صفحة الكاتب : صفية الجيزاني

الامام الصادق (ع) من الاحضان الى الاكفان
صفية الجيزاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في يوم شابه بتاريخه ليوم اشرقت فيه شمس النبوة، يوم ترقب فيه آل البيت سطوع نور من انوار الدوحة الهاشمية ولمعان نجم من نجومها، كان يوما مفعما بالافراح والمسرات و الرياحين لانه يوم السابع عشر من ربيع الأول ذكرى ميلاد خاتم الانبياء والمرسلين. ولد سليل النبوة ومعدن العلم ووريث علوم الانبياء والاوصياءالامام الصادق عليه السلام، جاء لكي ينشر شذاه في افق الاكوان، فتلقفه جده الامام زين العابدين عليه السلام في الاحضان، وغمره بالحب والعطف والحنان.. ثم تناوله والده الامام الباقر عليه السلام واجرى عليه المراسيم الشرعية من الاذان والاقامة والتصدق والعقيقة، تربى امامنا في حضن ام هي اتقى نساء زمانها، جليلة مكرمة، وكان الامام الصادق عليه السلام يقول عنها (كانت امي ممن آمنت واتقت وأحسنت) "١.عاش الامام الصادق عليه السلام تحت رعاية جده الذي كان يغذيه بكل معاني السمو والشموخ وعناية ابيه الذي كان يزق اليه العلم والكمال، فأحتضنته انوار الحكمة ومعادن الاخلاق والعلم والزهد والعبادة، فأنطبعت روحه بآثار هذه الانوار القدسية وكان هذا اصله الكريم ومهده المبارك فنما هذا الغصن اليافع حتى اصبح شجرة باسقة يستظل بها كل طالب للحقيقة.. 

يذكر ابن بابويه والقطب الراوندي ان الامام زين العابدين عليه السلام سئل:من الامام بعدك؟ قال محمد ابني بقر العلم بقرا، قيل ومن بعده؟ قال:من بعد محمد جعفر، اسمه عند اهل السماء الصادق، قيل:كيف صار اسمه الصادق، وكلكم الصادقون؟فقال:حدثني ابي عن ابيه ان رسول الله (ص) قال:اذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسموه الصادق، فأن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الامامه اجتراء على الله وكذبا عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب، المفتري على الله) " 2.
تصدى الامام الصادق لموقع الامامة بعد ابيه الامام الباقر سنة 114هجرية . انصرف الى بناء الامة الاسلامية علميا وفكريا واخلاقيا وعقائديا حيث استطاع ان يؤدي رسالته بكل حكمة وحنكة ففجر ينابيع العلم والمعرفة حتى تتلمذ على يديه اربعة الاف طالب نشروا العلم في جميع البلدان الاسلامية. 
عرف الامام بحلمه وكرمه وسخاءه. مر المفضل وهو من اصحاب الامام الصادق عليه السلام على رجلين يتشاجران في الميراث فوقف عندهما ثم قال لهما تعالوا الى المنزل، فأتياه، فأصلح بينهما باربعمائة درهم فدفعها اليهما من عنده حتى اذا انتهى الشجار وتراضيا بالميراث وبما دفعه اليهما المفضل قال:اما انها ليست من مالي ولكن ابو عبدالله امرني اذا تنازع رجلان من اصحابنا الشيعة في شيء ان اصلح بينهما بالمال، فهذا من مال ابي عبد الله عليه السلام) 3.
اما في علمه فان عشر معشار علمه لما يعرف، بل ماهو الاقطرة اخذت من بحر، وقد أخذ من علمه الصديق والعدو ممن اعترف بعلمه وفقهه عليه السلام. روي ابن شهر اشوب عن مسند ابي حنيفة ان الحسن بن زياد قال :سمعت ابا حنيفة وقد سئل:من افقه من رأيت؟ قال :جعفر بن محمد. 
وروي الشيخ الصدوق عن مالك بن أنس فقيه اهل المدينة وامام اهل السنة قال:كان رجلا(ويقصد الامام) لا يخلو من إحدى ثلاث خصال:اما صائما واما قائما واما ذاكرا وكان من عظماء العباد واكابر الزهاد، والذين يخشون الله عزوجل.. 
لقد امتاز عصر الامام الصادق عليه السلام بالانقسامات السياسية والمذهبية خاصة في عهد المصور الدوانيقي، حيث ظن الاخير بأن الامام هو اليد التي تحرك كل ثورة ضده. فواجه الامام هذه الانقسامات واستطاع ان يحافظ على رونق الاسلام وحارب المذاهب المنحرفة وذلك باظهار لسنة وسيرة جده رسول الله(ص). فكان سلاح الامام عليه السلام هو الدعوة الى الاصلاح بهدوء وصمت وكان يتحمل اذى الحكام الظلمة له ولاصحابه ولشيعته وذلك حفاظا على روح الاسلام وبهذا السلاح استطاع ان يحافظ على، الهيكل العام للاسلام المتمثل بالطائفة الشيعية الحقة. كما ان الحركة العلمية التي اوجدها الامام والتي تمثلت بالحوارات والمناظرات وتاليف الكتب ومحاربة البدع كانت تمثل اقوى حركة اجتماعية وسياسية، لذلك سعى المنصور العباسي للتخلص من الامام الصادق وتصفيته جسديا لايقاف هذه الحركة العلمية الواسعة النطاق. فصعد المنصور من التضييق على الامام عليه السلام ومهد لقتله، فتتابعت المحن والشدائد على سبيل النبوة وكبير معلمي الفكر الإسلامي، وبدأ المقطع الاخير من حياته الشريفة، فأعلن الامام بدنو اجله المحتوم وان لقاءه بربه قريب .. وقد عرف المنصور ان افضل طريقة للخلاص منه هي بدس السم اليه عبر وكلاءه. 
فسقي امامنا بالسم وانتقل الى الرفيق الاعلى بجوار جده وأمه فاطمة الزهراء في الخامس والعشرين من شوال سنة 148هجرية وهو يودعنا على أمل المضي على نهجه في مقارعة الظلم و الظالمين باسلوب يتلائم والعصر.. 
................................. 
1-منتهى الامال ج2 ص160
2ـنفس المصدر ص159


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صفية الجيزاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/04



كتابة تعليق لموضوع : الامام الصادق (ع) من الاحضان الى الاكفان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net