جماليات التصوير في القرآن الكريم
هاشم الصفار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هاشم الصفار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
التصوير أحد الملامح التعبيرية الأساسية في الاسلوب القرآني نمط في الاسلوب الادبي بلغ حد الاعجاز والتأثير النافذ المتغلغل في اعماق النفس. والالفاظ من العناصر الاسلوبية المعتمدة في البناء التعبيري لها جمالها ووقعها وتناسقها نجدها متماسكة متحدة في السياق فلنقرأ قوله تعالى: (يا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالحَياةِ الدنْيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدنيا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) فكلمة (اثاقلتم) وردت في سياق تعبيري يرفد المعنى ويكشف خبايا النفس، استفهام بلاغي يراد به التقريع والتوبيخ، ثم عني الايجاز الكامل والقصد اللفظي الواضح والذي يحمل كثيرا من المعاني والدلالات فعبارة (آمنوا بما انزل الله) حملت معاني كثيرة، واستخدمت الكتابة دون اللجوء الى التصريح، يشع اللفظ القرآني جمالا أداء ودلالة ولكل كلمة صورة بيانية تصور المعنى وتتجمع منها صورة متناسقة كقوله تعالى: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كانَتْ آمِنَةً مُطمَئِنةً يَأْتِيها رِزقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)
الصورة تحكي حالة مكة ولها اطارها المكاني الدال (أمن، أمان، رغد...) ومن جانب آخر نجد (الزهو، الجمال المتألق، والاطمئنان النفسي...) فمفردة (مطمئنة) تعكس الجانب النفسي الأمن، الرغد الهانيء... القرية سيدة نفسها قوية بما تمتلكه نجد ان المفردات منسجمة في تراكيبها ولكن واقع القرية اختلف فنجد قدرة (أذاق) الضرر النفسي، الالم، الجوع، العقاب الذي حل، وعبارة (لباس الجوع والخوف) اللباس مستمر ومتجدد يعطي لـ(أذاق) استمرارية الشعور بالالم والمعاناة.
اختيار الالفاظ يتناسق مع الموقف المراد التعبير عنه فلو تأملنا: (نساؤكم حرث لكم) كناية موحية لطيفة وتصوير دقيق للعلاقة بين الزارع وارضه والزوج وزوجته، ونقرأ قوله تعالى: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الذِي كُنا نَعْمَلُ) لفظة (يصطرخون) تعكس حال الكافرين في جهنم حيث يعلو صوت غليظ محشرج مختلط الاصداء، صوت المنبوذين.
ولنقف امام مفردة غريبة (ضيزى) وتعني لغويا الجور، ضاز: جار، واستخدامها نادر .. وغرابة اللفظ اشد الاشياء ملائمة لغرابة هذه القسمة التي انكرها. وقضية الترادفات استعمال اللفظ بدلالة معينة كالرؤيا والحلم ستجد استخدامها في سورة يوسف: (أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) رؤيا الملك، وجاءت الرؤيا مصحوبة بالانبياء، رؤيا ابراهيم ع: (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) رؤيا يوسف ع: (قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) يقول ابن سينا عن الرؤى الصادقة أنها نوع من الاحلام ينشأ من اتصال الناس بالملكوت، اما الاحلام الناشئة عن الاحساسات البدنية، (اضغاث احلام) ويرى أهل النقد ان الرؤيا للخير والاحلام كما الترادف بين الخشية والخوف يخشى فانه الغيب والساعة واليوم الآخر والخشية لله دون أي مخلوق كقوله تعالى (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحمنَ بِالغَيْبِ) ونقرأ قوله تعالى: (ذلك لمن خشى ربه) والخشية عن يقين صادق، والخوف التسلط أو الارهاب ومفردة الخشوع تأتي لتوضح هذا المعنى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) فسر ابن عباس الخشوع بالخوف وهي درجة اعلى من الخوف وانقى من الخنوع.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat