صفحة الكاتب : محمد جواد الكاظمي

الإمَامُ الصَادِقُ (عليه السلام).. مَوْسُوعَةُ عِلْمِ النُبُوَّة..
محمد جواد الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  لقد امتُحِنت الأمّة الإسلاميّة منذ بواكير القرن الأوّل الهجري، بمكائد السياسة التي حوّلت الدين لخدمة الحاكم، الأمر الذي أدى إلى اجتراء الضالين على المقدس الإسلامي، فقُتل الأئمّة المعصومون الثلاثة الأوائل (علي بن ابي طالب، والحسن، والحسين عليهم السلام)، وأصبح المناخ الفكري للأمّة الإسلاميّة، مستعداً لاستقبال الأفكار المنحرفة والضالة مثل أفكار الخوارج بزعامة (عمران بن حطان)، وأفكار الدهريين بزعامة (الديصاني)، وأفكار الملحدين والزنادقة بزعامة (ابن ابي العوجاء).

الأمر الذي جعل من الإمامة المعصومة في تلك الفترة، المتمثلة بـ(الإمام السجّاد والإمام الباقر والإمام الصادق عليهم السلام)، أنْ تطرح مشروعها الفكري العميق، للتصدي للأفكار الهدّامة التي انتجتها العقليّات المنحرفة، لإنقاذ الأمّة الإسلاميّة من محنة التخبط والضياع وتصحيح ما اعوجّ من مساراتها. فركّز الإمام السّجاد (عليه السلام) ابتداء، بالتذكير والعودة إلى الله سبحانه، وتأكيد مخافته وخشيته تعالى في نفوس الناس، ونبذ الظلم والعدوان.
 ومن بعده استكمل المسيرة النهضويّة الإمام الباقر (عليه السلام)، بتركيز المفاهيم العلميّة والعمليّة الصحية، الداحضة لتلك الأفكار الهدامة، والتأكيد على مبدأ إقران العلم بالعمل، فكان قوله (عليه السلام): (إذا استمعتم العلم فاستعملوه)، فكان هذا الحديث يمثل شعارَ مرحلته. وعندما انتقلت الإمامة العصمويّة المباركة الى الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، عام مائة وأربعة عشر من الهجرة المباركة، كان الإمام الصادق (عليه السلام)، يعيش فترات ذهبيّة من الخصب الفكري والنضج المعرفي الذي تفتق عن الذهنيّة العلميّة الإسلاميّة، في ظل حياة أبيه وجده (عليه السلام)، فقد بقي الإمام الصادق (عليه السلام)، مع جده سيّد الساجدين الإمام زين العابدين (عليه السلام) اثنتي عشرة سنة، وعاش مع أبيه باقر علوم الأولين والآخرين (عليه السلام) تسع عشرة سنة، تزامنت فترة إمامة الصادق (عليه السلام) مع جوّ سياسي مضطرب، ينذر بأفول الدولة الأموية وولادة الدولة العباسيّة، وتبلور مرحلة جديدة لها نشاطها السياسي والفكري الخاص، بات وشيك الحدوث.
أمّا على مستوى الجوّ الفكري الإسلامي السائد في عصره، فقد عاش الإمام الصادق (عليه السلام)، في وقت كانت فيه ثلاث مدارس إسلامية، كلّ يطغى عليها اختصاص معيّن: الأولى تختصّ بمركزيّة الفقه، هي مدرسة الحجاز الفقهية، والثانيّة تختص بمركزيّة الفكر الفلسفي، وهي مدرسة الكوفة الفلسفيّة، والثالثة تختص بمركزيّة علم الكلام، هي مدرسة البصرة الكلاميّة.
 وكان لابدّ على الإمام الصادق (عليه السلام)، أنْ يترك بصماته الفكريّة الواضحة، على الميدان الفكري السائد آنذاك، فانبرى (عليه السلام) لمهمة التدريس، ناشراً بين الناس العلوم المختلفة، فدرّس (عليه السلام) علوم القرآن والتفسير، ودرّس علوم الحديث النبوي الشريف، كما درّس علوم الفقه، إضافة إلى العلوم الأخرى المتشعبة من هذه العلوم.
وجدير بالذكر أنّ الإمام الصادق (عليه السلام)، قد استثمر مرحلة الاسترخاء السياسي، الذي ساد في الفترة المحصورة بين نهاية الدولة الأمويّة، وبداية الدولة العباسيّة، واستطاع أنْ يوظف هذا الظرف لخدمة الفكر الإسلامي، من خلال المناقشات والمطارحات الفكريّة، مع رواد التيّارات الفكريّة المختلفة، ومع العلماء ذوي الاتجاهات الفقهية أيضاً، على اختلاف وجهات نظرهم.
 فكان الإمام الصادق (عليه السلام) بحقّ، هو العالم الموسوعي الذي استطاع أنْ يحتوي كلّ تناقضات الساحة الإسلاميّة الفكريّة منها والمعتقديّة والفلسفيّة والكلاميّة، لا بلّ أكثر من ذلك، فقد برع الإمام الصادق (عليه السلام)، بعلوم تجريبية صرفة، كما يصطلح عليها الآن مثل علوم الكيمياء والفلك، فأنتج جابر بن حيان الكوفي، فلتة عصره في هذا المجال.
 لقد بلغ عدد الرجال الذين درسوا عند الإمام الصادق (عليه السلام)، أربعة آلاف طالب علم، ثمّة درس مهم يجب أنْ نتعلمه من أدب الإمام الصادق (عليه السلام)، الذي أدب أصحابه على روح الانفتاح على الآخرين، والتفاعل مع أفكارهم، باعتبار الإسلام كلّ يضم جميع المفردات الثانويّة، وميدان يستوعب جميع الآراء الأخرى، شريطة أنْ تكون غير متعارضة مع القرآن والسنة الشريفة. فقد سُئل (عليه السلام): (ماذا نفعل مع الذين نختلف معهم في التوجهات الفقهيّة، فقال (عليه السلام): (عودوا مرضاهم، وشيعوا جنائزهم، وصلوا جماعتهم، حتى يقولوا (رحم الله جعفر بن محمد فلقد أدب أصحابه) كما كان يقول (عليه السلام): (كونوا زيناً لنا، ولا تكونوا شيناً علينا).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat

  

محمد جواد الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/07



كتابة تعليق لموضوع : الإمَامُ الصَادِقُ (عليه السلام).. مَوْسُوعَةُ عِلْمِ النُبُوَّة..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :



أحدث التعليقات كتابة :



  علّق شیخ الحق ، على دور ساطع الحصري في ترسيخ الطائفية (الفصل السادس) - للكاتب د . عبد الخالق حسين : فعلا عربان العراق ليسوا عربا هم بقايا الكورد الساسانين و العيلامين. فيجب ان يرجعوا إلى أصولهم و ينسلخوا من الهوية المزورة العروبية.

 
علّق الحسن لشهاب.المغرب.بني ملال. ، على ضعف المظلومين... يصنع الطغاة - للكاتب فلاح السعدي : جاء في عنوان المقال: ضعف المظلومين... يصنع الطغاة، بينما الحقيقة الشبه المطلقة، هو ان حب و تشبث النخب العربية بأموال الصناديق السوداء و بالمنافع الريعية و بخلود الزعامة السياسية و النقابية ،و حبهم لاستدامة المناصب الادارية العليا و حبهم في الولوح الى عالم النخبة ,,هو من يصنع الطغاة بامتياز؟؟؟ بالاضافة بالطبع الى رغبة الغرب المنافق في صناعة الطغاة من اجل ردع و قمع الشعوب المسلمة ،المتهمة بالارهاب و العنف الديني,, و حتى و ان قرر الغرب بعد فضيحة فساد البرلمان الاوروبي ،التخلي عن الطغاة و التمسك بالقانون ، فانه و للاسف الشديد ،،النخب لم تتخلى عن هذه الطغاة,

 
علّق بهاء حسن ، على هل هذا جزاء الحسين عليه السلام ؟ - للكاتب سامي جواد كاظم : ماهو مصدر القصة نحن نعلم ان بجدل هو قطع الخنصر المقدس، لكن القصة وضيافة الامام له ماهو مصدرها

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق ا. د. صالح كاظم عجيل علي ، على أساتذة النحوية في مدرسة النجف الاشرف* - للكاتب واثق زبيبة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ الكريم استاذ واثق زبيبة المحترم هذا المقال هو جزء من أطروحة دكتوراه الموسومة بالدرس النحوي في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف عام ٢٠٠٧ وكل الترجمات الموجود في المقال مأخوذة نصا بل حرفيا من صاحب الأطروحة فلا اعرف لماذا لم تذكر ذلك وتحيل الى كتب تراجم عامة مع ان البحث خاص باطروحة جامعية ارجو مراجعة الأطروحة مرة أخرى الباب الأول الفصل الأول من ص ١٥ الي ص ٢٥ فضلا عن المغالطات العلمية الواردة في المقال على سبيل المثال (مدرسة النجف النحوية!!!) تحياتي

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق سليمان علي صميدة ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق سليمان علي صميدة ، على الكخباد قادم يا أبناء الأفاعي - للكاتب سليمان علي صميدة : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق حسين ، على (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، هل صدق القرآن في ذلك؟ (1) مع الأب الأقدس القس مار يعقوب منسي. - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : السلام عليكم  حسب ما ورد من كلام الأخت إيزابيل بخصوص ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين)كلامها صحيح وسائرة على نهج الصراط المستقيم . اريد ان اجعل مدلولها على الاية الكريمةالمذكورة أعلاه بأسلوب القواعد وحسب قاعدتي ؛ [ ان الناس الذين مارسوا أفعال وأقوال شريرة ضد دين زمانهم واشركوا بالله الواحد الاحد فهم في خانة المغضوب عليهم ان ماتوا ، وان كانوا بعدهم أحياء ولم تأتي قيامتهم أثناء الموت فهم في خانة الضالين عسى ان يهتدوا إلى ربهم الرحمن قبل موتهم فإن ماتوا ولم يهتدوا فتنطبق عليهم صفة المغضوب عليهم وهذه القاعدة تنطبق على كل البشر والجن ( والملائكة أيضا اذا انحرفوا كما أنحرف أبليس فصار شيطانا . ) اقول ان سورة الحمد وهي ام الكتاب حقا قد لخصت للجميع مايريده الله العلي العظيم .

 
علّق س علي ، على انتخابات الرجال زمن الرعب في النجف الاشرف - للكاتب الشيخ عبد الحافظ البغدادي : سلام عليكم شيخنا الجليل ممكن ان احصل على طريقة للتواصل مع الشيخ المطور جزاكم الله الف خير كوني احد بناء الذين ذكرتهم جزاكم الله الف خير

 
علّق مروان السعداوي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الاسديه متواجدة في ديالى وكركوك وكربلاء وبعض من اولاد عملنا في بغداد والموصل لاكن لايوجد اي تواصل واغلبنا مع عشائر ثانيه

 
علّق د. سندس اسماعيل محسن الخالصي ، على نطاق أرضية الحماية الاجتماعية في الإسلام - للكاتب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات : مقالة مهمة ومفيدة بوركت اناملكم وشكراً لمدونة كتابات في الميزان

 
علّق حعفر البصري ، على كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم الثالث - للكاتب حميد الشاكر : سلام عليكم لفض هذا الاشتباك بين كاتب المقال والمعلقين أنصح بمراجعة أحد البحوث العلمية في نقد منهج الدكتور على الوردي والباحث أحد المنتمين إلى عائلة الورد الكاظمية، اسم الكتاب علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية للدكتور سليم علي الوردي. وشكرا.

 
علّق محمد زنكي الاسدي الهويدر ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الأسديه أبطال

 
علّق سنان السعداوي الاسدي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : الله حيوا رجال بني أسد في السعديه.

الكتّاب :

صفحة الكاتب : امير الصالح
صفحة الكاتب :
  امير الصالح


للإطلاع على كافة الكتّاب إضغط هنا

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net