ضعيف آلبُنية فقيراً وحيداً و من أشدّ آلناس ألماً, لأنّ آلعارف و آلمُفكر ألحقيقي تزيد آلامه و تكثر معاناته كلّما زادتْ معرفتهُ و قلّتْ حيلته وتكاثر أعداءهُ, و عادة ما يهمله أهل زمانه و آلمحيطين به و ربما يقتلونهُ بدم بارد .. ليستبدلهم الله تعالى بأناس غيرهم مستقبلاً بعد ما يتطور ألعلم و يتقدّم ألفكر وتظهر البراهين ليعرفوا عندئذ قدر ذلك العالم ألشهيد ألمظلوم, و من هؤلاء ألعظام ألمظلومين على سبيل ألذكر؛ ألمُفكر ألفيلسوف مُحمّد باقر ألصّدر(قدّس) و آلأمام ألخميني(رض) و آلمطهري ألعظيم و شريعتي ألشّهيد و جمال آلدين ألأسد آبادي و سيد قطب و أركون و قبلهم كثيرون و على رأسهم إمام ألفكر و آلفلسفة و آلعدالة عليّ(ع)!
 
 
 
يصطفّ بجانب ذلك آلاف ألمقالات و آلتّحليلات أليوميّة ألمبتذلة لتتراكم مع بعضها البعض تاركةً آثارها آلسّيئة في الوسط الثقافي ألشعبي و لعلّ ألكثير منها – أي الموضوعات – تدور رحاها على محاور مشتركة من دون وجود تطور بارز على صعيد ألفكر و الفلسفة و الحكمة و التكنولوجيا بسبب آلتفسير ألتجزيئي ألمُجرّد من المعرفة الحقيقية للنصوص الأسلاميّة و على رأسها القرآن الكريم!
 
 
 
هذا آلأمر – أي نتائج المنابر التقليدية الموسمية - قد أدى إلى توريثنا لتركة ثقيلة مغلوطة و مُعقدة من المتناقضات .. ليس في الفروع فحسب - بل حتى في فهم و تفسير و تحديد أصول ألدين, و بآلتالي إنحرافنا واضحاً عن مسيرنا الطبيعي الذي خطه لنا الباري تعالى مع أوليائه آلذين بيّنوا لنا بنصوصٍ مجملة و عميقة ومحكمة طريق ألسّعادة, و لك أنْ تتصوّر مدى آلمحنة و نتائج هذا التراث ألتراكمي الخاطئ الموروث من آلمراجع و آلمتسلطين حين تكون عقيدتنا بالشكل و المستوى ألذي عليه الآن للأسف الشديد!؟
 
 
 
لذلك رأينا من الواجب تقديم هذا البحث الذي يؤسس بآلأضافة إلى المنهج الأمثل لأصول و فن الكتابة و الخطابة؛ إلى ألأساسات الفكرية و الرؤى المستقبلية للكثير من مفاصل الفكر و طرق المعرفة  الحقيقية, و لعل بعضها ترتبط بمجمل النظريات التي أثبتها في مؤلفنا الموسوم بـ:
(أسفارٌ في أسرار الوجود)
 
 
أستطيع الجزم بأنّ مُعظم ألخطب و آلمقالات و الكتابات التي ظهرت و تظهر على منابرنا ألأعلامية – إلا ما ندر – كانتْ على آلأغلب ألأكثر تنقصّها الأسلوب ألعلمي و آلطرح الموضوعي و المنهج الأمثل ألمستند على آلحجج العقلية و النقلية لعرض الحقائق و القيم و النظريات و الأفكار التي لها أثر فاعل في آلحياة الأجتماعية و السياسية و الثقافية و التربوية و العلمية و التكنولوجية, هذا ناهيك عن البتر و النقص الذي لا حاجة لبيانه هنا.
 
  
 
ألكتابة:
هي أسمى ما توصل إليها الأنسان, فـ "آلوصيّة" ألتي جاء بها آدم(ع) و وصلت إلى سيّدنا نوح عليه و على نبيّنا آلسّلام و إلى جميع ألمرسلين من بعده  للتّبرك بها كأساسٍ و محورٍ لتبليغ رسالة ألسّماء إلى آلبشريّة؛ قد تمّ العثور عليها مع بقايا أنقاض سفينتهِ من خلال تنقيبات العلماء ألسّوفيت في خمسينيات القرن الماضي؛ هي أول وثيقة مكتوبة على آلأرض لتكون آية للعالمين(1).
 
 
ثم تطوّرت آلكتابة و تنوعت أشكالها و رسومها و فنونها عبر آلاف السنين حتى أصبحتْ من آلفروع ألأختصاصيّة في آلجامعات ألعالميّة ألمعروفة, لكنّ آلموضوع ألمُهم في آلكتابة هو معرفة فنّه و أصوله,
و آلأهم من ذلك هو آلبدء بآلكتابة و إيصال الأفكار للناس, فآلبدايات صعبة عادةً, لأنك تُحوّل ألخيال إلى حقيقة و آلغيب إلى واقع ملموس!
 
 
إنّ كتابة موضوع مُعيّن تحتاج إلى آلفكرة أولاً, ثمّ آلوقائع المنظورة و آلأمثلة ألمُسجلة و إلى آلمصادر و آلأسلوب و شيئاً من آللغة, فعندما تختصر ألفكرة تحتاج إلى الأسلوب أو آلطريقة ألتي يجب عرضها بوضوحٍ و بساطةٍ و إجمالٍ, و هكذا لا تكون الكتابة على الورق إلا صورة زنكوغرافية لما هو موجود في الذهن أو تفريغ كمبيوتري تظهر على المواقع و آلشّاشات – إن صحّ آلتعبير – لكل ما سبق إعداده في الذهن.
 
إنّ "ألكتابة" ألأولى(ألمسودة) هي فعلاً ما يُعبّر عمّا يختلج في آلنفس, أو يدور في الذهن, و عندما يُعاد(يُبيّض) كتابة ما كتبْ فأنّها مُمارسة عملية تجميلية شاملة للتقرير النهائي, و هذه مسألة مطلوبة حتّى للمبتدئين, و عموماً يتحقّق هذا آلأمر في ألكتابات ألأبداعية ألجديدة ألتي من خلالها يُمكننا تشخيص ألمفكر ألحقيقي من آلمفكر المُزوّر!
 
 
 
أمّا الكتابات ألبحثيّة, فأنّه لا بُد من آلمراجعة و آلتدقيق و آلحذف و آلأضافة و ليس التبيّض فقط, و آلأفضل أن تبدأ بآلكتابة و التقرير متى ما كانتْ ألصّورة مكتملة في آلذهن و في القلب بشكل خاص.
 
 
و آلكتابة هي إعلانٌ و تفريغٌ لما تُؤمن به لخدمة آلبشريّة و هدايتهم نحو آلمعرفة بكلّ أبعادها لتحقيق ألسّعادة, و هذه ألعمليّة بطبيعة ألحال تُحوّل ألكاتب كأنسانٍ هادفٍ إلى شمعة تحترق لأنارة ألطريق أمام آلنّاس – كلّ النّاس.
 
 
ألخطابة:
و توأم ألكتابة هي آلخطابة ألتي تحتاج هي آلأخرى إلى معرفة فنونها و أساليبها و ليس بآلضرورة أن يكون الكاتب الجيد خطيباً جيّداً أو العكس, لكن الخطيب الناجح هو الذي لا يخاف آلظالمين و يقف أمامهم بكل جرأةٍ و شجاعة مستخدماً المنطق الرصين, لأنه مسلحٌ بآلفكر و يمتلك ألمعلومات ألكافية, و يعرف من أينَ يبدأ و كيف يُفصّل و متى ينتهي و إلى منْ يتحدّث!؟
 
إنّ فنّ الكتابة و الخطابة ضرورية لنهضة الأمة و يهمّ كل أنسان مفكّر يحمل رسالة, و أهميتها تتعيّن لدى المهتم من خلال مدى إيمانه بآلفكر الذي يحمله و يتحدد ذلك من مدى عمق و شمولية فهمه و إدراكه لمعنى ألوجود و فلسفة ألخلق و آلعلاقة بين الأنسان و الأنسان, و بين الأنسان و ربه, و بين آلأنسان و آلطبيعة!
 
إنّ هذا آلمنهج ألذي سنعرضه هو عبارة عن مجموعة محاضرات بعنوان(فن ألكتابة و آلخطابة) أُلقيتْ على منبر مركز ألشّهيد الصدر(قدس) في مدينة "تورنتو" بكندا بداية الألفية ألثالثة – و هو ضروري لكل أنسان باحث عن الحقيقة و سرّ الوجود لأنه سيعلمك:
 
كيف تكتب؟
و
 
كيف تخطب؟
 
و قبل كل ذلك .. كيف تُفكّر!؟
 
لتكون إنساناً هادفاً في حياتك .. و هل يُخَلّد أحدنا في هذا آلوجود إلّا  مِنْ  خلال ألفكر و آلأنتاج العلمي ألذي يعكسه ألكتابة ألجيدة و المحاضرة ألقيّمة!؟
 
عزيز الخزرجي
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
(1) في أواخر عام 1952م صرّح فريقٌ من الخبراء الرّوس بإكتشاف هام في منطقة بوادي (ق) عبارة عن لوحة متحجرة من بقايا سفينة نوح مع أخشاب أخرى من حولها كانت عائدة إلى سفينة نوح المحطمة و شوهد أن تلك اللوحة قد نُقشتْ عليها بعض الحروف التي تعود إلى أقدم لغة و هي السامانية و بعد ترجمتها إلى الأنكليزية ثم العربية تبيّن أنها أسماء أهل البيت(ع), التفاصيل في الملحق الذي سيُنشر لاحقاً بعد إتمام الحلقات.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عزيز الخزرجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/07/27



كتابة تعليق لموضوع : فنّ ألكتابَة و آلخطابَة (1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net