في كلمة من روائعه يقول إمامنا أمير المؤمنين علي (ع):(انتهزوا فرص الخير فإنها تمرّ مر السحاب)..
إنًّ مما لا شك فيه أن الله تبارك وتعالى هو من يوفر فرص الخير والرحمة لعباده.. تفضلاً ورحمة و إلقاءاً للحجة عليهم ، فهو من أفاض الوجود على الإنسان ووهب له العقل وأرسل الأنبياء لهدايته وقيادته إلى كل خير وبر.. إنطلاقاً من هذا المعنى .. يتساءل البعض أحياناً أما غفلة أو اعترضا أو استبيانا للحقيقة فيقول : ما هي فرص الخير والرحمة التي أنعم الله تعالى بها علينا ؟.. لعلـّي لا أجد لهذا التساؤل أبلغ من قول الله في آياته البينات : ((وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها..))، لأن جميع النعم المادية والمعنوية للخالق شملت جميع الوجود وعلاوة على ذلك فإن ما نعلمه من النعم بالنسبة لما نجهله كالقطرة في مقابل البحر الخضم.. ولكن لنقف معاً وقفة تأمل و تفكر قصيرة نسلط فيها بصيص ضوء على نعم أنعم الله تبارك وتعالى بها علينا تخص ما عبر عنها أمير المؤمنين بقوله (فرص الخير)...
يقول رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيته لأبي ذر (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)..ففي هذا الحديث الشريف يلخص النبي الأكرم سفرا جليلا من أعظم فرص التزود بالخير التي من الله بها علينا.. فلو أستغل كل إنسان ما لديه من شباب وصحة وغنى وفراغ بل وحياته جميعاً وملئه بأعمال تعود على نفسه وعلى أهل بيته ومجتمعة بالمنفعة والخير لكان ذلك من أوسع أبواب التوجه إلى الله تعالى..وفي هذا المعنى يقول أمير المؤمنين (ع) في كتاب لأحد عماله: (وَاِعْلَمْ أَنَّ اَلدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلاَّ كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ) والفراغ المقصود هو ما يمر على الإنسان من وقت دون عمل مفيد..وهذا سيحاسب عليه الإنسان حتماً لأنه فرط بطاقة كبيرة وهبها الله له..
لنخصص الكلام بصورة أكثر: من أفضال الله علينا ليلة الجمعة ويومها..حيث جعلها الله محطة أسبوعية للتوبة والإنابة والعودة إلى الله بما يتخللها من أعمال مستحبة وردت على لسان نبيه الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، كما أنعم الله علينا بالأشهر الكريمة .. رجب الأصب الذي تصب فيه الرحمة صباً، وشعبان الذي يتشعب فيه الخير، وشهر رمضان المبارك وما أدراك ما شهر رمضان بكل لحظة من لحظاته ولياليه العظيمة ؟! والحديث يطول كثيراً..كما جعل الله من بين أيام السنة أيام متفرقة فتح بها أبواب الرحمة لعباده كالمواسم الخاصة لزيارة النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين).. وكيوم عرفة والعيدين وعيد الغدير الأغر..و.. و.. ولكن هل تقف رحمة الله عند هذا الحد البسيط جداً ؟! كلا وألف كلا !! لأن رحمة الله أوسع وأوسع من أن تضيق في مكان دون مكان وزمان دون زمان يقول تعالى: ( ورحمتي وسعت كل شيء) فكل لحظة من لحظات العمر هي فرصة من فرص الرحمة والخير والبذل والعطاء فهنيئاً لمن عمل من أجل الآخرة فيها..لأن الحياة مهما طالت فهي أقصر من تقارن بالآخرة وكما يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (الدنيا ساعة فأجعلها طاعة).. وقد ورد في الخبر (أنّ أهل الجنّة لا يتحسّرون على شيء فاتهم من الدنيا كتحسّرهم على ساعة مرّت من غير ذكر الله)..وليس بالضرورة أن يكون ذكر الله لسانيا ً بل أن ذكر الله هو أي عمل مادي أو معنوي أريد به وجهه تبارك وتعالى..
بناءاً على ما تقدم نفترض السؤال التالي : بعد أن أفاض الله كل هذه النعم على الناس ثم يأتي أي فرد منا ولم يقدم لنفسه بين يدي الله من عمل ..وبالتالي يدخل النار، فهل يستحق دخولها أم لا ؟!! ولذا ورد عن أمير المؤمنين قوله : (أشد الغصص فوت الفرص) وهل هناك غصة وحسرة كدخول النار والعياذ بالله...
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat