صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

كلاكيت آخر مرة هزلية صفقة القرن
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يبدو أننا في الدقائق الأخيرة قبل رفع الستارة عن المشهد الأول للهزلية الدولية المسماة صفقة القرن، فقد اكتمل طاقم المتآمرين، وراجع السيد المؤلف النص الأخير، وتابع مع السيناريست تسلل الأحداث، وصور الوقائع والمشاهد، وحضر جميعُ العاملين، واستعد المخرج الرئيس ومعه المساعدون والمنتجون الكبار، وجاء الممثلون جميعاً، كلٌ يحفظ دوره ويستعد لأدائه بدقةٍ وإتقانٍ، وتم تهيئة مكان التصوير، فنصبت الكاميرات، وجهزت الأضواء الكاشفة، ولم يغب عن المشهد مهندسو الديكور، الذين يتقنون فن التزييف والتزوير، ويحولون الصحراء إلى جنةٍ غناء، ويصورون الخراب عماراً، والفقر غنىً، والجوع شبعاً، ولم يغب مصممو المعارك وصانعو الأحداث والحروب، الذين يرسمون الحروب ويسمون المنتصرين ويحددون المهزومين.

فقد بدأت رسمياً وعملياً مراسم الإعلان الرسمي عن صفقة القرن، وشرع صانعوها الأمريكيون بأمرٍ من سيد البيت الأبيض يتهيأون للإعلان عنها وكشف بنودها، ولم يبق سوى أيام قليلة ويرفع الستار وتبدأ المشاهد تباعاً، فالفترة الفاصلة حتى تطفأ أضواء الصالة ويبدأ العرض هي انتهاء شهر رمضان المبارك، وتشكيل الحكومة الإسرائيلية ونيلها ثقة أعضاء الكنيست، بعدها سيطلع علينا الثلاثي الأمريكي اليهودي جاريد كوشنير وديفيد فريدمان وجيسون غرينبلات بإعلانهم الرسمي عن الصفقة، التي يفترضون من جميع الأطراف القبول بها والتعامل معها، وتقديم التنازلات الممكنة لتمريرها، والتسهيلات اللازمة لضمان نجاحها.

كل ما يجري في المنطقة في هذه الأيام هو من شروط نجاح الصفقة ومنع عرقتها أو معارضتها، إذ لن تسمح الإدارة الأمريكي لطالبي نصرتها والمتطلعين إلى مساعدتها، والذين يحصلون على الحماية منها، والذين قد يسقطون وتنهار أنظمتهم بدونها، الرفض أو الاعتراض، أو التأخر والتردد، فأدوارهم مرسومة، ووظائفهم معلومة، ومهامهم معروفة، ولا يحق لهم التعديل أو التبديل والتأخير وإلا فإن عاقبتهم وخيمة.

يَكذبُ المشاهدون والمتفرجون على أحداث هذه المسرحية التي سيكون وقعها على الأمة كالزلزال، وعلى الشعب الفلسطيني كالنكبة الأولى، إذا ادَّعوا أنهم يعرفون المشاهد التالية، ولديهم علم بتسلسل الأحداث والخاتمة، فجميعهم يشاهد المسرحية لأول مرة، أو على أقل تقديرٍ فإنهم قد يعرفون المشاهد التي كان لهم دورٌ فيها، وشاركوا فيها بأدوارٍ رئيسةٍ أو هامشية، بينما من المؤكد أنهم لا يملكون الصورة الكاملة، ولا يعرفون أدوار غيرهم، والمهام المناطة بسواهم، ويدركون بالأمر أن عليهم الصمت والقبول بالأدوار المخصصة لهم، ولو كانت أدواراً قصيرة أو طويلة، صامتة أو صاخبة، أو يتلقون فيها الضربات والركلات بسخريةٍ وإهانةٍ.

أما الكيان الصهيوني ورئيس حكومته المكلف بنيامين نتنياهو، فهو الأعلم ببنود هذه الصفقة، إذ شارك الفريق الأمريكي في كتابة مشاهدها ورسم أحداثها، وهو العالم بخواتيمها ونهاياتها، بل هو بطلها الأوحد ومخرجها الأكبر، والذين يظهرون في الصورة وتعلو أصواتهم ليسوا أكثر من مساعدين له، أو هم شركاء معه، فقد كان لنتنياهو دورٌ كبيرٌ في تعديل الصفقة وتطويرها، وشطب ما لا يناسبه وكيانه منها، ولهذا فإنه لن يكون مثل العرب كالمتفرج في الزفة، ولن يفتح فاه مندهشاً، ولن تصيبه الصدمة وهول المفاجأة، بل سيكون فرحاً وهو يرى أن أحلامه تتحقق، وطموحاته تصبح حقيقةً ماثلةً.

فهضبة الجولان قد أهديت إليه عربون وفاء، وتذكرة دخولٍ إلى رئاسة الحكومة من جديد، وكانت القدس من قبل قد زفت إليه عاصمةً أبديةً موحدةً لكيانه، وتخلص من كابوس اللاجئين وأصوات العائدين، وأحلامهم بالعودة إلى فلسطين واستعادة الأرض والأملاك، لكن المشهد الأخير الذي ستسدل بعده ستارة الخاتمة، وستضاء أضواء المسرح، هي إعلان الضفة الغربية التي يسمونها "يهودا والسامرة"، جزءً من أرض إسرائيل، لهم الحق في استعادتها وبسط السيادة عليها، هنا الخاتمة وهذه هي الصدمة القاتلة والمفاجأة الكبيرة، والهدية الأمريكية العظيمة.

إنها ليست مشاهد فيلم روائي أو فصول مسرحيةٍ هزليةٍ، كما أنها ليست كوابيس خائفٍ، أو هواجس مضطربٍ، أو توقعات باحثٍ وتنبؤات عالمٍ، إنها أحداثٌ حقيقيةٌ تجري على أرضنا العربية، وتخطط لها وترسم نتائجها أمريكا والكيان الصهيوني، وتنفذ بنودها بأمانةٍ وإخلاصٍ دولٌ وأنظمةٌ عربيةٍ، اقتنعت بالرواية وآمنت بالحكاية، وأعطت أغلظ العهود لتنفيذها وعدم الوقوف في طريقها، وهي تعلم أنها من سيدفع الثمن، وأنها ستتحمل المسؤولية التاريخية والدينية تجاه هذه الأمة، لكن المخرج الأكبر دونالد ترامب قرر أن تكون هذه الدول هي المنتج الوحيد والممول الحصري لهذه الصفقة، وسيصر عليها لتدفع المزيد وتلتزم بالأكثر مقابل بقائها واستمرار أنظمتها الحاكمة وسلطاتها البوليسية القمعية الظالمة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/17



كتابة تعليق لموضوع : كلاكيت آخر مرة هزلية صفقة القرن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net