أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٢٤)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
عندما يجري ذكرُ العِجل وعبادتهِ يجري الكلامُ عن؛
أ/ الصنميَّة؛ صناعةً وعبادةً {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
ب/ الذَّيليَّة والتَّضليل {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ* قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}.
ج/ الأَبواق والمطبِّلون والذي مثَّل دورهُم صوت العِجل {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ* فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِي}.
وجذرها من قولِ الله تعالى متحدِّثاً عن [صَوت الشَّيطان] {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}.
إِنَّها الرمزيَّة المُعبِّرة، ففي كلِّ عصرٍ ومِصرٍ هناك عِجلٌ وسامريٌّ وبوقٌ!.
في العراق مثلاً عندنا [عِجلٌ سمينٌ] هو رمز السِّياسي الفاسد والفاشل، بغضِّ النَّظر عن زيِّهِ وخلفيَّتهِ [مُعمَّماً كانَ أَم أَفنديّاً أَم يرتدي الشِّروال، (إِسلاميّاً) كانَ أَن ليبراليّاً أَم يساريّاً، مِن الشِّمالِ كان أَم من الجنوبِ أَم من الغرب] والذي يلهث وراءهُ أَنصارهُ ومُحازبيهِ يهتفُون [بالرُّوح بالدَّم] و [علي وياك علي] يبرِّرون لَهُ ويدافعُونَ عَنْهُ على الرَّغمِ من علمهِم اليقين بأَنَّهُ فاسدٌ وفاشلٌ بكلِّ المقاييس! يديرُ [الدَّولة العميقة] بأَذرُعٍ مشبوهةٍ!.
وعندنا السامريُّ الذي يضلِّل الرَّأي العام لإِقناعهِ بضَرورة حماية [العِجل السَّمين] الذي لولاهُ لما بقي شيءٌ من [التشيُّع] فيما ذهب آخر إِلى وجوبِ إِستنساخهِ بعد موتهِ لأَنَّ أَرضَ العراق ستخيسُ بأَهلِها إِذا لم يبقَ مِنْهُ أَثراً! وقد يخسفُ الله الأَرضَ بأَهلها إِذا غابَ عن المَشهدِ السِّياسي!.
أَمَّا البوق [صَوتُ الشَّيطان] فهو رمز الإِعلاميِّين والمُحلِّلين [الإِستراتيجيِّين] المأجورينَ الذين يعتاشونَ على فُتاتِ مائدةِ [العِجل السَّمين] فهؤلاء يلعبُون دور البوق في الفضائيَّاتِ على أَحسنِ وجهٍ!.
يملأُون الفضائيَّات وينتشرُون في مُختلفِ وسائل التَّواصل الإِجتماعي مهمَّتهم الوحيدة تتلخَّص في ردِّ الهجمات التي يتعرَّض لها [العِجلُ السَّمين] وتنزيههِ من التُّهم التي توجَّه لَهُ وتسفيهِ الأَدلَّة والبراهين والإِثباتات الماديَّة والمعنويَّة التي يتعرَّض لها! من جانبٍ، ونشر الدَّعاياتِ الرَّخيصة والمُبتذلة ضدَّ خصومهِ بِلا تقوىً من الله تعالى! من جانبٍ آخر!.
هكذا يتكرَّر التَّاريخ عندنا، لأَنَّنا لا نقرأ وإِذا قرأنا لا نتعلَّم وإِذا تعلَّمنا نتناسى حتَّى لا نتحمَّل مسؤُوليَّة الإِصلاح والتَّغيير!.
إِنَّ أَصل المُشكلة التي تُنتج الثُّلاثي [العِجل والسَّامري والبُوق] هو عندما يتعامل الرَّأي العام مع المسؤُول أَو الزَّعيم وكأَنَّهُ نِصفُ إِله أَو أَنَّهُ ظلُّ الله في الأَرض ووكيلُ ربِّ العالَمين على وجهِ البسيطة!.
هذه المُشكلة التي عاشتها البشريَّة منذُ القِدم يخلق لها المُستفيدُون منها الأَجواء ويهيِّئون لها الأَسباب ويوطِّئون لها الظُّروف لصناعتِها تصنيعاً!.
ولقد انتبهَ المُشرِّع إِلى هذه المُشكلة وذكرَ حلَّها الذي يلزم أَن لا نغفلَ عَنْهُ لحظةً لأَنَّ الغفلةَ تقودُ إِلى [الصَّنميَّةِ] شِئنا أَم أَبينا، ففي الرِّواياتِ أَنَّ أَصناماً مثل {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} و {اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ* وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ} كانوا أَنبياءَ عبدهُم أَقوامهُم فحوَّلوهُم إِلى أَصنامٍ!.
يَقُولُ تعالى {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ}.
وقولهُ تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}.
ويقولُ في آيةٍ أُخرى {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}.
وفِي قولهِ تعالى {وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا* أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا}.
كما عالجَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) هذا المرض الإِجتماعي بشَكلٍ مُستمرٍّ.
فقالَ (ع) وقد لقيهُ عند مسيرهِ إِلى الشَّام دهاقين الأَنبار، فترجَّلوا له واشتدُّوا بين يدَيهِ:
مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟.
فقالُوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا.
فقالَ(ع): وَاللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهذَا أُمَرَاؤُكُمْ! وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكْمْ [فِي دُنْيَاكُمْ] وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ، وَمَا أخْسرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الاَْمَانُ مِنَ النَّارِ!.
ويقولُ (ع) {فَلاَ تُكَلِّمُونِي بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَلاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ، وَلاَ تُخَالِطُونِي بالْمُصَانَعَةِ، وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَلاَ الِْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ}.
وإِنَّ أَعقد المشاكل التي تنتهي بالمُجتمعِ إِلى صناعة [العِجل] عندما تنقلب الموازين والمقاييس في معرفةِ الحقِّ، فلمَّا قَالَ الحارثُ للإِمام (ع)؛ ما أَرى طلحة وزُبير وعائشة إِحتجُّوا إِلَّا على حقِّ، ردَّ عليهِ (ع) مصحِّحاً المقياس {إِنَّ الحقَّ والباطِلَ لا يُعرَفانِ بالنَّاسِ، وَلكِن إِعرِف الحقَّ باتِّباعِ مَن اتَّبعَهُ، والباطِلَ بآجتنابِ مَن اجتنَبَهُ} وفِي قَولٍ آخر {إِعرف الحقَّ تعرِفُ أَهلهُ}.
لِلتَّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat