اتجاهاتُ التجديد في الأسلوب العربي
مقداد محمود عباس
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مقداد محمود عباس
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لقد اصطبغت توجهات المجددين من الأدباء والمفكرين في الأسلوب العربي بملامح رئيسة، فقد كانوا على مذاهب شتّى، تناسبت مع منطلقاتهم الفكرية، في معالجة مسألة التجديد التي شغلت المناخ الأدبي شطراً من الزمن، ويمكن حصرهم في عدّة مجموعات من الأدباء والنقّاد، تعالت أصواتهم بلا حرج، مصرّحين عن مبادئ معيّنة، مثلت لدى المتلقين إعلاناً واضح التوجُّه، عن طبيعة رؤاهم، فالتجديد من خلال تحقيق الذات بالأسلوب، هو إحدى الرؤى التي نظرت من زاوية تحقيقه لذاتية الأديب، وقدرته على التعبير عن طبيعة شخصيته بأكبر قدر ممكن من العفوية، مع الاهتمام بما تتطلبه اللغة من قواعد وأنظمة لغويّة معروفة. وكان على رأس هؤلاء (عباس محمود العقاد)، الذي عبّر عن مسألة القديم والجديد، عند تعليقه على الخصومات التي دارت بين الرافعي وسلامة موسى، فكان يرى أنّ الفريقين - أي أنصار القديم والجديد - متفقان على أنّ الفضل ليس للقديم لقدمه، ولا للجديد لجدته، بل جوهر الأمر يكمنُ في تَجلِّي شخصية الأديب المطبوعة على القول الواضح السهل المتجنب للتكلف والتعقيد، فلا يقلِّدُ غيره من الكتّاب، ولا يتصنّعُ في أسلوبه إلى الحد الذي قد يطمس فيه شخصيته، فيشغلُ المتلقي بزُخرف القول الخاوي، فلا يخرج بمفيد من جهة المعنى، ومثل هذا الأديب إذا تُرجم إلى لغة أخرى لم يبق منه شيءٌ.
ويُعضِّد العقاد ما ذهب إليه، فيبيِّن ضرورة أن يجمع الأسلوب بين الجمال والسهولة، ولا يمنعُ ذلك من بقاء الاحتفاظ بالتفرّد والخصوصية لشخصيّة الأديب، مستفيداً من وجهة نظر خاضها الأدب الفرنسي حول هذه الفكرة مـن قبل، فقد دارت مناقشةٌ بين الأديب الفرنسي (أناتول فرانس)، وبين آخر، حول الأسلوب في الأدب الحديث، وأساليب المستقبل، من خلال التركيز على فنيّة الأدب بالمقام الأوّل، إذ قال فرانس: (… كلما أنعمتُ النظر، بدا لي أنه لا جميل إلا السَّهل! فقد فرغتُ من ذوق الغوامض، وصرتُ أرى أنّ الشاعر أو القاص الذي لا يُعاب، هو الذي يتجنّبُ أن يُكلِّف قارئه أيّ تعب، ولو كان هيناً، وأن يجشِّمه أيّةَ صعوبةٍ ولو كانت طفيفة، وخيرٌ له أن يفاجئ إلتفات القارئ، ولا ينتزعه منه إنتزاعاً، وأن يحذر التعويل على صبر القُرّاء المطّلعين، وأن يعتقد أنّه لا يُقرأ إلا إذا قُرِئ سهلاً، فللعلم حقُّ الانتباه والتأمل علينا؛ وليس للفنون ذلك الحقّ؛ لأنها بطبيعتها تسرُّ ولا تفيد، ووظيفتها أن تعجب ولا وظيفة لها غير ذلك، فيجب أن تكون جذّابة بغير شرط… فهناك فرقٌ بين قصيدة تُغنَّى ومقالةٍ تُكتـب في الهندسة الوصفيّة).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat