عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (٦)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لقد نجحَت كربلاء في صهرِ كلِّ الخلفيَّات في بوتقةِ مفهومِ الانسان الذي كرَّمهُ الله تعالى كما في قولهِ عز وجل {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} فلم يكن للانتماءِ الدِّيني والمذهبي أَو للَّون والجنس أَو حتَّى للعُمر والقرابة معنى في يَوْمِ عاشُوراء! إِلّا الانتماء الانساني! فكيف نجحَ الحُسين السِّبط (ع) في تحقيقِ ذلك؟! وهو لو نظرنا الى جوهرِ الموضوع لرأيْناهُ الأَعظم من بين كلِّ الانجازات والنَّجاحات التي حقَّقتها عاشُوراءُ؟!.
أَقولُ الأَعظم لأَنَّ النَّهضة عامت في بحرٍ من التَّمييز بكلِّ أَشكالهِ وعلى مُختلفِ المستويات، السِّياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة وغيرِها! غذَّاهُ الأمويُّون منذُ أَن إِعتلى الخليفة الثَّالث تحديداً السُّلطة وكرَّسهُ الطَّاغية الطَّليق مُعاوية وثبَّتهُ إِعتلاء الطَّاغية يزيد للعرشِ في إطارِ مُلكٍ عضوضٍ بعد أَن قضى أَبوه على الخلافةِ التي يسمُّونها بالرَّاشدة والتي امتدَّت ثلاثونَ سنةٍ إِنتهت بتركِ الامام الحَسن السِّبط (ع) السُّلطة بعد حُكمٍ دام ستَّة أَشهر! ليكونَ بذلك خامس الخُلفاء الرَّاشدين في مفهومِ مدرسة الخُلفاء.
فكيف نجحَ الحُسين السِّبط (ع) في تحقيقِ ذلك؟!.
١/ لقد إِعتمدَ الامام (ع) المنْهَجِ الرِّسالي الربَّاني الذي قاعدتهُ قول الرَّسول الكريم (ص) {لا فَرقَ لعَرَبيٍّ على أَعجَميٍّ إِلّا بالتَّقوى} وقولهُ (ص) {كُلُّكم لآدمَ وآدمُ مِن تُرابٍ}.
إِنَّ هذا المنْهَجِ الذي كرَّسهُ رَسُولُ الله (ص) ومن بَعْدِهِ أَميرِ المؤمنين (ع) الذي كتبَ في عهدهِ للأَشتر لما ولّاهُ مِصر يقولُ {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ} هو ذاتهُ الذي التزمَ بهِ الحُسين السِّبط (ع) في عاشُوراء! ولذلك فعندما كتب (ع) وصيَّتهُ في المدينة المنوَّرة وسلَّمها إِلى أَخيهِ محمَّد بن الحنفيَّة قبلَ أَن يُغادرها إِلى مكَّة المكرَّمة بعد رفضهِ البيعة للطَّاغية يَزيدٍ، كتبَ يقولُ (ع) {وأَسيرُ بِسيرةِ جَدِّي رسول الله وأَبي عليِّ بن أَبي طالبٍ} فمِن هذا النَّصِّ نفهم بأَنَّ عَاشُورَاءَ هي الامتداد الطَّبيعي للسِّيرة النبويَّة ومن بعدِها السِّيرة العلويَّة التي امتدَّت إِلى اليوم بالسِّيرة الحُسينيَّة في مفهومِ العدلِ والمُساواة وعدم التَّمييز!.
كانَ الحُسينُ السِّبط (ع) لا يُعِيْرُ للخلفيَّةِ أَيَّة قيمة ولذلك نجحَ في صهرِ الخلفيَّات في بوتقةِ المفهومِ الانساني لنهضتهِ الخالدة! وتوحيدِ الهدفِ في عاشُوراء.
أَمَّا الغارقونَ بالعنصريَّةِ والطَّائفيَّةِ الذين يوظِّفونها لتحقيقِ أَجنداتهِم السِّياسيَّة الضَّيِّقة فهؤلاء يكذِبونَ عندما يتحدَّثون عن المُساواة وعدم التَّمييز فبنظرةٍ سريعةٍ وخاطفةٍ لممارساتهِم اليوميَّة فسنلحظُ نفاقهُم بشَكلٍ جليٍّ لا لبسَ فيهِ!.
لقد قيلَ قديماً أَنَّ فاقدَ الشَّيء لا يُعطيه! فكيفَ يمكنُ أَن يُقدِّم لنا الطائفيُّون والعنصريُّون مفهوم المُساواة بشكلهِ الصَّحيح بعيداً عن التِّجارة الرَّخيصة؟!.
إِنَّ أَيَّ منهجٍ سياسيٍّ يعتمد التَّمييز بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكالِ لهُو منهجٌ فاسدٌ مهما تلفَّع بالشِّعارات البرَّاقة أَو تستَّر بالدِّين!.
فالمنهجُ إِذا لم يكُن حُسينيّاً يعتمد العدل والمُساواة، فهو بالتأكيد شيطاني يعتمد مفهوم إِبليس العُنصري بقولهِ {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
٢/ إِنَّ إِعتماد الحُسين السِّبط (ع) مفهوم الانجاز كمعيارٍ في التَّقييم والانتماء لنهضتهِ، هو الذي أَسقط كلِّ الرِّهانات العُنصريَّة والطَّائفيَّة التي تعتمد التّمييز على أَساس الخلفيَّة بكلِّ أَشكالِها!.
والانجازُ هنا إِعتمد على رفضِ البَيعة للحاكمِ الظَّالم لاعتباراتٍ إِنسانيَّةٍ ودينيَّةٍ من جهةٍ، والاستعداد للمواجهةِ والتَّضحيةِ من أَجلِ الثَّبات على هذا الموقف من جهةٍ أُخرى!.
فكانوا شُهداءَ كربلاء!.
٢٥ أَيلول ٢٠١٧
لِلتَّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat