صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٧)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
   من المشاكلِ التي تصطدمُ بها المعرفةُ هي الإِستهزاءُ بالفكرةِ أَو المقترحِ أَو الرَّأي الذي لم يهضمهُ أَو يستوعبهُ المرء [المتلقِّي].
   فهو يرفضُ الفكرةَ حتَّى قَبْلَ استيعابها أَو مُناقشتها وتقليبَها سعياً لفهمِها!.
   وهي من المشاكل المُنتشرة في مجتمعاتِنا كثيراً خاصَّةً وقتَ الجِدال وفي حلقاتِ الحِوار والنِّقاش أَو حتَّى، رُبما، في الإِجتماعات المُتخصِّصة.
   ولذلكَ نخسرُ الكثير ونُضيِّع الكثير من الفُرص ونهدر الكثير من الطَّاقاتِ والزَّمن!.
   وأَكثر من هذا فإِنَّ المُشكلة موجودةٌ حتَّى عند المُتلقِّي عندما يقرأ أَو يُتابع أَو يُشاهد أَو يسمع شيئاً، فتراهُ، وبمجرَّد أَنَّهُ لم يستوعب الفِكرة، يستهزئُ بها ويرفضها وقد يُنصب لها العداءُ على قاعدةِ [النَّاسُ أَعداءَ ما جهِلوا].
   وفِي قصَّة يوسف (ع) نموذجاً إِذ يَقُولُ تعالى {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ* قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ* فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.
   إِنَّ واحدةً من أَهمِّ شرُوط التَّعليم والمعرفة هو أَن لا يستعجلَ المُتلقِّي في الحكمِ على الأَفكار، خطأَها أَو صوابها، فليسَ كلُّ ما لم تقدر على استيعابهِ وهضمهِ خطأٌ أَو غَير صحيح! فقد تَكُونُ قلَّة معرفتكَ ومحدوديَّة علمكَ هي السَّبب في عدمِ استيعابكَ للفكرةِ كما يصفُ ذَلِكَ القرآن الكريم {ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ۚ} وقولهُ تعالى {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}! ورُبما تَكُونُ قد قرأت الفكرةَ على عجلٍ فلم تستوعبها، أَو رُبما أَنَّك لم تُحِط بها علماً ولذلك لم تستوعبَها في تلك اللَّحظة، على اعتبارِ أَنَّ النَّاسَ بشَكلٍ عام يأخذونَ بظاهرِ الأُمورِ كما في قولهِ تعالى {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَو رُبما لأَنَّك كُنتَ شاردَ الذِّهنِ لم تستجمِع قِواك العقليَّة وقتَ قِراءة الفِكرة ولذلكَ لم تفهمها، أَو رُبما لأَنَّكَ تحملُ حُكماً مُسبقاً على صاحبِها ولذلكَ لا تبذل جُهداً أَصلاً لفهمِها واستيعابِها!.
   إِنَّ كلَّ هَذِهِ الأَسباب وغيرِها يمكنُ أَن تحولَ دون استيعابكَ للأَفكار، فلماذا لا تغيِّر طريقة القراءة والظُّروف المُحيطة بكَ عِنْدَ القِراءة لتمنحَ نفسكَ قُدرةً أَكبر على الفهمِ والإِستيعاب؟! وقدراً أَوسع من الصَّبر على الأَفكار؟!.
   نَحْنُ بحاجةٍ إِلى تحسينِ فُرص القِراءة لنستفيدَ أَكثر فأَكثر وإِلَّا فإِنَّنا سنُنصب العداء من أَنفسِنا لكلِّ فكرةٍ لا نستوعبَها، الأَمرُ الذي يعني أَنَّنا سنخسر أَيَّة فكرةٍ جديدةٍ تُعرَضُ علينا، وبالتَّالي سنبقى دَوماً جهلةً لا نفهمُ شيئاً!.
   وهنا يكمنُ الفرقُ فبينما يمنحُ النَّاجحُون أَنفسهم الفُرصة الكامِلة والوقت اللَّازم لاستيعابِ الفكرةِ الَّتي يعتقدُون أَنَّها غريبة أَو شاذَّة، رُبما، فلا يستعجلُوا الحُكم ولا يستهِزئُوا بها قبل التثبُّت وقبلَ استفراغِ كلَّ جُهدهم العقلي والمعرفي، لا يمنح الفاشلُون أَنفسهُم أَيَّة فُرصة لاستيعابِ الفِكرة فتراهُم يحكمُون على كلِّ ما لا يستوعبونهُ بسبب الإِستعجالِ مثلاً أَو محدوديَّة الثَّقافة والمعرفة بالخطأ ويستهزئُون بكلِّ ما لا يستوعبونهُ!.
   يصفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حالَ الجاهِلَ الذي يستعجل الحُكم على الفكرةِ أَو قد يُبادر لتفسيرِها وهو لم يستوعبها أَصلاً بقولهِ {وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً، مُوضِعٌ في جُهَّالِ الاُْمَّةِ، غادر في أَغْبَاشِ الفِتْنَةِ، عِملَ بِمَا في عَقْدِ الهُدْنَةِ، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالمِاً وَلَيْسَ بِهِ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْع، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاء آجِن، وَأكْثَر مِن غَيْرِ طَائِل، جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا التَبَسَ عَلَى غيْرِهِ، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى المُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثّاً مِنْ رَأْيِهِ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ في مِثْلِ نَسْجِ العَنْكَبُوتِ: لاَ يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، إنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ.
   جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهلات، عَاش رَكَّابُ عَشَوَات، لَمْ يَعَضَّ عَلَى العِلْمِ بِضِرْس قَاطِع، يُذرِي الرِّوَايَاتِ إذْراءَ الرِّيحِ الهَشِيمَ، لاَ مَلِيٌ ـ وَاللهِ ـ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَلاَ هُوَ أَهْلٌ لِما فُوِّضَ إليه، لاَ يَحْسَبُ العِلْمَ في شيْء مِمَّا أَنْكَرَهُ، وَلاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ منه مَذْهَباً لِغَيْرهِ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ}.
   وللأَسف الشَّديد فحتَّى هؤُلاء الذين يستهزئُون بالفكرةِ بادئ ذي بدءٍ سيستوعبُونها ويسلِّموا بها فيما بعدُ ولكن بعدَ فوات الأَوان أَو متأَخِّرين كأَبناءِ يعقوب (ع) الذين استوعبُوا مكانةِ أَبيهِم متأَخِّرين بقولهم {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}!.
   لو أَنَّ المُستعجلينَ تريَّثوا لاستفادُوا أَكثر! ولكنَّهم استعجلُوا فخسِرُوا!.       
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/13



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٧)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net