الانـسان في النظام الاخلاقي للاسلام* 

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

یـنبثق‌ النـظام الأخلاقي‌ للاسـلام‌ مـن‌ عـقیدة تری أن اللّه‌ تعالی هو مبدأ الوجـود، وأن الانـسان موجود، لكنه محتاج محض في وجوده كله، ولیست نسبته‌ الی‌ اللّه عز وجل بـأكثر مـن الوجود الرابط.‌ وقد‌ قال‌ تعالی‌ فـي‌ القرآن الكریم: ﴿یا‌ أیـها‌ النـاس أنتم الفقراء الی اللّه واللّه هو الغنی الحـمید﴾

ولهـذا صاغ الإسلام نظامه الأخلاقي بما‌ یتناسب‌ مع‌ العلاقة بین العبد وربه عز وجل. فـتصرُّف الانـسان‌ في الاشیاء‌ إنما‌ هو‌ فـي‌ حـقیقته تـصرّف في ملك اللّه تـعالی، لانـه المالك الحقیقي للوجود كـله. ووعـی هذه الحقیقة وتمثّلها یستتلي إطاعة أوامر اللّه تعالی حتی لو افتقدت للنفع الدنیوي أو الاخروي.‌ 

بمعنی أن الاعـتقاد بـربوبیة اللّه تعالی التكوینیة والتشریعیة یدفع الإنسان فـي مـقام العمل الی التـسلیم المـحض والانـقیاد الكامل للاحكام الالهیة.

مـن الواضح ان أوامر اللّه تعالی ونواهیه ترتبط بالمصالح‌ والمفاسد‌ المترتبة علیها. لكن یجدر بالانسان أن یوطّن نفسه عـلی إطـاعة اللّه عز وجل في كل حال، حتی لو لم تـكن تـلك الاوامـر والنـواهي مـجسّدة للمصالح والمفاسد. كـما اسـتجاب النبي ابراهیم (علیه‌ السلام)‌ للامر الإلهي بذبح إبنه اسماعیل (عليه السلام)، فقتل الابن في ذاته لا یحقق سعادة دنـیویة أو اُخـرویة، لانـعدام الرابطة التكوینیة بین القتل وكلتا السعادتین.‌ 

ولولا‌ الامـر الالهـي لمـا اسـتوجب ابـراهیم (عليه السلام) السعادة الاُخرویة بعزمه علی ذبح اسماعیل (عليه السلام)، بل ما كان إبراهیم لیقدم علی مثل هذا الفعل.

أن یأمر اللّه تعالی بذبح النبي اسماعیل،‌ ویعتزم‌ أبوه النبي ابراهیم (عليه السلام)‌ تـنفیذ‌ الأمر، وأن یحث اسماعیل والده علی تنفیذ الأمر كما جاء فی القرآن الكریم: ﴿یا أبت افعل ما تؤمر﴾.

فتلك أمور تفتقد أي مسوّغ في الأنظمة الاخلاقیة غیر الالهیة. لكنها‌ هنا‌ اصطبغت بحقیقة ارتـباط كـل شيء باللّه تعالی، وأن الجمیع ملك للّه عز وجل، ومكلّفون بالقیام بما یأمر به دون اعتراض، سواء كان ینطوي الأمر علی مصلحة فردیة أو اجتماعیة أو لا‌ ینطوي.

إن‌ العلاقة بین عبودیة الانسان وربوبیة اللّه تعالی تـطبع أفـعال الانسان بصبغة إلهیة لها الدور الأساس في‌ إیصال الإنسان الی سعادته، كما قال تعالی:

﴿صبغة اللّه ومن‌ أحسن‌ من‌ اللّه صبغة﴾.

وهذا الامر كان السبب وراء الاعتقاد بـأن الحـسن ما أمر به اللّه، والقـبیح مـا ‌‌نهی‌ عنه اللّه تعالی أي أن الحسن والقبح لیسا أمرین ذاتیین للافعال، إنما یكتسبان‌ من‌ أوامر‌ اللّه ونواهیه.

وهذا اعتقاد خاطئ، كما تدلّ علی ذلك الایتان الاتیتان:

﴿ان اللّه‌ یـأمر بـالعدل والاحسان﴾.

﴿قل إن اللّه لا یأمر بـالفحشاء﴾.

یـعني إن‌ العدل والاحسان اللذین یأمر‌ بهما‌ اللّه تعالی خصیصتان ذاتیتان لمجموعة من الأفعال الانسانیة التي لها وجود وواقع قبل صدور الأمر الإلهي، وأن اللّه تعالی أمر بها ـ الافعال لتحلّیها بتلكما الخصیصتین، ولیس أن صـبغة العـدل‌ والاحسان اُعطیتا لتلك الافعال بعد أن أمر اللّه تعالی بها.

كذلك الفحشاء فهي خصیصة ذاتیة لمجموعة من الافعال الاخری الموجودة، ولهذا فإن اللّه تعالی لا یأمر بها.

وعلی هذا‌ الاساس‌ فالعدل والاحسان والفحشاء مـفاهیم انـتزاعیة، ولها مـصادیق خارجیة، بغض النظر عن الأمر بها أو النهي عنها.

فحیثیة الامر والنهي غیر الحیثیة الذاتیة للافعال، وإن الاوامر والنـواهي الالهیة تضیف الی‌ القیمة‌ الذاتیة قیمة اُخری سلبیة أو ایجابیة، هي إمـا العـبودیة والطـاعة والانقیاد للّه عز وجل، أو معصیته وتجاوز حدوده.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/12



كتابة تعليق لموضوع : الانـسان في النظام الاخلاقي للاسلام* 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net