صفحة الكاتب : د . محمد الغريفي

المقبولية الجماهيرية في القرآن الكريم
د . محمد الغريفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في كل نظام سياسي يلزم أن تكون علاقة الشعب مع الحكومة مبنية على الطاعة والالتزام بالمقررات الحكومية، ومن دون ذلك ينهار النظام السياسي ويحصل الهرج والمرج.

على مر التاريخ أعتمد بعض الحكام سياسة الجبر والإكراه والاستعباد للأمة من أجل فرض الطاعة ودوام السلطة، في المقابل أعتمد بعض الحكام على رضا الأمة وقبول الأغلبية بالحكومة لدوام السلطة وحفظ النظام. 

والمراد من المقبولية (acceptability) فی الاصطلاح بمعنى موضع الرضا والقبول العام من قبل الشعب بالحاکم. وفي الفكر الإسلامي بمعنى: إعلان الطاعة والبیعة للحاكم والآستعداد لتلقي الأوامر. 

والمقبولية غير المشروعیة التي بمعنى (الحقانية) وهي متقدمة في رتبتها على المقبولية الشعبية؛ لأن المشروعية تعطي للحاكم الحق والشرعية والقانونية وتحدد المصداق، ويأتي بعدها في المرتبة الثانية المقبولية التي تعطي دور للشعب في القبول أو الرفض للحاكم. 

وبعبارة ثانية: الله تعالى ينصب خليفته في الأرض، الذي هو الصراط المستقيم. ويترك القبول والرفض الى الناس، فأن قبلوا الإمام وطاعوه قد تمسكوا بالعروة الوثقى واستحقوا الأجر والثواب، وإن رفضوا الإمام ولم يتوله فقد ظلوا عن الحق واستحقوا الإثم والعقاب.

ويتميز مذهب أهل البيت (ع) عن باقي المذاهب الاسلامية بالتأكيد على المقبولية ورفض القوة والغلبة للسيطرة على الحكم وإخضاع الناس لسلطانه بالجبر والإكراه؛ وذلك لأن الهدف من السلطة هو الإصلاح والإصلاح لا يكون بالقوة والجبر والإكراه بل يكون باختيار الناس. وكذلك لا يمكن أجبار الناس على الدخول للجنة لأن الجنة تكون باختيار الانسان وأرادته، وليس عن طريق الجبر الذي يسلب إرادة الإنسان ويبطل معه الثواب والعقاب.

وفي زمان الغيبة الكبرى تكون لكل مجتهد عادل مشروعية من قبل الله تعالى تمكنه من تشكيل الحكومة، ولكن فعلية حكومته يتوقف على المقبولية الجماهيرية والإقبال الشعبي على الحكومة وإعلان البيعة والطاعة من قبل غالبية الجماهير ، لأن فاقد المقبولية الشعبية لا يجيز له الشرع إجبار الناس على طاعته بالقوة والغلبة. 

فلو كان في زمن من الأزمان أكثر من فقيه عادل في بلد واحد، فجميعهم يمتلكون المشروعية الإلهية بالقوة (اي من الجانب الامكان)، ويتقدم منهم لتشكيل الحكومة من كان عنده مقبولية (أي من الجانب الفعلية).

ينص على ذلك الامام الخميني: (تولي أمور المسلمين وتشكيل الحكومة مرتبط بقبول أكثر المسلمين، وقد أشار إلى ذلك الدستور، وفي صدر الإسلام يعبر عنه بالبيعة لولي المسلمين)(صحيفة الامام، ج٢٠، ص٤٥٩). 

وكذلك صرح بها المرجع الاعلى السيد السيستاني: (الولاية فيما يعبّر عنها في كلمات الفقهاء (رض) بالأمور الحسبية تثبت لكل فقيه جامع لشروط التقليد، واما الولاية فيما هو اوسع منها من الامور العامة التي يتوقّف عليها نظام المجتمع الاسلامي فلمن تثبت له من الفقهاء ولظروف إعمالها شروط اضافية ومنها ان يكون للفقيه مقبولية عامة لدى المؤمنين)(موقع السيد السيستاني).

وقد اشار القرآن الكريم الى المقبولية في عدة آيات وذكر لوازمها في القبول بالحاكم المشروع من قبل الله تعالى، نذكر منها ما يلي:

1- الأيمان: {فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ}.

2- الطاعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.

3- الإتباع: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ}.

4- الإجابة: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.

5- النصرة: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

6- المُلك: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

7- الولاية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.

8- الشيعة: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}.

9- الأخذ: {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

10- التسليم: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.
-----------------------
مصدر المقالة: كتاب (دروس في النظام السياسي في القرآن الكريم) تأليف وتدريس: د. السيد محمد الغريفي 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد الغريفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/28



كتابة تعليق لموضوع : المقبولية الجماهيرية في القرآن الكريم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net