صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

المسيحية الثالثة.وثنية بامتياز. ج2
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مرّت المسيحية بعدة أدوار خطيرة أدت في النهاية إلى ضياعها وتلاشيها . ففي شكل المسيحية الأول كان هناك نبي (عيسى) وكتاب (إنجيل) ووحي ينزل بالتشريعات ، ولكن السيد المسيح لم يصمد ثلاث سنوات حيث انتهى أمره بأن اخذه الله إليه رافعا معهُ الإنجيل الذي جاءَ بهِ لأمةٍ لا تستحقهُ مبشرا (بعهد ٍ جديدٍ) لنبي يأتي بعدهُ هو من سيخبرهم بأمر الله الجديد: (وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم).(1) ونص بشارة العهد الجديد هذه نراها واضحة في قول السيد المسيح الذي ذكره القرآن : (وإذ قال عيسى ابن مريمَ يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسولٍ يأتي من بعدي اسمهُ أحمد).(2)

في هذه المرحلة كان شكل المسيحية غامضا تحت ضغط اليهود والرومان خصوصا المطاردة القاسية لمن آمن بالسيد المسيح واختفاء الحواريين الغامض وضياع الإنجيل.

وأما شكل المسيحية الثاني فقد تبلور على أيدي (بولس شاول الطرسوسي) اليهودي الذي تنصر من أجل هدم المسيحية من الداخل بعد أن أعياه امرها من الخارج حيث حاول جاهدا متوسلا بابشع الوسائل في سبيل ذلك منها انه كان يقتل اتباع السيد المسيح بإلقاءهم بالزيت المغلي أو رضخا بالحجارة (3)، ولكنه بعد رحيل السيد المسيح ظهر فجأة زاعما أن ربه تجلى له في الطريق وامره أن ينشر المسيحية (4) ثم قام بتغيير اسمه إلى (بولس) وجاء للناس بإنجيل جديد كما يقول مستشهدا به : (في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي). (5) فاصبح هذا الإنجيل هو المعتمد عند الله ليُحاكم به الناس على أعمالهم. وهكذا بدأ عصر المسيحية الثانية والتي يطلق عليها الكثير من المؤرخين بـ (المسيحية البولسية).

قامت الديانة المسيحية البولسية على أركان عقائدية خطيرة ثلاث قلبت رسالة المسيح رأساً على عقب وحرفتها وبدلتها وجعلت منها دين غريب وشاذ عن كل المفاهيم الابراهيمية ونستطيع ان تختزلها بثلاث نقاط :

الأولى : تأليه السيد المسيح ، فقد بدأ اولى اطلالته في انجيله بأن زعم ان المسيح ابن الله ، ثم في نهاية إنجيله بدأ يطلق عليه الرب وربي والهي اي انه متجسد في قالب السيد المسيح .

الثانية : إتيانه بإنجيل جديد زعم ان الوحي أوحى به إليه فألغى بذلك شريعة السيد المسيح التي جاء بها.

الثالثة : الغائه للنبوة حيث جعل من نفسه بشارة المسيح وانه هو النبي الموعود الذي بشّر به السيد المسيح . ثم قام قبل موته ببدعة أن الكل يوحى لهم وأن الروح القدس (الوحي) يحل على الجميع وأن بولس قادر أن يعطي الروح القدس لمن يشاء فيصبح نبيا كما يقول : (ولما وضع بولس يديه عليهم حل الروح القدس عليهم، فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون. وكان جميع الرجال نحو اثني عشر). (6) يعني انه بمجرد ان وضع يده عليهم حلّ فيهم الوحي واصبحوا يتكلمون جميع اللغات واصبحوا انبياء.

وأما عصر المسيحية الثالث فقد كانت بدايته على يد الإمبراطور الوثني قسطنطين الكبير والذي اشرت له في الجزء الأول من هذا البحث وهو تحت عنوان : (كيفَ يكونُ العالِمُ جاهلا؟) حيث تعاون معه مؤرخ المسيحية وعالمها أوسابيوس القيصري فقاموا برسم شكل المسيحية الأخير في مجمع نيقيه واقرأو عقيدة الثالوث وأن عيسى ابن الله . فكيف كان ذلك ؟

على يد هذا الامبراطور تأسست المسيحية بشكلها النهائي الذي نراه اليوم والذي نشأ على ضوئها (العالم المسيحي الجديد). اطلق الامبراطور على نفسه الحبر الأعظم أو الكاهن الكبير وهو من الالقاب الدينية الوثنية (pontifex maximus‏) ، التي لازالت سارية المفعول إلى اليوم . ومن اجل ان يجمع حكم الامبراطوريتين قام قسطنطين بمنح حرية العبادة لجميع الأديان في مملكته ، حيث كان يحكم على الامبراطورية الرومانية الغربية بينما حكم الامبراطور ليسينيوس الامبراطورية الشرقية ولكنه بقى محافظا على (الوثنية) بقوة في مملكته ثم قام بدعم رجال الدين المسيحي من بقايا البولسية واغدق عليهم الاموال فسايروه ومن بينهم عالم المسيحية الكبير (أوسابيوس القيصري) أبو التاريخ الكنسي ، باعتراف المسيحية.

فيما بعد أدى تحالف الامبراطور مع الكنيسة إلى نشوء ديانة جديدة جمعت بين (الوثنية الرومانية والمسيحية البولسية) وقد اعترف الكثير من المؤرخين المسيحيين بأن الامبراطور لم يتوقف يوما عن تأدية الشعائر الوثنية ولا زالت إلى هذا اليوم تظهر على قوس قسطنطين في روما صوره وهو يُقدم الذبائح إلى الآلهة الوثنية حيث بقى يُكرّم اله الشمس وفي آخر عهده وقبل ان يعتنق المسيحية وهو على فراش الموت بنى معبدا وثنيا في منطقة أمبريا الإيطالية وقام بتعيين كهنة فيه ولا تزال آثاره إلى هذا اليوم باقية.

ان تأخر إيمان الامبراطور بالمسيحية إلى آخر لحظة في حياته يعكس عدم رغبته باعتناقها إلا بعد التأكد من اندماجها بديانته الوثنية وعندما تأكد من ذلك وفي آخر رمق من حياته قيل أنه اعتنق مسيحيته الجديدة ، ولكن الأكيد هو أن شكل الكنيسة الذي بناه واسسه هذا الامبراطور قد ازاح نهائيا ديانة المسيح وقضى عليها فانبثقت مباشرة عشرات الفرق المسيحية المتناقضة والمتناحرة عقائدياً، وكل فرقة كانت تتناقل سيرة المسيح واقواله ممزوجة بتفاسيرها الخاصة مشافهة أو كتابة واصبح هناك عشرات الاناجيل القانونية وغير القانونية وكل إنجيل مغاير لآخر.
هذه هي المسيحية اليوم.

المصادر :
1- إنجيل يوحنا 16: 13.
2- سورة الصفّ ، آية : 6 .
3- سفر أعمال الرسل 8: 3 . سفر أعمال الرسل 9: 1 : (وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة، وهو يدخل البيوت ويجر رجالا ونساء ويسلمهم إلى السجن فكان لم يزل ينفث تهددا وقتلا على تلاميذ الرب،وكان الجميع يخافونه).

4- بعد رحيل السيد المسيح اختفى أثر بولس ولم يعد يراه أحد.في العام 37 ميلادي ظهر بولس مجدداً في القدس، وبدأ يخبر الناس قصة غربية عجيبة بأن شبح المسيح ظهر له على طريق دمشق وكلفه بأن يكون رسوله؟!!.

5- رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 2: 16.
6- سفر أعمال الرسل 19: 6.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/12/21



كتابة تعليق لموضوع : المسيحية الثالثة.وثنية بامتياز. ج2
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net