صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

اشارات قرآنية من كتاب الإمام زين العابدين داعية الوعى للسيد الحسيني
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 جاء في کتاب الإمام زين العابدين داعية الوعى و محير الطغاة السيد راضي الحسيني: روى أبو نعيم في الحليّة بإسناده عن سفيان بن عيينة، عن الزُّهريّ قال: دخلنا على عليّ بن الحسين بن عليّ، فقال: يا زهريّ فيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا الصوم، فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنّه ليس من الصوم شي‌ء واجب إلا شهر رمضان. فقال عليه السلام: يا زهريّ ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجهاً، عشرة منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة منها حرام، وأربع عشرة خصلة صاحبها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب‌. من الواضح أنّ الروايّة بيّنت 36 وجهاً من أوجه الصوم ولكنّ الروايّة بتمامها يرويها الشيخ ابن بابويه بإسناده عن سفيان بن عيينة عن الزهريّ أيضاً، بنفس المقدّمة السابقة، ونحن نذكر بقيّتها إتماماً للفائدة) فقال: يا زهريّ ليس كما قلتم إنّ الصوم على أربعين وجها فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها صيامهنّ حرام، وأربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الإباحة، وصوم السفر والمرض. قلت الزهريّ: فسِّرهنَّ لي جعلت فداك. قال: أمّا الواجب، فصيام شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب، قال الله عزّ وجلّ: "وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‌ أَهْلِهِ‌" إلى قوله "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ" ‌(النساء 92)، وصيام شهرين متتابعين في كفّارة الظهار لمن لم يجد العتق واجب، قال الله تبارك وتعالى: "وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا" (المجادلة 2 - 3)، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين و اجب لمن لم يجد الإطعام، قال الله تبارك و تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ‌" (المائدة 89)، كل ذلك متتابع و ليس بمتفرق، وصيام أذى الحلق، حلق الرأس و اجب قال الله تبارك و تعالى: "فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" ‌(البقرة 196)، و صاحبها فيها بالخيار و إن صام صام ثلاثا، و صوم دم المتعة و اجب لمن لم يجد الهدي، قال الله تبارك و تعالى: "فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ" (البقرة 196)، و صوم جزاء الصيد و اجب، قال الله تبارك و تعالى: "وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً" (المائدة 95)، ثمّ قال: أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياماً يا زهريّ؟ فقلت: لا أدري. قال: تقوّم الصيد قيمة، ثُمّ تفضّ تلك القيمة على البُرّ، ثمّ يكال ذلك البُرّ أصواعاً جمع صاع، والصاع: وحدة وزن مقدارها ما يعادل ثلاثة كيلوغرام فيصوم لكلِّ نصف صاع يوماً، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب.

ويستطرد السيد الحسيني في كتابه قائلا عن قول الامام عليه السلام عن الصوم: وأمّا الصوم الحرام، فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيّام من أيّام التشريق- طبعاً لمن كان في منى ناسكاً- وصوم يوم الشك أمرنا به ونهينا عنه، أمرنا أن نصومه مع شعبان، ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس- أي يصومه بنيّة أنّه من رمضان من غير علم بدخول الشهر-، قلت: جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئاً كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشكّ أنّه صائم من شعبان، فإنْ كان من شهر رمضان أجزأ عنه وإن كان من شعبان لم يضرّ، قلت: وكيف يجزي صوم تطوّع عن فريضة؟ فقال: لو أنّ رجلًا صام يوماً من شهر رمضان تطوّعاً وهو لا يدري ولا يعلم أنّه من شهر رمضان، ثمّ علم بعد ذلك، أجزأ عنه، لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم النذر للمعصيّة حرام، وصوم الدَّهر حرام. وأمّا الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار، فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين، وصوم أيّام البِيض، وصوم ستّة أيّام من شوّال بعد شهر رمضان، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، كلّ ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وأمّا صوم الإذن، فإنّ المرأة لا تصوم تطوُّعاً إلا بإذن زوجها، والعبد لا يصوم تطوعاً إلا باذن سيّده، والضيف لا يصوم تطوُّعا إلا بإذن صاحبه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فمن نزل على قوم فلا يصُومنّ تطوُّعا إلا بإذنهم). وأمّا صوم التأديب، فإنّه يؤمر الصبيّ إذا راهق بالصوم تأديباً وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلّة من أوّل النهار، ثمّ قوي بعد ذلك، امِرَ بالإمساك بقيّة يومه تأديباً وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أوّل النهار، ثمَّ قدم أهله، أُمِر بالإمساك بقيّة يومه تأديباً وليس بفرض. وأما صوم الإباحة، فمن أكل أو شرب ناسيا أو تَقَيّأ من غير تعمّد، فقد أباح الله ذلك له وأجزأ عنه صومه. وأمّا صوم السفر والمرض، فإنّ العامّة اختلفت فيه، فقال قوم: يصوم. وقال قوم: لا يصوم. وقال قوم: إن شاء صام وإن شاء أفطر. وأمّا نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعاً، فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء في ذلك، لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: "فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى‌ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" (البقرة 185) انتهى. الخصال: 534537 ح 2. قال الزّهريّ: قلت: فسِّرهنّ يا ابن رسول الله. قال: أمّا الواجب، فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين يعني في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق- قال تعالى‌ "وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً" (النساء 92) الآيّة، وصيام ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين، لمن لم يجد الإطعام، قال الله عزّ وجلّ‌ "ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ‌"، وصيام حلق الرأس، قال الله تعالى‌ "فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ"‌ الآيّة، صاحبه بالخيار إن شاء صام ثلاثاً، وصوم دم المتعة، لمن لم يجد الهدي، قال الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ‌ الآيّة، وصوم جزاء الصيد، قال الله عزّ وجل‌ "وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ‌" (المائدة 95) الآيّة، وإنما يقوّم ذلك الصيد قيمة ثمّ يُفضّ ذلك الثمن على الحنطة، وأمّا الذي صاحبه بالخيار، فصوم يوم الإثنين والخميس، وصوم ستّة أيّام من شوّال بعد رمضان، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء (يوم عاشوراء صامه الأمويّون تبرّكاً بقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الحسين عليه السلام، لذا ورد النهي والكراهة في صومه، وأمرنا أن نمسك إلى ما بعد الزوال تأسيّاً بما جرى على الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وهو يوم صامه اليهود، ودخل علينا من الإسرائيليّات)، كلّ ذلك صاحبه بالخيار، إنْ شاء صام، وإنْ شاء أفطر، وأمّا صوم الإذن، فالمرأة لا تصوم تطوّعاً إلا بإذن زوجها، وكذلك العبد والأمّة، وأمّا صوم الحرام؛ فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى، وأيّام التشريق، ويوم الشكّ نهينا أن نصومه كرمضان، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصيّة حرام، وصوم الدهر حرام، والضيف لا يصوم تطوّعاً إلا بإذن صاحبه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من نزل على قوم فلا يصومنّ تطوّعاً إلا بإذنهم ويؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأنيساً، وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلّة من أوّل النهار، ثمّ وجد قوّة في بدنه، امر بالامساك، وذلك تأديب الله عزّ وجلّ، وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أوّل النهار، ثمّ قدم، امر بالإمساك. أقول‌: من خلال ما تقدّم تبيّن بوضوح عمق وسعة علم الإمام زين العابدين عليه السلام وهيمنته الكاملة على الأحكام بأدلّتها وتفريعاتها وتشعّباتها واستنباطها من الآيات والسُّنّة، وهذا ينبئك عن السرّ في بلوغه ذروة الكمال في العلوم، فكان مرجعاً للأمّة بحقّ لا ينازعه أحد في مقامه وشموخه، ولعلّي أكتفي بهذا القدر من نقل الوقائع المختلفة وتعاطي المسلمين بمختلف مقاماتهم مع مرجعيّة الإمام زين العابدين عليه السلام، رغم كثرتها، رعايّة للاختصار، وبها الكفايّة في إثبات المطلوب‌

وعن الإمام يحيّر الطغاة بتنوّع أساليب المواجهة يقول السيد راضي الحسيني في كتابه: واجه الإمام زين العابدين عليه السلام تلك الانحرافات الخطيرة التي كانت تهدّد كيان الإسلام وتقوّض أركانه، فقام بعدّة أساليب، منها توعيّة الأمّة على عدم الرضوخ للظلمة، ومنها أسلوب الدعاء وبيان الحقوق- وسيأتي بيانهما- ومنها أسلوب المواجهة العمليّة وكسر طوق المنع الصادر عن ديوان الخلافة، إذ أصدروا أوامرهم الصارمة بمنع الذهاب إلى حجّ بيت الله الحرام- وقد تقدّم بيانه- فكان عليه السلام يحثّ على أداء الحجّ وبيان فضيلته، ويسير ماشياً إلى مكّة لأداء مناسك الحجّ، فهو من جهة يثبّت ركناً من أركان الإسلام، ومن جهة أُخرى يواجه تحذير الخليفة، وتحمّل الإمام إزاء ذلك، الاعتراضات، والمواجهات، والمضايقات الشديدة، فقد لقيه عليه السلام عباد البصريّ في طريق مكّة فقال: تركت الجهاد وصعوبته، أقبلتَ‌ على الحجّ ولينه وإنّ الله تعالى يقول: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ‌" (التوبة 111) الآيّة، فقال عليه السلام: اقرأ ما بعدها "التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‌" (التوبة 112). ثمّ قال عليه السلام: إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئاً. ولقد قام الإمام بفعاليّات واسعة لمواجهة التحريف الأمويّ للحجّ، وبيان مقام الكعبة الشريفة وعظمتها، ففي ذات يوم رأى الحسن البصريّ عند الحجر الأسود يقصّ فقال عليه السلام: يا هناه‌ أترضى نفسك للموت؟ قال: لا، قال: فعلمك الحساب؟ قال: لا، قال: فَثَمَّ دار العمل؟ قال: لا، قال: فللّه معاذ غير هذا البيت؟ قال: لا، قال عليه السلام: فلم تشغل الناس عن الطواف ثمّ مضى. وقد وردت عنه روايات كثيرة يُبيّن فيها فضيلة الحجّ وآثاره وأهميّته في الإسلام.

وعن رسالته الوعظيّة إلى الزُّهْرِيّ‌ يقول السيد الحسيني: أرسل الإمام زين العابدين عليه السلام رسالة وعظيّة وتحذيريّة، إلى من تلمّذ على يديه محمّد بن مسلم الزُّهريّ حينما انحاز إلى دويلة بني اميّة فأضحى من علماء البلاط الأمويّ، وضمّنها تحذيره الشديد عن الانزلاق في مهالك الملوك سعياً وراء الحطام الدنيويّ الزائل، بعد أن ذكر علمه وفضله وفقهه وما آتاه الله من المعرفة وما قامت عليه من الحجج الإلهيّة. أشير إلى فقرة من رسالته، حيث قال عليه السلام: فانظر أيَّ رجلٍ تكونُ غَداً إذا وقَفْتَ بينَ يَدي اللهِ فسألَكَ عَن نِعَمِه عليك كيفَ رَعَيْتَها وعَن حُجَجِه عَليكَ كيفَ قَضَيْتَها ولا تَحسَبَنَّ اللهَ قَابِلًا منكَ بِالتَّعذِير ولا راضِياً مِنك بالتَّقصير، هَيهاتَ هَيهاتَ ليس كذلك، أَخَذَ عَلَى العُلماءِ في كتابِه إذْ قال: "لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ‌" (آل عمران 187) وَاعْلَم أنَّ أدْنى ما كَتَمْتَ وأخَفَّ مَا احْتَمَلْتَ أنْ آنَسْتَ وَحْشَةَ الظّالِم وسَهَّلْتَ له طَرِيقَ الغَيِّ بِدُنُوِّكَ مِنْهُ حينَ دَنَوْتَ وإجابَتِكَ لَهُ حِينَ دُعيتَ، فَما أَخْوَفَني أنْ تكُونَ تَبوءَ بِإثْمِكَ غَداً مع الخَونَةِ، وأن تُسألَ‌ عَمّا أخَذْتَ بِإعانتِكَ على ظلمِ الظَّلَمَةِ، إنّك أخَذْتَ ما لَيسَ لَكَ مِمَّنْ أعطاكَ وَدَنَوْتَ مِمَّنْ لم يَردَّ على أحَدٍ حَقّاً ولم تَرُدَّ باطِلًا حِينَ أدْناكَ وأحْبَبْتَ مَن حادَّ اللهَ، أوَ لَيسَ بِدُعائِه إيّاكَ حينَ دَعاكَ جَعلوُكَ قُطباً أداروُا بِكَ رَحى مَظالِمهِم وَجِسراً يَعْبُروُنَ عَلَيكَ إلى بَلاياهُم وسُلّماً إلى ضَلالَتِهِم، داعِياً إلى غَيِّهِم، سالِكاً سَبِيلَهُم، يُدخِلوُنَ بِكَ الشَّكَّ على العُلَماءِ، وَيَقْتادوُنَ بِكَ قلوبَ الجُهّالِ إلَيهِم، فَلَمْ يَبْلُغْ أخَصُّ وُزَرائِهِم ولا أقوى أعوانِهِم إلا دوُنَ ما بَلَغْتَ مِن إصلاحِ فَسادِهِم وَاختِلافِ الخاصَّة والعامّة إلَيهم، فما أقَلَّ ما أعْطَوْكَ في قَدْرِ ما أخَذُوا مِنْكَ، وما أيْسَرَ ما عَمَروُا لَكَ، فكَيفَ ما خَرَّبوا علَيكَ، فَانظُر لِنَفْسِكَ فإنّه لا يَنْظُر لَها غَيرُك وحاسِبْها حِسابَ رَجُلٍ مَسْؤول. ثُمّ يضيف الإمام في رسالته قائلًا: مالَكَ لا تَنْتَبِهُ من نَعْسَتِكَ وتَسْتَقِيلُ من عَثرَتِكَ فتقولَ: وَاللهِ ما قُمتُ لله مَقاماً واحداً أحْيَيْتُ بِه لَه دِيناً أو أمتُّ له فيه باطِلًا. فهذا شُكْرُكَ مَن اسْتَحمَلَكَ، ما أخَوَفَني أن تكونَ كمَن قال الله تعالى في كتابه: "أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ‌ غَيًّا" (مريم 59)، ما اسْتَحمَلَكَ كِتابَهُ واستودَعَكَ عِلْمَهُ فأضَعْتها، فَنَحْمَدُ الله الذي عافانا ممّا ابْتَلاكَ بِهِ، والسَّلام‌. انتهى. أقول‌: هذه الرسالة العتابيّة التوبيخيّة القيّمة تكشف لنا عن عمق مرجعيّة الإمام زين العابدين عليه السلام، هذه المرجعيّة التي توغّلت في المجتمع فتابعت شؤونه، وشؤون أفراده خاصّة وعامّة، فلاحقتهم، وأرشدتهم ونصحتهم، وسدَّدتهم، وحذَّرتهم، ليكونوا على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها ولئلا ينزلقوا نحو المهالك. رسالة الإمام عليه السلام كاشفة عن حرصه الشديد على أبناء أمّته، وتلامذته وخاصّته، في مجال استقامة سلوكهم، وطريقة تعاملهم مع الجهاز الأمويّ الحاكم، الذي ضجّ الناس من ظلمه وغيّه، فلذا نجد الإمام يطلب من الزُّهريّ أن يلحق بالصالحين، الذين ليس بينهم وبين الله حجاب، وهم أئمّة أهل الببيت (عليهم السلام) يلحق بهم ليتّبعهم ويسير في ضوء هديهم وتعاليمهم لا بغيرهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/02/07


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • ضرر الفساد في أمثلة (نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) (ح 34)  (المقالات)

    • اشارات قرآنية من كتاب العباس بن علي للشيخ البغدادي (ح 2)  (المقالات)

    •  كلمات متقاربة اللفظ مختلفة المعنى في القرآن الكريم (أسرى، سريا)  (المقالات)

    • ضرر الفساد في أمثلة (ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين) (ح 33)  (المقالات)

    • اشارات قرآنية من كتاب باب الحوائج الإمام الكاظم للدكتور الحاج حسن (ح 4)  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : اشارات قرآنية من كتاب الإمام زين العابدين داعية الوعى للسيد الحسيني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net