صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

فزتُ ورب الكعبة...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كنتُ أتامل كثيراً في هذه الجملة التي أطلقها مولانا ابو الحسنين عليهما السلام في أخر أيام حياته قبل ان يخر صريعاً، عندما وقع عليه سيف اللعين عبدالرحمن بن ملجم المرادي، وبعد طول تأمل ونظر لم ادرك الا بعضاً من معانيها ومدلولاتها وماذا تحمل من أهات وصرخات من قائد عظيم سيفارق الحياة وهو الفائز المنتصر... وبعد ايام وقع بيدي كتاب للسيد الشهيد محمد باقر الصدر"قدس" يتحدث فيه عن دور أهل البيت في الحياة الاجتماعية والسياسية وما آلت إليها الأمور وجدت الجواب الوافي والشافي لما أردت من توضيح وتبيان لهذه العبارة العميقة التي أطلقها يعسوب الدين وقائد الغر المُحجلين أمير المؤمنين.
اذ يقول الصدر: لنحاسب علياً وهو في آخر لحظة من لحظات حياته حينما قال: فزت ورب الكعبة. هل كان علي أسعد إنسان او أتعس إنسان؟.
هنا مقياسان: فتارة نقيس علياً (ع) بمقياس الدنيا. وأخرى نفيس علياً بمقاييس الله سبحانه وتعالى... لو كان قد عمل كل عمله للدنيا، لنفسه، فهو أتعس إنسان... ومن اتعس من علي (ع) الذي بنى كل ما بنى واقام كل ما أقام من صرح ثم حرم من كل هذا البناء ومن كل هذه الصروح؟
فعلي(ع) كان هو المضحي دائماً في سبيل هذا البناء، هو الشخص الذي أعطى ولم يبخل الذي ضحى ولم يتردد الذي كان يضع دمه على كفه في كل غزوة في كل معركة، في كل تصعيد جديد لهذا العمل الإسلامي الراسخ العظيم.
جهاد علي كان هو القاعدة لقيام هذه الدولة الواسعة الاطراف لكن ماذا حصّل علي (ع) من كل هذا البناء في مقاييس الدنيا، اذا اعتمدنا مقاييس الدنيا؟.
فعلي (ع) حينما واجهه عبد الرحمن بن ملجم بتلك الضربة القاتلة على رأسه الشريف، كان ماضيه كله ماضي حرمان والم وخسارة لم يكن قد حصل على شيء منه، لكن الأشخاص الذي حصلوا على شيء عظيم من هذا البناء هم أولئك الذي لم يساهموا في هذا البناء هم أولئك الذي كانوا على استعداد دائم للتنازل عن مستوى هذا البناء في أية لحظة من اللحظات أولئك حصلوا على مكاسب عريضة من هذا البناء، اما هذا الامام الممتحن الذي لم يفر لحظة الذي لم يتلكأ في أي آن، الذي لم يتلعثم في قول او عمل، هذا الإمام العظيم لم يحصل على أي مكسب من هذا البناء بأي شكل من الإشكال انظروا ان هذه الحادثة يمكن ان تفجر قلب الإنسان، وما الإنسان غير العامل، حينما ينظر في حال عامل على هذا الترتيب يتفجر قلبه ألماً لحال هذا العامل المسكين، لحال هذا العامل التعيس، الذي بنى فغير الدنيا ثم لم يستفد من هذا التغيير ثم تعالوا انظروا الى المستقبل الذي ينظره الإمام علي (ع) بعين الغيب هذا ماضيه، فماذا عن مستقبله
كان يرى بعين الغيب ان عدوه اللدود سوف يطأ منبره، سوف يطأ مسجده، سوف ينتهك كل الحرمات والكرامات التي ضحى وجاهد في سبيلها سوف يستقل بهذه المنابر التي شيدت بجهاده وجهوده ودمه، سوف يستغلها في لعنه وسبه عشرات السنين هو الذي كان يقول لبعض الخلّص من اصحابه انه سوف يعرض عليكم سبي ولعني والبراءة مني اما السب فسبوني واما البراءة مني فلا تتبرؤوا مني.
إذن فهو كان ينظر بعين الغيب الى المستقبل بهذه النظرة لم يكن يرى في المستقبل نوعاً من التكذيب يتدارك به هذا الحرمان، الأجيال التي سوف تأتي بعد أن يفارق الدنيا، كانت ضحية مؤامرة أموية جعلتها لا تدرك أبداً دور الامام علي (ع) في بناء الإسلام.
وبالرغم من كل هذا قال: فزتُ ورب الكعبة، حينما أدرك انها اللحظة الأخيرة وانه انتهى خط جهاده وهو في قمة جهاده وانتهى خط محنته وهو في قمة صلاته وعبادته قال: فزت ورب الكعبة، لانه لم يكن انسان الدنيا ولو كان انسان الدنيا لكان أتعس انسان على الإطلاق لو كان انسان الدنيا لكان قلبه يتفجر الماً وكان قلبه ينفجر حسرة ولكنه لم يكن انسان الدنيا، لو كان انسان الدنيا فسوف يندم ندماً لا ينفعه معه شيء، لأنه بنى شيئاً انقلب عليه ليحطمه أي شيء يمكن ان ينفع هذا الشخص؟ اذا فرضنا أن شخصاً أراد إن يربي شخصاً آخر لكي يخدمه فلما ربى ذاك الشخص ونمى واكتمل رشده جاء ليقتله ماذا ينفع هذا الشخص ندمه غير ان يموت.
هذا الرجل العظيم قال: فزتُ ورب الكعبة، كان اسعد إنسان ولم يكن أشقى إنسان لأنه كان يعيش لهدفه، ولم يكن يعيش للدنيا، كان يعيش لهدفه ولم يكن يعيش لمكاسبه ولم يتردد لحظة وهو في قمة هذه المآسي والمحن، في صحة ماضيه، وفي صحة حاضره، وفي انه ادى دوره الذي كان يجب عليه.
نحن يجب ان نستشعر دائماً ان السعادة في عمل العامل لا تنبع من المكاسب التي تعود اليه نتيجة لهذا العمل.
يجب إن لا نقِّيم سعادة العامل على أساس كهذا لأننا لو قيّمناه على هذا الأساس فقد يكون حظنا كحظ هذا الإمام الذي بنى اسلاماً ووجّه امة، ثم بعد هذا انقلبت عليه هذه الأمة لتلعنه على المنابر إلف شهر.
نحن يجب ان لا نجعل مقياس سعادة العامل في عمله هو المكاسب والفوائد التي تنجم عن هذا العمل وانما رضي الله سبحانه وتعالى وإنما حقانية العمل، كون العمل حقاً وكفى، وحينئذ سوف نكون سعداء سواء أثر عملنا او لم يؤثر، سواء قدر الناس عملنا ام لم يقدروا، سواء رمونا باللعن او بالحجارة على أي حال سوف نستقبل الله سبحانه وتعالى ونحن سعداء لأننا أدينا حقنا وواجبنا وهناك من لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها، لئن ضيع هؤلاء السعادة ولئن ضيعوا فهمهم، ولئن استولى عليهم الغباء فخلطوا بين علي (ع) ومعاوية، لئن انصرفوا عن علي وهم في قمة الحاجة إليه فهناك من لا يختلط عليه الحال، من يميز بين علي (ع) وبين أي شخص آخر، هناك من قد أعطى لعلي (ع) نتيجة لعمل واحد من إعماله مثل عبادة الثقلين. ذاك هو الحق وتلك هي السعادة. 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/06



كتابة تعليق لموضوع : فزتُ ورب الكعبة...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net