حمائم كحمائم الملكوت ترتاد رياض الجنان على الارض ، تعبق بأنسام الولاء ، تتجمع صباحا مع بعضها لتزاحم خطوات الزائرين ، مزهوة تتبختر على ثرى الاطياب ، وشجو هديلها يعانق تلك القباب الشامخة بهجة وسرورا ، وليلا تنعم بأمان من أمان أهل الارض واوتادها .
انها حمائم بقيع الغرقد التي ترفل بحنو على تلك الاضرحة المقدسة للطاهرين من اهل بيت محمد (عليهم السلام) شانها شان جميع حمائم العتبات الطاهرة للال الكرام وتتماهى في عالمها الملكوتي، فهنيهة كانت تحط على ضريح ريحانة الرسول وكريم اهل البيت ، وهنيهة على ضريح زين العباد ، وهنيهة اخرى على ضريح باقر علم الاولين والاخرين ، وتارة على عالم الال وصادقهم ، وتارة اخرى على ضريح ام القمر الساطع والانجم الزاهرة (صلوات ربي وسلامه عليهم اجمعين) ، حتى حانت لحظة تغير فيها كل شيء ، لحظة تهدم فيها ذلك العالم النوراني من منارات وقباب تتسامق للسحاب عزا ، واذا بها بظرف لحظات اصبحت ترابا وانقاضا ، انها لحظة وقف الزمان عندها صامتا واجما ، توفف الزمان في تلك اللحظة ليلملم شتاته ويعلن وقفة الحداد والعزاء المتجدد للاخيار من ال محمد (عليهم السلام) .
انها فاجعة تهديم قبور ائمة البقيع (سلام الله عليهم) , جريمة العصر الشاهدة على بغض الوهابية النواصب وعدائهم لائمة اهل البيت (سلام الله عليهم اجمعين) فهم يخشونهم احياءا وامواتا لانهم رمز الاباء والعز والشموخ ورفض الباطل ومقارعة الظالمين وهم النور الذي لا يخبو (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)*(1)
في صباح الثامن من شوال من عام 1344 للهجرة تطايرت تلك الحمائم فزعة ، واختنقت بعبرتها قبل ان تختنق بذرات الغبار الذي ملا الارجاء بعد التهديم حيث تهدم معها عالمها الملكوتي امام نواظرها لتكون الشاهدة على تلك الجريمة النكراء ، جريمة تهديم قبور الائمة والصحابة والتابعين (رضوان الله عليهم اجمعين) .
وبقيت تلك الحمائم تحوم حول تلك الاضرحة المقدسة بعد ان سويت بالارض لا تعلم ما تفعل سوى التحليق ، وتجمعت ليلا على تلك القبور الدوارس لتبث حزنها وشكواها وتذرف الدمع دما لهول الرزء وكأني بها تترنم وتتمثل بقول الشاعر :
ويك يا شوال اخزيتَ الشهورُ
فيك هُدّتْ لبني الهادي قبورُ
وظلت حمائم البقيع اسيرة حزنها حتى يومنا هذا، حيث استحال هديلها نشيجا يعلوه الترقب والامل لطلعة الموعود من ال محمد (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليشهدوا معه وعلى يديه الكريمتين اعادة بناء تلك الاضرحة المقدسة لائمة البقيع (عليهم السلام) لتحط مجددا على تلك القباب الذهبية في عصر الظهور المقدس لامام الزمان (روحي وارواح العالمين لتراب مقدمه الفدا).
*(1) سورة التوبة / 32.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat