الإسلام والدفاع الشرعي ح2
الشيخ عبد الرزاق فرج الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ عبد الرزاق فرج الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قلنا في العدد السابق أن هناك قيودا وضوابط ومقاييس للخطر المتوجه، لكي يصدق عليه أنه خطر يبرر حق الدفاع... وتكملة للفقرة (أ) فقد جاء في الجوهر كتاب الحدود: "لا يجوز للمدافع أن يبدأه مالم يتحقق قصده اليه والى عرصته او ماله ولو أن الطريق الظني الذي يتحقق به مثله عرفاً وان صحفه بعد ذلك لو بان خطأه".
ب- كون الخطر حالاً, وتحقق حلول الخطر، إما بكونه وشيك الوقوع في زمن قريب، واما بابتدائه فعلا وحلول خطره، ولا عبرة بالتلوع به في الزمن الآجل، ولذلك لو لوح المعيدي بالخطر ثم ولى هاربا وانتهى خطره فلا يجوز تعقبه واتخاذ الفعل الدفاعي في حقه، وكذلك لو عجز المعتدي عن المضي في اعتدائه لطروء سبب من الأسباب، أو ندم على اعتدائه ليقظة ضميره او خوف العقوبة، فلا محل للفعل الدفاعي في حقه.
ج- كون الخطر غير مشروع، وهو الخطر الذي لا يحمل معه مبررا شرعيا وتكون مسؤولية على المعتدي، لأنه استلزم خرقا او تهديدا لحرمة النفس أو المال او العرض، أيا كان مستوى هذا التهديد، وسواء كان هذا التهديد يعود على نفس المعتدي كمن يحاول الانتحار، أو على غيره فبما أنه خطر غير مشروع فانه يستوجب الاجراء الدفاعي لمنع هذا الخطر. انظر كتاب الحدود/ في الجواهر/ وشرائع الاسلام ومن لا يحضره الفقيه 4/ 67-68 والمحلي لابن حزم 11/13.
ولذا فان تأديب الوالد لولده، واجراء الطبيب عملية جراحية بقصد العلاج، وغيرها من الأخطار المبررة التي لا تستلزم مسؤولية على فاعلها، فانها لا تشرع مقاومتها لأنها أخطار مشروعة.
فعلى هذا الاساس اذن من الضوابط والقيود تتحدد كيفية الدفاع وقد وفرت الشريعة الاسلامية وسائل لصد العدوان، أو لمنع استمراره او لزوم المعتدي، آخرها الدفاع الوقائي الممنوح للمعتدى عليه، فمن هذه الوسائل:
أولا: بناء الوازع الداخلي، بمعنى ما توجده العقيدة وتبنيه في نفس الانسان من التزام بأوامر الشريعة، وانسجام مع ضوابطها وحدودها حتى في لحظة ارتكاب الجرم او الاعتداء في حق الغير، لمن يستيقظ ضميره ويصحو عقله فيكف عن اعتدائه ويتوب من بغيه: (قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق) الاعراف: 33.
ثانيا: الرقابة العامة التي يمارسها افراد المجتمع بعضهم تجاه بعض تطبيقا لقواعد التكافل والتضامن الاجتماعي، على صيانة الحقوق وانصاف الناس: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..) التوبة:71.
ثالثا: قانون (العقوبات) وهي الاجراءات الرادعة التي تمتلك السلطة العليا في المجتمع حق توقيعها على المجرمين والمعتدين: (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) المائدة: 33.
رابعا: حق الدفاع وهو الوسيلة الوقائية الرابعة، وذلك عند لحظة غياب القانون أحيانا أو غيره من الوسائل الاخرى عن مكافحة العدوان او منع وقوعه، فقد شرعت الشريعة الاسلامية حق الدفاع وجعلته واجبا في أغلب الاحيان كما في مورد تعرض المعتدى عليه الى الهلكة، ومباحا في بعض الحالات التي لا يشكل الخطر تلفا للحياة أو بعض قيمها ومقدساتها، فجعلت للانسان الحق في ممارسة الدفاع بنفسه عن نفسه، حسب ما يراه فقهاء الشريعة على مستوى كافة المذاهب الاسلامية.
قال فقهاء الحنفية: في من استقبله عدو (ومعه مال لا يساوي عشرة، حل له أن يقاتله لقوله ع: (قاتل دون مالك...) واسم المال يقع على الكثير والقليل، ويجوز أن يقاتل دون ماله وان لم يبلغ نصابا) انظر فتح القدير لابن همام 8/269 وغيره من المصادر.
وقال الفقهاء الحنابلة (من صال على نفسه أو نسائه أو ولده أو ماله ولو قل بهيمة أو آدمي ولو غير مكافئ أو صبي او مجنون في منزله أو غيره ولو متلصصا ولم يخف أن يبدره الصائل بالقتل دفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به) انظر الاقناع للجحاوي 4/289 والمقنع لابن قدامه 3/507.
وقال فقهاء المالكية: (أو شهر عليه عصا ليلا في مصر أو نهارا في طريق في غير مصر فقتله المشهور عليه عمدا فلا شيء عليه) انظر موطأ مالك 2/749.
وقال فقهاء الشافعية: (له أي للشخص دفع كل صائل مسلم وكافر وحر ورقيق ومكلف وغيره عن معصوم من نفس وطرف واهل ومال وان قل) انظر حاشية الشرقاوي على التحف 2/441 وغيرها من المصادر.
وقال فقهاء الامامية: (وللانسان أن يدافع عن ماله كما يدافع عن نفسه في جميع المراتب، وان يقتل المحارب واللص والظالم دفاعا عن نفسه وحريمه وماله وان قل..) انظر كشف اللثام في شرح قواعد الأحكام كتاب الحدود، ومن لا يحضره الفقيه، والجواهر كتاب الحدود وغيرها من المصادر.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat