صفحة الكاتب : حسين فرحان

موظف خانه التدبير..
حسين فرحان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  أروقة الدوائر الحكومية تتخللها حركة رتيبة مملة، وأجهزة التكييف تعمل جاهدة على أن تنعم البطالة المقنعة بأقصى درجات الخَدر والراحة في وسط تتخلله رائحة الشاي والقهوة ودخان السجائر وحديث حول آخر المستجدات في الوضع السياسي والرياضي ومن الذي التهمه النهر مؤخرا..
الأوراق هي الأوراق حشو الأضابير تغادرها عند الضرورات الملحة لتخضع لمعاينة الوزير والمدير ورئيس القسم وربما للمعقب الذي أُلقيت على كاهله مسؤوليات كبرى فهو المأكول الذي يُطلب حين يقف الروتين عثرة بوجهك وهو المذموم حين لا تكون لديك معاملة متعثرة، في زمن ترهلت فيه مفاصل الدولة حد أفول نجم هيبتها الإدارية - إن صحت الإستعارة للمفردة- وإلا فالهيبة كل الهيبة اعترضها التجاهل من قبل أصغر الأفراد مرورا بأصحاب النفوذ ووصولا لبعض دول الجوار.. حتى أصبحت كالغسيل المنشور -تهكما- على لسان الإعلام.. 
بلغ سيل فساد المؤسسات حدا جعل الموظف العراقي يستهل موعد استلام المعاش استهلال من ينتظر العيد، فلم تنفعه عين مجردة ولا منظار في رؤية هذا الهلال الذي تقلبه أمزجة رجالات السلطات الثلاث ورؤى المالية النيابية والوزارة التي تعنى بشؤون الجيوب.
إن غياب التخطيط في هذا البلد طيلة أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن له علاقة مباشرة بسجل الديون المتراكمة التي قيدت لدى القطاع الخاص على حساب المحسود ( الموظف)، كما أن الصراعات السياسية جعلته وسائر الشعب في دوامة كبيرة من التأزم النفسي وغياب الرؤية المستقبلية بل وفقدان الأمل وانهيار الطموح نحو الأفضل، إذ أن النظر لأبعد من أفق اليوم يُعد من الترف والبطر مع ما في الحاضر من أزمات.
ليس ذنب الموظف أنه أصبح بهذه الصفة، فجميع الدول لديها من الموظفين ما يسد حاجتها دون تجاوز على حجم ملاكات التعيين وفقا للتخطيط والعقل والمنطق والإمكانات..
ليس ذنب الموظف أن يُفتح الباب على مصراعيه في زمن من الأزمنة للتعيين دون حسابات منطقية لحاجة الدولة الفعلية لذلك أو مراعاة لحجم الموازنة التشغيلية..
ليس ذنب الموظف الجديد أن يوضع في مكان لا يسعه.. ولا ذنب الموظف القديم أن يُزاحم بهذا الشكل..
ليس ذنب الموظف أن يكون مصيره المعاشي رهن التقلبات السياسية وغيرها، فالحكومة التي منحته هذه السمة مسؤولة عن استقراره المعاشي لا إهماله بعد تحقق غاياتها الانتخابية.
القروض أثقلت كاهله باستقطاعات شهرية وفوائد للمصارف الحكومية ليس فيها من مراعاة الضمير الإنساني شيئا، وانعدام المساواة في الراتب مع الأقران خلق طبقية جديدة علت فيها بعض الوزارات فوق بعض، لتمنح هذه الوزارة فوائد وأرباح ومخصصات بينما تكتفي أغلب الوزارات بالراتب الذي التهمته الاستقطاعات، ولا جدوى من مناشدات بسلم موحد للرواتب أو توزيع عادل للمخصصات.
الموظف ضمن هذه الفئة الفقيرة أو المعطلة من الوزارات  يعيش حالة من الحرمان والقلق وشرود الذهن بسبب عجزه عن تدبير أمره -وإن كان بنظر العاطلين وأصحاب المهن الأخرى أفضل حالا- فهو الشخص الذي يفقد ما يرده من مبلغ خلال الأسبوع الأول من الشهر وإذ بلغ اليوم العاشر قبل تصفير ما في جيبه فذلك يعد من المفارقات التي تستحق التدوين وربما الاحتفال..
إن الحسابات التي تجري في دماغ هذا الشخص مكررة ومستنسخة ولا يمكن تجاوزها في حال من الأحوال، فهي التي تستنزف ما يتبقى له من راتبه، وربما اشترك فيها الجميع دون استثناء ( خط المولدة.. خط الإنترنت.. رصيد الهاتف.. خطوط نقل الاولاد للمدارس.. المصرف اليومي للبيت.. الطبيب.. وتسديد ما في الذمة لأصحاب الأسواق).. هذا في أحسن الأحوال أما إذا كان الموظف يسكن دارا مستأجرة أو يعيل شخصا قد ابتلي بمرض مزمن فذلك مما يقصم الظهر..
لتلافي هذه المعاناة التي يتعرض لها أغلب الموظفين، هل ننصحه بالتدبير والاقتصاد؟ أم نوجه الكلام للحكومة حتى تسهم في انتشاله من تأزمه النفسي ووضعه الحرج؟
أما الحكومة فالكلام طويل معها بهذا الشأن والجدوى تكاد أن تكون معدومة، خصوصا مع وصول البلد إلى مراحل متقدمة من أزمته الاقتصادية.
وأما هذا الكائن فهو موظف خانه التدبير وعليه أن يحتسب ويسترجع وينتظر زوال هذه الغمة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين فرحان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/10/27



كتابة تعليق لموضوع : موظف خانه التدبير..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net