صفحة الكاتب : علي علي

حين يكون القلم تقية
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   لعل أوسع باب من أبواب الحرية التي تفتحت أبوابها على مصاريعها عام 2003 هو باب حرية التعبير عن الرأي، ومعلوم ماكان نصيب العراقيين من حرية كهذه إبان حكم نظام صدام حسين. إذ كانت آخر عضلة يفكر الإنسان العراقي بتحريكها هي اللسان، وإن كان لابد من ذلك، فهو يحركها لأغراض المأكل حيث يلوكه ويقلبه ذات الميمنة وذات الميسرة، والمشرب حيث يبتلعه جرعاته، أما وظيفة النطق فقد انحسرت لدى العراقيين آنذاك بزاوية ضيقة، يؤشر ضلعاها إلى اتجاهات تنأى عن السياسة، والحكم، والسيد الريس، والحزب، والثورة.

  ومع أن العراقيين لم يكن لهم يد في إسقاط صنم صدام -وهذه حقيقة فرضت نفسها شئنا أم أبينا!- غير أنهم أول من يستحق التنعم بزوال شبحه، وهم أحق الناس بالحصول على ما منعوا منه طيلة فترة حكمه، وهم على رأس قائمة المطلوب تعويضهم عما خسروه من حقوق. هنا قطعا يكون الدور في تحقيق هذه المعطيات، على عاتق سياسيي الحقبة التي تسنمت مقاليد الحكم بعد ذاك العام، لكن، كما يقول مثلنا: (ردتك عون طلعت فرعون) والحديث عن ساسة مابعد عام السعد ومسؤوليه، في السلطتين التشريعية والتنفيذية ماعاد ذا نفع، ولن يأتي التقريع واللوم بفائدة، ذاك أنهم يعرفون من أين تؤكل الكتف، وهم متمسكون بكراسيهم بكل ما أوتوا من قوة، ولن يفرطوا بها مهما كان الثمن، حتى لو كان كرامتهم.

  ومادام اليأس قد أطبق تماما على حصول انفراج من لدن السياسيين، فإن بوصلة البحث عمن رافقهم في رحلتهم، تلزمنا أن نتجهه صوب جهة، كان من المفترض أن تتخذ دورا رياديا في التأييد والتفنيد، في التسليم والتقويم، وكان عليها الوقوف الجاد على المفاصل الحساسة والمنعطفات الخطيرة التي سلكها قادة البلد، والتي افضت إلى انزلاقه على أيديهم شر منزلق.

  ما أعنيه فيما تقدم هو الإعلام بأصنافه، المرئي والمسموع والمقروء، إذ هو السلطة الرابعة كما يعلم الجميع، وأول العالمين بهذا هم الإعلاميون أنفسهم، كما أنه حلقة الوصل بين المواطن البسيط والمسؤولين، ولمهنة الإعلام سطوة، اكتسبتها من شدة قرب منتسبيها من صناع القرار، وسهولة تحصيل المعلومة منهم، وفي الوقت ذاته نقدها وإجبار المسؤول على تصحيحها، ولكونهم طبقة مثقفة تحمل رسالة سامية للفرد والمجتمع على حد سواء، فهل أدى رجل الإعلام العراقي واجبه المهني المنوط به على نحو يحقق رسالته؟

وهل تمكن من تفعيل دوره كناقد يرقى إلى مستوى الرقيب، على مؤسسات البلاد ورؤوسها؟

وكيف كانت ردود أفعاله إزاء ما يلمسه ويكشفه من سلبيات، تصدر من ذوي المناصب العليا والدنيا ومابينهما؟

أسئلة أرى أن الإجابة عليها تأخذ خطوطا بيانية متشابكة، تارة لصالح ذوي المهن الإعلامية، وتارة ضدهم. أما الأولى، فهناك كثير من الإعلاميين العراقيين أعطوا المهنة نصيبها من مصداقية الرسالة، وكانوا بحق جنودا مجهولين، أسهموا بشكل مباشر في تغيير مواقف سلبية للحكام والسياسيين، وإن استذكرنا مواقف من جاد بالنفس من الإعلاميين بعد عام 2003 فإن الأحياء منهم مافتئوا يرفدوننا كل حين، بمواقف وردود أفعال جريئة، لها الأثر الفعال في التأثير على صنع القرار في مطبخ الساسة.

  وأما الإجابة الثانية، فهي بدورها تتشعب إلى مبررات ومسوغات، بعضها يمتلك وجوه الحق كلها، وبعضها له من وجوه الحق نزر يسير. فالإعلامي فرد من أفراد المجتمع، وعليه واجبات إزاء رعية، والتزامات تجاه آخرين، وغالبا مايكون المال عصبها ونسغها الصاعد، وبين هؤلاء وهؤلاء، يتحتم عليه تحصيل منافع مادية، مالية أو عينية أو كلاهما، يدير بواسطتها شؤونه على اختلافها. ولما كانت مهنة الإعلام تأخذ جل وقته -وفي الحقيقة كله- فإنه ملزم على مجاراة مايقابله من مفردات العمل، بشكل يجبره على تجاوز كثير من العوائق، مع إيمانه العميق بأن ضررا ما ستحدثه في البلاد.

  وجانب آخر يكاد يكون هو الأول والأخير في سكوت الإعلامي عن سلبيات تخرج من معاطف ساسة البلد، ذاك الجانب هو سياسة الجهة التي يعمل فيها الإعلامي، إذ شاء أم أبى عليه التحفظ على خطوطها السياسية، حتى إن اقتضى الأمر الخنوع أمام رغباتها في مدح القبيح وذم الجميل.

  وبتحصيل حاصل، أرى أن الإعلام -على يد الإعلاميين المغلوب على أمرهم- لم يأخذ مكانته الصحيحة خلال السنوات الخمسة عشر الماضية، واللوم لايُلقى بأكمله على الإعلاميين، بل على العكس، فإغلبهم مجبور على رفع شعار: (أريد اعيش). أما الحيتان التي تلتهم البلد بشراهة وتقضمه بنهم، فلها اليد الطولى والتأثير الأعظم في كبح الطاقات الإعلامية، وركن النشاطات التي من شأنها الارتقاء بالإعلام كسلطة رابعة مستقلة، وما كل هذا إلا لعلمها بأن الإعلام أكبر سلطة رقابية، وأوسع قاعدة جماهيرية بإمكانها قذف السياسي المنحرف بعيدا عن سدة الحكم.

  إن السواد الأعظم من إعلاميي العراق، وجدوا أنفسهم على قارعة الطريق، دون مصدر رزق، بسبب معاداتهم لجهة سياسية أو حزب أو فئة معينة، الأمر الذي حدا بباقي زملائهم في المهنة، أن يتدرعوا بالدبلوماسية، ويتخذوا من المجاملة والمحاباة تقية، مرددين بيت المتنبي:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى

                     عدوا ما من صداقته بد

 

 

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/08/29



كتابة تعليق لموضوع : حين يكون القلم تقية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net