مذكرات أقدم مدرس تاريخ في كربلاء الأستاذ عبد الرزاق الحكيم
اسعد عبد الرزاق هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اسعد عبد الرزاق هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تنطلق كل جلسة من جلساتنا في محل عطارة الأستاذ عبد الرزاق الحكيم في حي المعلمين، لقراءة معينة لمكان أو حدث أو مناسبة، تكون معظم تلك المحاورات عبارة عن أسئلة واستفسارات، رأيت البيت يحتفي بطريقة خاصة وطقس عائلي خاص عجبت من هذه الاحتفالية الصغيرة التي كانت تقام في كل بيت كربلائي، عرفت إن هذه الاحتفالات تسمى مراسيم دخول السنة، وعرفت في بيت الأستاذ أيضا مثل هذا الاحتفال الأسري، تقليد شعبي من الموروث، سألته عن المناسبة: ما مناسبة هذه الاحتفالية يوم دخول السنة أليس هو عيد نوروز؟
أجابني هو تقليد تاريخي يعود أصله إلى القرن السادس قبل الميلاد، يحتفل به عادة يوم 21 من شهر آذار مارس في العديد من البلدان، أفغانستان أذربيجان، الهند، تركيا، والكثير من المدن، ومعنى نوروز هو (نو جديد، و روز اليوم) والمعنى (يوم جديد) يحتفل بعودة فصل الربيع، وله مغزى روحي عظيم، يرمز إلى انتصار الخير على الشر، والفرح على الحزن.
قلت اسأله، في كربلاء طقوس كربلائية كان يمارسها الكربلائيون خارج نطاق البيت، نظام معين تعرفت عليه العوائل، يوم يختلف عند الكربلائيين، فأجابني: هي مناسبة يقوم الناس بتبادل الزيارات، والزيارات للمراقد المقدسة والخروج الجماعي إلى البساتين منهم إلى عون ومنهم إلى مرقد الحر، وترى أهالي كربلاء عوائل يحملون الفرش والشاي (السماورات) كان من المتعارف عليه في كربلاء استقبال السَّنة الجديدة بتلاوة القرآن الكريم والأدعية التي تفتح باب الرزق في تحقيق الآمال.
قلت أستاذ، هل أهل كربلاء يعتبرونه عيدا من أعيادهم، قال: نعم كانوا يعتبرونه عيدا من الأعياد، ومن ضمن عادات هذا اليوم إعداد صينية فيها خضراوات ولا بد أن تحتوي على سبعة أشياء تبدا بحرف السين، سألته: لماذا قال هو جزء من الموروث، مجرد تأويلات تعود إليها الناس، مثل السمسم يبدا بالسين، والسكر، والسمك، والسلق، والساهون، والسماق، والسبزي، قلت والبعض يضع نقودا معدنية لأنها سكة، وكل بيت يعد مشربيات، لكل فرد من العائلة مشربة، والمشربيات تهيئ منذ فترة قبل العيد، تزرع بالرشاد، عبارة عن دوارق طينية صغيرة تشد الوسط بقماش، وفيها حبوب الرشاد، لذلك هي خضراء، أجابني مبتسما: والمشربيات كانت بنوعين، مشرب مخصص للإناث ونوع للذكور، لكل أنثى من العائلة لها مشربتها الخاصة، ولا يحق للذكور استخدامها.
طيب أستاذ كيف كان الناس معرفة وقت دخول السنة، أجابني: هذه الاحتفالات تحددها وقت دخول السنة وكانت العوائل تأخذه عن طريق تناقل الخبر، ومصدره مرجعية موثوقة من أصحاب الخبرة والاختصاص.
لحد هذه النقطة كل الأمور "ماشية عدل" ومفهومة لا شيء فيها غريب، لكن أن تدخل السنة على حيوان من الحيوانات، تلك الأمور تحتاج إلى سؤال، حقيقة أغلب الناس لا يعرفون ما معنى أن تدخل السنة على حيوان لماذا الحيوانات؟
الأستاذ عبد الرزاق الحكيم: ـ تحديد الحيوانات للدخول السنه جاء عبر أساطير معينة، ولكل أمة أسطورتها، تقسَّم التقويم الصيني إلى اثني عشر قسما، ليشكلَ دورة اثني عشر عاما، الحيوان الواحد يرمز لعام كامل، كررت السؤال، فكرة أنها تدور على حيوان من أين جاءت؟
أجابني الأستاذ وهو يبتسم: - الأسطورة الأولى الصينية، ترجع لدعوة الإمبراطور السماوي الحيوانات لتودعه، فلم يلب نداءه إلا اثني عشر حيوانا فقط، وجميع الحيوانات حقيقية ما عدا التنين فهو أسطوري.
القصة الثانية: تعود إلى أن بوذا أراد أن يعقد اجتماعا للحيوانات ليأخذ راي جميع الحيوانات لإعادة تنظيم البلاد، فلم يحضر إلا اثني عشر حيوانا فقط، أما الأسطورة الثالثة مختلفة شيئا ما، تذكر الأسطورة، جرى سباق بين جميع الحيوانات، وفاز في السباق اثنا عشر حيوانا، ابتسم وقال هل تعلم أن عام الفأر كان في 1960، وعام 1972، هذا يعني لنا الآن العام 2020 دار على فأر، وعام الثور كان في عام 2021م، وعام 2022م كان عام النمر، و 2023م كان عام الأرنب، وسنتنا هذه 2024م دخلت على ديك، السنة القادمة 2025م تدخل على ثعبان، وبعدها على حصان، وبعدها على خروف، وبعدها عام القرد، قلت وأنا أبتسم: ـ الموضوع غريب بعض الشيء علينا، لهذا اسأل هل لكل حيوان صفة عندهم، تتحرك على منواله السنة، أجابني مبتسم: - نعم الفار عندهم يمثل الدهاء والذكاء والحركة، وأما الثور فعندهم سنة صبر وتحمل، النمر سنة جرأة وشجاعة، والأرنب يمثل عندهم سنة حذر، سنة قلق، وإذا دخلت السنة على أفعى يعني عندهم الثقة والثبات، وأما إذا دخلت على حصان، تعني عندهم الاحترام، والخروف من الطاعة، والديك سنة كفاءة، والكلب سنة إخلاص، كان الناس يتفاءلون بدخول السنة على البقرة، أو على الحمام مثلا، على العصفور، على البلبل، ويتشاءمون حين تدخل على الدجاج والكلب والخنزير، سالته هل هناك أكلات خاصة لدخول السنة؟
فاجتابني: - كانوا يعدون أكلات خاصة لهذا اليوم، مثلا سفرة خضر إلياس، يجهز فيها الكعك والسكاكر، وكان الناس مولعين باللون الأبيض في هذا اليوم، مثلا: اللبن من ضروريات المائدة كونه أبيض ويمثل النقاء، ويسلقون بيضتين لكل فرد من أفراد العائلة، والغريب إنهم كانوا يصبغونها بالألوان، ويطبخون زردة، يضعون فوقها طبقة حليب، هو ابيض ويتم توزيعها للجيران.
ابتسم حينها وقال هذا هو نوروز بثوب كربلائي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat