صفحة الكاتب : شعيب العاملي

10. بلاء إبراهيم يحيّر العقول! الوحيد الخراساني
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
كان البحث في الكلمات التي ابتُلِيَ بها إبراهيم وصار مستحقاً لجعل الإمامة بتمامها.
وكانت الكلمة الأولى الابتلاء بذبح إسماعيل، والتي قال فيها القرآن (ان هذا لهو البلاء المبين)
 
الكلمة الثانية هي الابتلاء بالنفس.
في هذه الكلمة أيضاً ينبغي أن يُفهم الكتاب والسنة لتتضح عظمة هذا الابتلاء.. وقد ذُكر الأمر مفصلاً في موردين في القرآن الكريم، أحدهما في سورة الأنبياء وفيها ابتداء أمر الابتلاء وانتهاؤه، فينبغي فهم البداية من كلامه تعالى كما النهاية وما بينهما.
قال تعالى: (ولقد): بدأ ب(لام) التأكيد و(قد) التحقيق (آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ) (الأنبياء51)
 
أيّةُ قوةٍ كانت عند هذا الشخص وأيّةُ شجاعةٍ ليقابل بها كل الناس؟! إذ لم يكن هناك موحد غيره على الأرض.
 
طريق الاحتجاج هذه توضح ما هو ذلك الرشد الذي أعطاه الله إياه: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)
في هذه الجملة رسم خطّ بطلان كل تلك العقائد.. استخدم كلمة (ما) المستعمَلَة لغير ذوي العقول، فنفى العقل والفهم والإدراك عن آلهتهم، ثم بيّن بعد ذلك ماهيتها وحقيقتها بهذه الكلمة (ما هذه التماثيل)، هكذا كان منطقه..
أما منطقهم (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ) البرهان الذي استندوا إليه هو التقليد والتبعية العمياء.
 
(قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ): هذا برهانه.. ربكم رب السماوات والأرض.. في هذه الجملة تمسّك بأقوى برهانٍ في معرفة الله وهو برهان النَّظم، النِّظَام ووحدة النَّظم، فالآفاق والأنفس تحت تصرُّفِ واحِدٍ فقط (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ)..
 
ولما رأى أن البرهان لم يؤثر قال قوله.. وأيّ قدرةٍ هذه التي عنده؟ وعلى ماذا يستند ليتكلم بهذه الطريقة: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)
 
تالله: هنا بحث مفصل وللأسف أن لا فرصة له.. بُحُورٌ من الحكمة، لم يقل: (والله) بل قال (تالله)، وفي تبديل الواو بالتاء بحار من العلم والحكمة.. ثم مع (لام التأكيد) و(نون التوكيد) مع ذلك (القسم الخاص).. ولأنه كان قد أقسم وصل الدور للعمل بعد القول: (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) لتتم الحجة..
 
(قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) يُفهَمُ من هذه الجملة أنّه كان في عنفوان شبابه..
 
(قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) المدّعي هم تمام الناس، والمدّعى عليه فتى، والمحكمة محكمة نمرود..
 
(قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ) نفس هذا العمل برهانٌ آخر.. رمى التهمة عليه وقال: اسألوه..
احتج بهذه الطريقة فأفهمهم أن الموجود الذي ليس عنده قدرة النطق ولا يتمكن من الدفاع عن نفسه وعن أصنامه الصغار.. كيف يمكن أن يكون معبوداً وأن تعتقدوا بأنه المؤثر في الوجود؟!
 
(فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ) أُسقِطَ في يدهم هنا.. فكّروا فوجدوا أن كلامه غير قابل للجواب المنطقي..
 
(ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ) فلما وجدوا أن ليس عندهم قدرة على المبارزة العلمية مع هذا الفتى لجؤوا إلى كلام الزور..
 
(قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) وهنا البلاء الذي يحيّر العقول.. الذي يفهمه الأنبياء وليس نحن.. (قَالُوا حَرِّقُوهُ) لا تقتلوه.. أحرقوه، لأنهم لم يجدوا أسوأ من الاحراق.. (وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) صمَّمُوا على الإحراق، أيُّ غوغاءٍ هذه.. أمَّةٌ عابدة للأصنام مع نمرودٍ حاكمٍ للعالم كما كان سليمان مسلَّطاً على كل الأقاليم.. لقد كان نمرود مقابلاً له..
 
أرسل النمرود لجمع الحطب الجميعَ حتى الرجل العجوز.. جمعوا حطباً لفرسخين.. مثل هذه الواقعة لم يُر مثلها في العالم، ثم أشعلوا هذه النار التي لا نظير لها.. تحيروا كيف يضعوا إبراهيم فيها، هنا ظهر الشيطان فصنع المنجنيق، ولم يكن بغير المنجنيق سبيل. هذا في سورة إبراهيم..
 
أما في سورة الصافات.. (قالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) وهذا قسم آخر من الاحتجاج.. ويختلف عن ذاك.. فهل يعقل أن يكون ما صنعتم صانعاً لكم؟ لقد خلقكم الله أنتم ومصنوعاتكم.. من الذي صنع مواد هذه الأصنام؟ من عنده القدرة على إيجاد ذرّة واحدة؟ الذي خلقكم وما تعملون هو الذي عنده قدرة لا تتناهى..
 
(قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) وذلك البنيان هو المنجنيق، وهنا إشارة الى ذلك العمل الذي رسمه لهم إبليس في الموردين.. وأكد تعالى على جملة (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ)
 
وفي سورة الأنبياء: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)..
 
وفي سورة التوبة: (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا) (التوبة40)
 
وللبحث تتمة
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/10/30



كتابة تعليق لموضوع : 10. بلاء إبراهيم يحيّر العقول! الوحيد الخراساني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net