قلوبُنا معك وأقلامُنا عليك !
ابو تراب مولاي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ابو تراب مولاي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إقرأ في هذا المقال :
1. فساد عموم الطبقة السياسية.
2 . المجاهدون لا يتاجرون بدماء الشهداء وجهود المجاهدين ولا يرجون من وراء جهادهم مكسباً.
3. أصناف الطبقة السياسية بالنسبة لتعاملها مع المذهب ومقام المرجعية ورجالها.
4. نصيحة الأخ الشفيق على أخوته.
ــــــــــــ
منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا ألحظ بعض المنشورات والتعليقات - للكثير من الأخوة الأعزاء - منسجمةً تماماً مع منهج كبار الفاسدين وتكتّلاتهم ومحاورهم تحت يافطات ومبررات مغلوطة، بل وصل الحال ببعضهم أنه يدافع صراحةً عن أسماء سياسية متّهمة بالفساد طالما خالفت المرجعية الدينية ووقفت بالضدّ من توجيهاتها ( متغررين ببعض العناوين المحترمة - كالمذهب والجهاد - التي اختبأ خلفها هؤلاء الفاسدون ).
ولقد كان في البال أن أكتب شيئاً عن ذلك وأذكّر الأخوة أنّ هذا المنهج لا يتلائم مع موقف المرجعية الدينية المتصلّب تجاه هذه الطبقة التي لم يجنِ البلدُ والمواطنون منها خيراً ( فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين )، إلا أنّ ما حال دون الكتابة في هذا الموضوع ضيق الوقت وازدحام الواجبات.
لكن كما قال الكميت : " فما حيلة المضطر إلا ركوبها " فاقتطعت من وقتي على حساب التزاماتي الأخرى لأكتب في هذا الموضوع البالغ الأهمية بالنسبة للدنيا والآخرة، فإنّه لا يخفى ضرر إعانة الفاسدين المستوى الدنيوي، وأما بحسابات الآخرة فقد يكون الإنسان ممن باع آخرته بدنيا غيره بسبب إعانة الفاسدين بمنشور أو تعليق وما أعظمها من خسارة.
ومن أعجب ما قرأت في هذه المنشورات والتعليقات ما يلي :
أولاً : إنّ لغة التعميم باتهام الطبقة السياسية بالفساد أمرٌ غير شرعي !
ولعمري لا أدري ما هو المخالف للشرع في وصف طغمة لم تراقب الله تعالى في عباده وبلاده ؟! بعد أنْ كان المقصود من التعميم هو الكتل السياسية الذي لا ينافيه لو شذّ عنهم شخصٌ أو شخصان من وسط تلك المافيات الفاسدة.
فتلك كلمات مصدر التشريع ( المعصوم عليه السلام ) التي تلعن بني أمية قاطبة، مع أنّ بعض الأشخاص منهم لا يستحقون اللعن، وذلك لأنّ المعصوم (ع) يقصد الحالة العامة التي عليها بنو أمية، أما من شذّ عن منهجهم من بعض الأفراد فهو خارج تخصّصاً.
ومن قال أنّ الطبقة السياسية بكل أشكالها فاسدة ؟
الجواب :
١. الفشل والفساد يعم جميع مرافق الدولة، وتدار دوائرها بالمحسوبيات وتقسّم مواقعها بالاتفاقيات بحسب المحاصصة الحزبية بعيدة عن المهنية وشروط الكفاءة والنزاهة، وكل هذا وأكثر نجد جميع الكتل والأحزاب - شيعية وسنية وكردية بلا استثناء - تشترك فيها، فإن لم تكن الشركة في التنفيذية ففي التشريعية وإن لم تكن في الاتحادية ففي المحافظات وإن لم تكن على مستوى الاستيزار فعلى مستوى المدراء العامين والدرجات الخاصة، وإن لم تكن في الدورة الحالية ففي الدورات السابقة وهكذا، وعلى هذا فالجميع مشترك بهذه العملية المتخمة بالفشل والفساد بحسب نسبة تواجده.
٢. ثم إنّ الملاحظ للجميع أنّ المرجعية - التي يفترض أن يؤمن بها المُدافَع عنهم - قد أغلقت بابها بوجه الجميع، ليس لأنها تخشى أن تغيّر الشمسُ وجوهَهم وإنما ذلك احتجاجٌ على الأداء الفاشل واستبعاداً لرائحة الفساد التي أزكمت الأنوف، ما يعني أنّ الجميع بحكم واحد، لمكان عدالتها التي يشهد ويؤمن بها الجميع، إذ من الظلم بمكان أنّ تأخذ المرجعيةُ البعضَ بجريرة البعض الآخر، قال عزّ اسمه : ( ولا تزرُ وازرةٌ وزر أخرى ).
٣. هذا فضلاً عن تصريحاتها الشديدة التي تلقي بمسؤولية الفشل والفساد على هذه الطغمة والتي لم تستثنِ كتلةً أو حزباً وكلٌ بحسب موقعه وعلى قدر تأثيره حيث قالت في بيانها المؤرّخ 15/11/2019 : "إن المواطنين لم يخرجوا إلى المظاهرات المطالبة بالإصلاح بهذه الصورة غير المسبوقة، إلا لأنهم لم يجدوا غيرها طريقاً للخلاص من الفساد المتفاقم يوماً بعد يوم، والخراب المستشري على جميع الأصعدة، بتوافق القوى الحاكمة ـ من مختلف المكونات - على جعل الوطن مغانم يتقاسمونها فيما بينهم وتغاضي بعضهم عن فساد البعض الآخر".
كذلك تعليقها على مظاهرات البصرة التي انطلقت إثر تردي الخدمات حيث حملت المرجعية مختلف الكتل السياسية التي تعاقبت على إدارتها المسؤولية عن البؤس والشقاء حيث قالت :
" ما جرى ويجري منذ سنوات طوال على أهل هذه المحافظة الكريمة من الأذى والمعانات ، فقد جرب أهلها مختلف الكتل السياسية في إدارة محافظتهم ولَم يجدوا تفاوتاً في أوضاعهم بل ازدادوا بؤساً وشقاءً "
وغير ذلك من الخطب والتصريحات.
٤. وقد أيدت أيضاً التظاهرات الشعبية العارمة - كما قرات آنفاً - التي خرجت على الطبقة السياسية الفاسدة " بحذافيرها" ومن دون استثناء وكان التأييد قوياً بيّناً وغير مسبوق.
و بعد هذا كله، لا أدري هل من يدعو إلى التقوى في وصف العموم بالفساد أكثر تقوى من المرجعية الدينية ؟!
فنقمة المرجعية الدينية على الطبقة السياسية بعمومها - بحسب الكتل والأحزاب - أمرٌ واضح لا لبس فيه ولا يحتاج إلى تأويلات وتفسيرات، فلا يأتي من يقول أنّ الكاتب يريد أن يختص بفهم مواقف المرجعية وبياناتها، إذ الأمر لا يستدعي سوى الحرية في التفكير.
ومن المؤلم جداً أننا نضطر إلى الاستدلال على وجود أمرٍ نلمسه كلّ يوم في حياتنا في الشارع والمستشفى والسوق والبيت وفي كل المرافق.
ثانياً : من تلك التعليقات والمنشورات غير الصائبة، أنّ هذه الأحزاب كان لها الدور البارز في مقاتلة العدو الداعشي وقدّمت قوافل من الشهداء.
حقاً إنّ هذا الكلام من عجيب القول، وهو مما نبهنا عليه في بداية الأمر من أنّ بعض الأخوة قد تغرر ببعض العناوين التي اختبأ بها هؤلاء، وليت شعري هل يكونُ السارق الخائنُ مجاهداً في سبيل الله ويوفّقه الله تعالى لشرف إنجاز انتصار النداء الشرعي ؟! وهل من مُلئت بطنُه من أموال الضعفاء والمرضى والأيتام يكون له شرف قصد الدفاع عن الدين والوطن والمقدسات والأعراض؟!
فدعني أذكر لك ثلاث نقاط مهمة :
النقطة الأولى :
إنّ الأخ قائل هذه المقولة صوّر هذه الأحزاب جزءاً من حلّ مشكلة داعش، بينما الواقع هو بالعكس تماماً فإنّ هذه الأحزاب أُس المشكلة وأساسها، وأكتفي عن التعليق على هذا الأمر بما ذكرته المرجعية الدينية العليا :
" من المؤكد أنّه لولا استشراء الفساد في مختلف مؤسسات الدولة ولاسيّما المؤسسة الأمنية، ولولا سوء استخدام السلطة ممن كان بيدهم الأمر لما تمكّن تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على قسم ٍكبير من الأراضي العراقية، ولما كانت هناك حاجة إلى دعوة المرجعية العليا للعراقيين إلى الالتحاق بالقوّات المسلّحة للدفاع عن الأرض والعِرض والمقدّسات ".
النقطة الثانية :
إنّ الذين قاتلوا ودافعوا واستشهدوا هم آباؤنا وإخواننا وأبناؤنا وليس تلك الأحزاب الفاسدة التي مردت على نهب المال العام.
ملحوظة مهمة :
وللإنصاف قلت في البداية : إنّ حديثنا عن الكتل والأحزاب كجماعات وليس عمّن شذّ عنهم من الأفراد، فقد تجد فلاناً أو فلاناً نزيهاً أو مخلصاً أو مجاهداً ولكنه يمثل نفسه، إذ لا يقاس هذا وذاك بمافيات الفساد التي تعشعش في غرف تلك الأحزاب والتي هي بعيدة عن مفهوم الجهاد والفداء في سبيل الله تعالى.
النقطة الثالثة :
الواقع إنّ القيادات العليا لهذه الأحزاب لم تشترك في المعارك، وإنما كان لهم دور استيعاب المتطوعين بعد الفتوى وتشكيل ألوية كان من المفروض - بحسب الفتوى - أن ترتبط بالدولة لا بالأحزاب، وهذه أول مخالفة من تلك الأحزاب للفتوى واستغلال لاستجابة الناس لها.
نعم لم تشترك هذه القيادات " السياسية" في المعارك ولم يقتربوا من خطرها وإن صوّرهم الإعلام ومنشدو الدينار أبطالاً، بل استدعوا المجاهدين الأوائل والذين لم ينخرطوا في سياستهم ليكون الكثير منهم قادة مباشرين للمعركة، وأنا رأيت بأم عيني، أنّ قيادات الأحزاب الكبار بعيدون كل البعد عن المعركة حيث كنا في معركة مع الدواعش في جبال حمرين، وكان البناء أن ننسحب إلى سامراء بعد انتهاء المعركة، ولما رجعنا وقطعنا مسافة ما يقرب من عشرين كم وجدنا ذلك القيادي "البطل في الإعلام" على تلة هو وموكبه الفخم ينظر من خلال الناظور!
تقييم التنظيم :
نعم.. لا أستطيع أن أُنكر أنّ تنظيم المعارك مهم جداً ولا تقوم للمعركة قائمة من دون تنظيم صفوف المجاهدين ولكن :
أولاً : ليس هذه الأحزاب وحدها مَن نظّم صفوف المجاهدين بل هناك من هو غيرهم من القيادات الجهادية التي لم تنخرط في سياستهم الفاسدة.
ثانياً : إنّ تنظيم صفوف المجاهدين فضيلة، بشرط أن يكون الداعي لذلك هو الله تعالى والوطن والمقدسات لا المكاسب السياسية الدنيوية، فالتأريخ يحدثنا عن ذم النبي (ص) لبعض من قاتل معه الكفار لأنّ نيته ليست لله تعالى وإنما لمآربه الدنيوية.
- إذن هل ستشق صدورهم وتكشف عنها وتتعرف على نياتهم؟!..
- كلاً .. ولكن ما في القلوب تُظهرُه الأفعال والتصرفات على الأرض.
وهنا لنرى :
إنّ كان هذا التنظيم والحراك لم يُستتبع باستغلال سياسي بشع ومتاجرة بدماء الشهداء، فحينئذٍ لا يسعنا إلا أن نذعن بأنّ ذلك من الفضائل العظام.
وإن كان قد استُتبع باستغلال سياسي رهيب ومتاجرة بدماء الشهداء وجهود المجاهدين وجُعلت صور الشهداء دعاية انتخابية خلافاً صريحاً لما صرحت به المرجعية الدينية صاحبة الفتوى فذلك يكشف أنّ القصد - من أول الأمر - من وراء هذا الحراك والتنظيم من قبل هؤلاء الفاشلين الفاسدين ( الأحزاب) ليس هو إلا دعاية انتخابية مبكّرة ودفاع عن المنصب والمكسب السياسي ( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ).
وهل استغل هؤلاء دماء إخواننا الشهداء وجهود أحبتنا المجاهدين؟ الجواب متروكٌ لكل ذي لبّ.
ثالثاً : ومن المنشورات التي تحسن الظن بهذه الطبقة الفاسدة : أنه من الظلم أن يقال : أنّ هذه الأحزاب تعمل على مصادرة التشيّع وإنهاء وجود المرجعية.
ولنناقش النقطة الثانية أولاً وهي هل حقاً أنّ الأحزاب تعمل على إنهاء وجود مرجعية النجف؟!
الجواب :
الأحزاب والتيارات - في ساحتنا - في تعاملها مع المرجعية على ثلاثة أصناف والجميع يعرف ذلك :
الأول : حاقدٌ إلى حدّ لا يوصف من دون تغليف حقده بالمجاملة، وهذا الصنف معروف في الشارع العراقي، وحربُهم الشعواء على مقام المرجعية في النجف بمختلف شخوصها وعلى كل من يتصل بها من الفضلاء لا يمكن إخفاؤها، وتحت هذا الصنف عدّة مجموعات متشظية من أصلٍ واحد.
الثاني : حاقد على مقام المرجعية في النجف ولكنه يغطّي حقده المقيت بالذكاء والمجاملات، وقد شنوا حروب التسقيط - وما زالت - على مرجعية النجف من خلال إيعازهم لكتّابهم أن يستهدفوا مقام المرجعية الشيعية وكل من يتصل بها من الفضلاء، أمثال عادل رؤوف وسليم الحسني وغيرهما الكثير، حتى اعترف غالب الشابندر بذلك في لقاء تلفزيوني موثّق، ولهذا الصنف عناوين عدة قد تنحدر من أصل واحدٍ أيضاً.
الثالث : لا يحقد على المرجعية كما يبدو، ولكنّه استخدم اسمها وروج لنفسه على حساب مصلحة مقامها، فكان المهم عنده مصلحته السياسية وإن أضرّ بمقامها وسمعة شخوصها، وهذا الصنف هو أقل الأصناف حضوراً.
ولم يظهر في الساحة السياسية صنفٌ رابع يراعي مقام المرجعية ويصونه ويتأثّر لرضاها وغضبها كي يكون من اللازم استعمال أداة الاستثناء حين الحديث عن هذا الأمر.
ومن المعلوم أنّ مقام المرجعية هو الركن الركين للتشيُّع ولولاه لأصبح القوم عامّة بشهادة نصوص أهل البيت عليهم السلام، إذ بالفقهاء حُفظ المذهب كل هذه القرون وصين تراثه، والاضرار بهم إضرارٌ مباشر به.
وعليه فهناك ترابط وثيق بين محاولة ضرب المرجعية وعدم مراعاتها وضرب المذهب، وبذلك نعرف أنّ هذه الأحزاب لا تمتنع عن مصادرة المذهب بعد كل هذه المكائد لركنه الركين، هذا كله فضلاً عن إشكالات بعضهم التي لها أول وليس لها آخر على الشعائر الحسينية ومحاولة إخفات جذوتها في كتاباتهم وأفكارهم المستقاة من سيد قطب وحسن البنا.
ولعمري ما أقصر نظر من يرى هذه الأحزاب حصنَ الدين المنيع وأضعف ذاكرة مَن أنكر فسادها بجميع عناوينها وما أسخف تفكير من جحد حربها على المرجعية في النجف وما أوهن حجة من دافع عنها.
- فرقٌ - يا عزيزي - بين التقوى التي تحجزك عن توهين المؤمنين أو المشتبه بهم، وبين الحالة الانهزامية النفسية التي تجعلك تنكر الواقع أو تشكك به ولا تجرؤ على وصف الظالمين بظلمهم.
ولا شكّ أنّ بعض الأخوة حينما يقرأ هذا المُسهَب الذي لا يتلائم مع مزاجه وتوجهه سينعتني بالتطرف أو التحامل أو سيقول مستنكراً : أين التقوى من تعميم الفشل والفساد والإضرار بالدين على الجميع؟ إلا أنها الحقيقة التي لم يذق طعمها غير المستقلين في تفكيرهم.
وفي النهاية : أنصحكم أيها الأحبة أن لا تضيّعوا دنياكم بالدفاع المستميت عمن لا يضره إن كنتم في ظلٍ أو حرور، كما أنّ الوقوف مع الفاسدين ولو بمنشور أو تعليق هو إعانة لهم واشتراك في وزرهم وبيع لآخرتكم بدنياهم وهو الخسران المبين. ولا ينبغي للإنسان أن يكون قلبُه مع المصلحين الحقيقيين (كالمرجعية) ولسانُه وقلمُه مع الفاسدين.
هذا ومن قبل رأيي ونصيحتي فهو صاحب الفضل عليّ ومن لم يقبل فأرجو له التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليلة ذكرى الفتوى العظيمة ١٣ / ٦ / ٢٠٢٠ والتي صدرت بعد سقوط الموصل ومدن أخرى من البلاد بسبب فساد الفاسدين وفشل الفاشلين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat