صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

المقاومة سلاح والبطولة موقف
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 المقاومة ليست كلمة تقال، أو شعاراً يرفع، وليست أغنية نترنم بها أو قصيدة نعجب بنظمها، وتطرب آذاننا بالاستماع إليها، كما أنها ليست رداءاً يلبس، أو قبعة تعتمر، تلبس شتاءاً وتنزع صيفاً، أو تستبدل وتغير حسب الفصول والأجواء، ووفقاً للطقس والمناخ، أو حسب المكان وتبعاً للجغرافيا، استرضاءً لأشخاص أو كسباً لآخرين، كما أنها ليست أداةً للضغط والتأثير، أو للظهور والمباهاة، أو المفاخرة والمكاثرة، وهي ليست عسكرية عند البسطاء والفقراء، وشعبية عند الكبراء والأغنياء، كما أنها ليست للإعارة والاستعارة، تمنح لملكٍ أو أمير، ويهدد بها قائدٌ أو زعيم، ترفع شعاراتها في مكانٍ وتخمد أنفاسها في حضرة آخرين، حرصاً على مصالح ومراعاةً لمشاعر، وهي ليست خيمة تنصب في ميدان ليخرج منها فارسٌ همام، أو بطلٌ لا يشق له غبار، تحيط به جوقة، وتلتف حوله فرقة، تخاف على نفسها إن وقع، وتخشى على لقمة عيشها إن سقط، حياتها به مرهونة، ورزقها بسلامته مربوط، هو الوطن إن عاش، والقضية إن تحدث، وهو الأمين على الثوابت إذا أكد، والصادق في أقواله إن هدد وتوعد.

المقاومة سلاحٌ في الميدان، وقتالٌ في الجبال والحواري والوديان، واشتباكٌ مع العدو في كل مكان، وثباتٌ على الموقف أياً كان الحال، وصمودٌ على الحق مهما اشتدت الصعاب، وعظمت التضحيات وضاق على العنق الخناق، وتحشرجت الروح وكأنها الفراق، المقاومة مطاردةٌ في الوطن، وثباتٌ على أرضه، وتمسكٌ بترابه، وحفاظٌ على مقدساته، وهي اعتقالٌ في سجون العدو، وعذابٌ في زنازينه، وشبحٌ على جدرانه، وسحلٌ على أرضه، وقيدٌ ينغرس في المعصم، وعصابة تعمي العيون وتذهب بالبصر، وأكياسٌ منتنةٌ تكاد تقضي على الأنفاس، المقاومة إصابةٌ وشهادة، وقتالٌ ومطاردة، وتضحيةٌ وفداء، وتجردٌ وعطاء، وصدقٌ وإخلاص.

المقاومة بندقية محمولة على الكتف، وصاروخٌ يطلق من البساتين، وقذيفة تنطلق من أعلى ظهر جبل، وعبوةٌ ناسفة تزرع في كل مكان، واشتباكٌ يرهب العدو ويجندل جنوده، ويعيدهم قتلى في تابوتٍ أو جرحى مسكونين بالرعب، قتلى صامتين أو جرحى يولولون، وهي صوتٌ بالحق يصدح، وبالموقف يتمسك، لا يفاوض ولا يهادن ولا يساوم ولا يستسلم، ولا يلين ولا يخضع، ولا يغض الطرف ولا يخشع، ولا يصمت ولا يركع، المقاومة شرف لمن يرفع رايتها، ويخلص من أجلها، ويعمل لأهدافها، ولا يسقط رايتها ولا يتخلى عن مبادئها، ولا يسمح لآخرين أن يحددوا أهدافها ويضيقوا نطاقها.

البطولة ليست في رفعةٍ ومكانةٍ في حضرة الملوك والأمراء والحكام، وهي ليست على مائدة طعام أو في صورةٍ تجمع بالملوك والأمراء، وهي ليست في طائرةٍ خاصة، ولا في صحبةٍ ملكية، أو لقاءاتٍ أميرية، وهي ليست في مشية العظماء، ولا غطرسة الأمراء، ولا قهقهة الكبراء، وهي ليست مشية على بساطٍ أحمر أو تفقدٍ لحرسٍ أو استماعٍ لنشيدٍ وطني، وهي ليست في احترامٍ شكلي، أو خداعٍ شخصي، أو تحقيق مأربٍ فردي وحاجة ذاتية، كما أنها ليست في انكفاءٍ أو تراجع، أو انكسارٍ وتخاذل، أو انتظارٍ ومهانة، أو تنازلٍ وتفريط، أو سؤالٍ وتوسل، أو بحثٍ عن مسكنٍ ومأوى، ومكانٍ وملجأ، فهذه ليست البطولة، وتلك ليست صفاتها، وهذه ليست من مميزاتها.

المقاومة والبطولة صنوان، معاً يقترنان، وفي شخصٍ واحدٍ يجتمعان، وفيه لا يفترقان، فمن قاوم منتظراً النصر أو الشهادة عُد بين الناس بطلاً، وعند الله إن قتل شهيداً، فلا يبالي على أي جنبٍ كان في الله ومن أجل الوطن مصرعه، في شارعٍ أو في بيت، في سيارةٍ أو على دراجة، راكباً كان أو ماشياً، وحده كان أو برفقة مقاومين آخرين، بعد أن سكنته المقاومة وعاشت في ثنايا فكره وخفايا عقله، فكانت معه في أحلامه وعند يقظته، تسكنه ولا تفارقه، لا يهمه أين يكون المهم أن يبقى مقاوماً، ولا يحزنه مسكنه إن كان في العراء أو كهوف الجبال، مطارداً في البساتين أو ملاحقاً في الأدغال، ولكن الأهم أن تبقى البندقية على كتفه، وإرادة القتال تسكن قلبه، ولا يقلقه إن التف حوله الناس ورام معه المريدون، وهتف لحياته المعجبون، فهمه أن تلتف حوله الملائكة، وأن تقاتل معه وتنتصر لأجله، فتلك هي أحلامه وهي غاية ما يتمنى.

البطولة في رجلٍ كطفل الأخدود، حرقوا أهله فما وهن، وقتلوا شعبه فما ضعف، ونزعوه من بين أهله فما بكى، وحرموه من محبيه فما شعر بالجوى، وساوموه فما تنازل، وأخافوه فما تراجع، وهددوه فما خضع، وشقوا الأرض أخدوداً أمامه فما جفل، وأشعلوا فيه ناراً فما اضطرب، وحدوا لرقبته سيفاً فما توسل، وبروا لصدره سهماً فما سكت، وألقوه في عرض البحر فما غرق، وأسقطوه من علٍ فما قتل، وصلبوه على جذع شجرةٍ فما أغمض عيونه، وبقي يردد على أسماعهم يقينه، ويقسم لهم أنه بضعفه قوي، وبدمه منتصر، وبأهله ناجٍ وإلى أرضه عائد، وأن حقه سيسود وباطلهم سيبور، وستبقى رايته إن قتل خفاقة، وحقه إن غاب حاضراً.

إننا أمةٌ بالمقاومة أصبحنا أبطالاً، وبالثبات على الحق أصبحنا رجالاً، وبملاحم أطفالنا ومعارك رجالنا وثبات أسرانا، وصمود مقاتلينا أصبح لنا فوق الأرض راية وتحت الشمس مكاناً، تحترمنا الأمم، وتقدر نضالنا الشعوب، ويتنافس في عوننا الأحرار، ويسرع لنجدتنا المخلصون والصادقون، وبغير المقاومة سنغدو صغاراً، وبغير السلاح سنصبح عبيداً، وبدون البندقية ستتنازعنا الأمم، وستنهشنا القوى، ولن يسمع لصراخنا أحد، ولن يأبه لمعاناتنا أحد، فالمقاومة هي عدتنا وهي سلاحنا، لا نفرط بها ولا نتنازل عنها، فهي التي تفتح لنا الأبواب، وتوسع علينا الدنيا، إنها هي التي تدر علينا الأموال وتعطينا من فضل العزة والكرامة، إنها المقاومة التي نشرف بها نعتز، ونفخر بها ونتيه، ونفاخر بها ولا نخجل.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/12



كتابة تعليق لموضوع : المقاومة سلاح والبطولة موقف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net