صفحة الكاتب : عبير المنظور

موائدنا الرمضانية تحت المجهر!
عبير المنظور

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

شهر رمضان الذي أنزل فيه القران، شهر الضيافة الالهية، شهر الرحمة والمغفرة والبركة، فيه تعمر موائد الرحمن.
تعمر تلك الموائد قبل حلول الشهر الفضيل!، فقبل حلوله تنشط حركة الاسواق لشراء المواد الغذائية وتتصاعد الاسعار تبعا للطلب، لا بل نجد تهافت ربات البيوت على شراء المواد الغذائية وتحضيرها وتجميدها استعداداً للشهر الفضيل، نعم لا ننكر أن على المراة في شهر رمضان حمل ثقيل تحاول أن تخفف عنه نهار الصيام بإعدادها المسبق لبعض الاطباق، ولكن ننكر أن يتحول الشهر الفضيل إلى شهر طعام وشراب.
في سؤال سريع سألته لعينات عشوائية من النساء عن السبب في تحضير تلك الوجبات وتجميدها كانت بعض  الإجابات رائعة ولكن الاجابات الأخرى صادمة.
النساء الموظفات أعانهن الله يحضّرن تلك الاطباق مسبقاً لضيق الوقت مع ضغط العمل والمشقة في الدوام.
هنا نجد تنظيم المرأة لوقتها وتنظيمه بين العمل والمنزل رائع جداً.
والبعض الآخر من النساء يرين أن في ذلك إنقاذا ًلهن في مائدة إفطار الضيوف، وجهة نظر سديدة أيضاً. 
وبعض النساء تحضّر مسبقاً لتتفرغ للعبادة وقراءة القران والأدعية المخصوصة والقيام باعمال شهر رمضان المبارك، جميل جدا تخصيص وقت العبادة وتفضيله على باقي الاعمال المنزلية دون ان تخل بواجباتها المنزلية في هذا الشهر الكريم.
اما بعض الاجابات وهي السائدة فكراً وتطبيقاً في مجتمعاتنا هي أن النساء تجمّد الاطعمة لتتفرّغ لبقية الاطباق آنية التحضير!.
وسألتُ سؤالاً مهماً في نفس السياق ولكن إجابته تفصّل النتيجة تفصيلاً دقيقاً: كيف تكون موائدنا الرمضانية عامرة؟
أغلب الاجابات كانت يرثى لها، بتعدد أصناف الطعام وكأن مائدة شهر رمضان لا تعمر إلا إذا زادت عن خمسة أو سبعة أصناف من الطعام.
وفي محاولة مني لتقريب المعنى سألتهن أيضاً: شهر رمضان شهر الخير والبركة، ما هي البركة في هذا الشهر؟
كانت معظم الإجابات ان البركة في الطعام والشراب!
توقفتُ كثيراً أمام تلك الاجابات وللأمانة كانت هناك إجابات مميزة تنمّ عن وعي وادراك لعظمة وبركة الشهر الفضيل وان كانت نسبتها قليلة لا تتجاوز  ٢٠ بالمئة، وان كانت النسبة الحقيقية اقل من هذه بكثير في المجموعات النسائية على السوشيال ميديا حسب استقراءي البسيط.
توقفت كثيراً امام هذه النسبة المهولة من شريحة مهمة في المجتمع تعتقد ان شهر رمضان موسماً للطعام والشراب وامتلاء الكروش بما لذ وطاب من الاصناف ولكل شخص طبقه المفضل من الاطباق الرئيسية والمقبلات والحلويات، 
والكلام ليس موجهاً للنساءفقط بل الرجال أيضاً فهو من يحاسب المرأة حساباً دقيقاً لو أن صنفاً واحداً لم يُطبخ على مزاجه وما أكثرهم في أيامنا هذه.
 وأكررها مراراً نحن لسنا ضد أن يتغذى الصائم ويتقوت بطعام لذيذ يشبعه ويشتهيه ولكننا نرفض أن يكون شهر الخير والرحمة شهر للاسراف والتبذير ورمي الطعام الفائض في القمامة بوجود العديد من العوائل ترزح تحت نير الفقر والجوع لا تجد ما تفطر به بعد يوم طويل من الصيام.
نحن ضد ان يتحول شهر رمضان الى افراط وتفريط فلا نبالغ في المثالية ونجعل من انفسنا زهّاداً وعبّاداً ونقصـّر في إطعام عوائلنا، ولا نسرف في اعداد الطعام ولكننا نريد الامر بين امرين (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين)(١).
توقفتُ طويلا عند تلك الاجابات في مسالة الطعام والشراب في شهر رمضان المبارك، وتأملت اسباب هذا الفهم الخاطئ وفي الغالب هي طريقة التربية التي يتلقونها منذ الصغر، اضافة الى الحرب الناعمة والاعلام المضلل الذي يبث سمومه على القنوات الفضائية والسوشيال ميديا بجعل الامة تلهث وراء المظاهر كالطعام والشراب حسب الوصفات العالمية والملابس والماركات التجارية والاهتمام بكماليات الامور اكثر من الضروريات مع التركيز والترويج للشركات العالمية المنتجة لها.
اضافة الى الانسياق وراء العقل الجمعي في مثل هذه الظواهر المنتشرة بكثرة على السوشيال ميديا، اضافة الى التفاخر والتعالي على الغير وارضاء هوى النفس وغيرها.
ومن اهم اسباب انتشار هذه الظاهرة هو تلكؤ بعض من يقوم بالتبليغ الديني في ايصال الاهداف الحقيقية والاسباب والعلل وجماليات الاحكام في الاسلام بشكل عام ومظاهر الصيام بشكل خاص والا فكيف نبرر وجود نساء صائمات مع السفور او التبرج او الاختلاط ؟ اين صوم الحوارج اذن.
هنا يجب اعادة ترتيب الخطاب الديني وتوجيهه نحو المجتمع توجيها صحيحا والتركيز على اداب وتعاليم الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) واهل بيته الكرام (سلام الله عليهم اجمعين) ونحن نعيش في طيات شهر رمضان ذكرى شهادة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وطعام افطاره المكون من رغيف خبز الشعير والملح وهو خليفة المسلمين.
على الخطاب الديني بجميع مستوياته المنبري والاعلام الديني المكتوب والمسموع والمقروء ان يصحح مسار المجتمع ويضع الحلول لمثل هذه الظواهر.
وكحلول بسيطة لهذه الظاهرة  اقترح
ان نضع موائدنا الرمضانية العامرة تحت المجهر :
هل مصدرها اموالها حلال لا شبهة فيه ؟
هل لحومها مذبوحة شرعا ومن قبل جهات ثقة متخصصة؟
هل تتسم بالاعتدال ام فيها الكثير من الاسراف؟
هل اخرجنا صنفا منها لنطعم او نفطر صائما من الجيران والاقارب؟
وهكذا
وكما ان للجسد غذاء فللروح غذاء ايضا وله موائده المعنوية، فشهر رمضان هو من المواسم المهمة لتزويد الروح بجرعات تغذيها ما يكفيها عاما كاملا، وهو سر بركة ذا الشهر حيث تضاعف الاعمال فيه، وفيه محطات عديدة كوفاة ابي طالب وخديجة 0عليهما السلام) ومعركة بدر وولادة الامام الحسن (سلام الله عليه) وليالي القدر وشهادة امير المؤمنين (عليه السلام) كلها  تزيد من شعورنا بالالتزام بإعمار تلك المائدة الروحانية في هذا الشهر الفضيل على الاقل بنسبة متساوية مع موائدنا الرمضانية المادية
 والطعام المعنوي هنا قراءة القران مع فهمه وتدبره والتسبيح والاستغفار والادعية والاعمال العامة لهذا الشهر العامة و المخصوصة اضافة للصدقة وتحسين الخلق واعمال الخير الاخرى .
مثلا لو كانت مائدتنا الرمضانية المادية مكونة من ٤ اصناف علينا ان نجعل من مائدتنا الرمضانية المعنوية ٤ اصناف ايضا ان لم نزد عليها لزيادة الاجر وتحصيل مكاسب معنوية، لنوازن بين حاجات الروح والجسد في شهر الرحمة والمغفرة ولتكون موائدنا الرمضانية متساوية المادية منها والمعنوية.
اما في المحطات العبادية المهمة في هذا الشهر الكريم كليالي القدر فيفضل ان تكون المائدة الرمضانية المعنوية والروحانية عامرة جدا بجميع اصناف العبادات من قران ودعاء وتسبيح وصلاة وعبادات مخصوصة وصدقة وحسن خلق وغيرها لانها الزاد الذي سيطعم روحك وجسدك عاما كاملا بمزيد من التوفيقات والارزاق المادية منها والمعنوية حتى قابل، فاي مائدة رمضانية عامرة تلك اولى بنا ان نحرص عليها كثيرا.
فاعمر مائدتك الرمضانية المعنوية واحسن اعمارها وتناول منها انت وعائلتك واطعم منها غيرك من المقربين والاباعد فانها سر الاسرار ومحال فتح الشفرات الالهية للمنح والنفحات الربانية في هذا الشهر الكريم.
اعمر مائدتك الرمضانية الحقيقية وضعها تحت المجهر هل تناسب مع ما انعم الله عليك به؟ هل تناسب ثمن الرحمة والمغفرة والعتق من النار؟
ضع مائدتك الرمضانية المعنوية تحت المجهر وقدمها لله تعالى في شهره الكريم كما احسن الله لك فيه وانت في ضيافته الالهية.

(١) سورة الاعراف/31.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبير المنظور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/14



كتابة تعليق لموضوع : موائدنا الرمضانية تحت المجهر!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net