صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

المنطقة C قلب الصراع وساحة المعركة
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قد لا يعرف الكثير من الفلسطينيين وغيرهم، حقيقة التصنيفات الثلاثة التي فرضتها اتفاقية أوسلو للسلام، الموقعة بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية في الثالث عشر من أيلول عام 1993، حيث نصت الاتفاقية على تقسيم مناطق الضفة الغربية التي تشكل نسبة 21% من مساحة فلسطين إلى ثلاثة مناطق، أطلق عليها مناطق "A - B - C"، وقد ظن الموقعون على الاتفاقية أن الكيان الصهيوني سيخلي المناطق الثلاثة بالتدريج، وسيفكك المستوطنات المشادة عليها، أو سيجد حلاً مرضياً للطرفين لها، لتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم العتيدة على المناطق الثلاثة، جنباً إلى جنبٍ مع الكيان الصهيوني بعد أن اعترفت به منظمة التحرير الفلسطينية دولةً مستقلةً لها كامل السيادة على الأرض التي احتلتها في العام 1948، بما فيها الشطر الغربي من مدينة القدس.

 

إلا أن الحقيقة كانت غير ذلك تماماً، والواقع كان أصدق بكثيرٍ مما نصت عليه الاتفاقية، الذي خالف كلياً ما عبر عنها الموقعون عليها، وخيب آمال المراهنين عليها والمتأملين فيها، حيث نقضت الاتفاقية وتبدلت، ولم يتم احترام بنودها أو الالتزام بمهلها الزمنية، بل جرت تعديلات كثيرة عليها، وحدثت تغييرات على أرض الواقع كبيرة، تناقضها وتنسف أسسها وتخالف قواعدها، بدأها رئيس حكومة الكيان الأسبق أرئيل شارون بعمليته العسكرية الكبيرة في الضفة الغربية، التي أطلق عليها اسم "السور الواقي"، التي اجتاح فيها مدن وبلدات الضفة الغربية، ودمر خلالها مخيم جنين، وسمح للجيش بالعمل بحريةٍ في المناطق الثلاثة المصنفة A B C، وبهذا يكون قد أعاد احتلال الضفة الغربية مرةً أخرى، رغم أنه أبقى على مؤسسات السلطة الفلسطينية قائمة، للقيام بالأعمال الخدمية والتقديمات الاجتماعية، ومتابعة شؤون السكان واحتياجاتهم، فضلاً عن تقديم خدمات أمنية بموجب لجان التنسيق الأمنية المشتركة.

 

رغم أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي مازالت تتواجد عملياً في المناطق الثلاثة، إلا أن عينها مفتوحة كلياً على المنطقة الثالثة المسماة "C"، التي تشكل ما نسبته 61% من مساحة الضفة الغربية البالغة 5860 كلم مربع، ويسكن فيها قرابة 180 – 300 ألف فلسطيني، بينما تشاد فيها أكثر من 130 مستوطنة إسرائيلية ثابتة، وعشرات البؤر الاستيطانية الصغيرة، ويعيش فيها أكثر من نصف مليون مستوطنٍ فيما عدا سكان المستوطنات المحيطة بمدينة القدس، وهي المستوطنات الكبرى الآخذة في التوسع والامتداد على حساب المنطقة "C"، الأمر الذي يجعل هذه المنطقة في قلب الحصار، وعنوان التحدي السافر، وهو يفسر بوضوحٍ السياسات الإسرائيلية القاسية المفروضة عليها وعلى سكانها.

 

يعمد رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الحرب وقائد المنطقة الوسطى في جيش العدو من وقتٍ لآخر إلى ملاحقة المباني في المنطقة C، ويصدرون أوامرهم للجيش بهدمها، سواء كانت أبنية سكنية أو منشئات صناعية، أو تجمعاتٍ عمرانية دائمة أو مؤقتة، حيث يعمل الجيش على سرعة تنفيذ أوامر الهدم قبل أن يتمكن السكان أو وكلاؤهم من الحصول على قراراتٍ من المحكمة العليا بالقدس لإرجاء عمليات الهدم، رغم أن قرارات المحكمة تؤيد دائماً قرارات الإدارة العسكرية بالهدم والإزالة.

 

يعتقد الإسرائيليون أن وجود الأبنية السكنية الفلسطينية يحول دون استكمال المشاريع الاستيطانية في المنطقة، وهو ما من شأنه أن يعرقل عشرات الخطط الجاهزة لبناء مستوطناتٍ جديدةٍ أو توسيع القائم منها، ولهذا فهم يعملون ليل نهار على اجتثاث الفلسطينيين من هذه المنطقة، ويكبدونهم خسائر مالية فادحة كنوعٍ من العقاب لهم، ودرسٍ قاسي لأمثالهم، ويعتبرون أن هذا العمل يصب في المشروع الاستراتيجي الصهيوني، وأي إهمالٍ أو تقصيرٍ في إزالة المبني يهدد مستقبل مشاريعهم.

 

تصنف سلطات الاحتلال أغلب الأراضي في المنطقة "C" بأنها أراضي دولة، وذلك بالاستناد إلى القوانين الأردنية والبريطانية، حيث تشرف على أعمال التخطيط والعمران فيها، وتخضعها لإدارتها المباشرة وإشرافها الأمني وسيطرتها العسكرية، وتمنح بموجب قوانينها تصاريح بناء مستوطناتٍ فيها، وتشق فيها طرقاً التفافية وشوارع عريضة، بينما ترفض منح الفلسطينيين تراخيص بناء أو إعادة إعمار بيوتهم، وتحارب كل بناءٍ جديدٍ بهدمه، وتعاقب المخالفين بالسجن والغرامة، ولا تسمح فيها للفلسطينيين ببناء أسوار أو زراعة أراضٍ، وتحارب حفر الآبار واستخراج المياه الجوفية.

 

الإسرائيليون لا يعبثون ولا يضيعون وقتهم، ولا يهملون ولا يفرطون في مشروعهم، فهم يعرفون ما يريدون، ويدركون الغاية المرجوة من اتفاقيات أوسلو، التي أقدموا عليها وقبلوا بها بعد أن علموا بمآلاتها، وأنها تخدم أفكارهم وتساهم في تنفيذ مشروعهم، فهي لن تعطي الفلسطينيين وطناً، ولن تمنحهم الحق في بناء دولة، ولن تسمح لهم بالعودة والاستقرار، ولهذا قررت أن تكون المنطقة الأخيرة هي الأكبر والأهم، فهي التي تضم المستوطنات الكبرى، وهي التي ترتبط بالقدس وتشكل معها القدس الكبرى، وهي عمق ما يسمونه "يهودا والسامرة"، ولهذا فإنهم لن يتخلوا عنها ولن يفرطوا فيها، اللهم إلا إذا انطلقت مقاومة تجبرهم وقوة تمنعهم، وعلا صوت الشعب يرفضهم وينتفض عليهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/12/12



كتابة تعليق لموضوع : المنطقة C قلب الصراع وساحة المعركة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net