نفائسُ العتبة العباسية المقدسة : السقايا والقِرَب
علي الصفار الكربلائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي الصفار الكربلائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ساقي العطاشى إليكم حنَّتِ القِرَبُ
جاءتْكَ عطشى بنارِ الشوقِ تلتهبُ
واقبلتْ رَغمَ سهمِ الغدرِ صارخةً
كفَّ الإباءِ لِيَجثُوا عندك الذهبُ
العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قمر بني هاشم، وحامل لواء الإمام الحسين (ع) وكبش كتيبته، والعلامة من معسكره.. إضافة لكل الصفات الكمالية، عُرفَ بها أبو الفضل (ع) من شجاعة ووفاء وايثار وولاء لمحمد وآل محمد (ص)؛ فقد اشتهر بلقب الساقي والسقّاء، وقال الشاعر:
إذا كان ساقي الناس في الحشر حيدر
فساقي عطاشى كربلاء أبو الفضل
أمرَه الإمامُ الحسين (ع) أن يطلبَ الماءَ للأطفال يوم عاشوراء، فذهب الى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع ! فنادى بصوتٍ عالٍ: يا عمر بن سعد: هذا الحسين ابن بنت رسول الله (ص) قد قتلتم أصحابة وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء، لقد أحرق الظمأ قلوبهم. ولكن الشمر صاح بأعلى صوته: يا ابن أبي تراب، لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت ايدينا، لما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.
فرجع إلى أخيه يخبره، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش، فثارت به الحمية الهاشمية والغيرة العلوية, وصدق المرحوم هاشم الكعبي إذ قال:
يوم أبو الفضل تدعوا الظاميات به
والماءُ تحت شبا الهنديةِ الخذمِ
والخيلُ تصطك والزغفُ الدلاصُ على
فرسانِها قد غدتْ ناراً على علمِ
وأقبلَ الليثُ لا يلويه خوفُ ردىً
بادي البشاشة كالمدعو للنعمِ
يبدو فيغدو صميمُ الجمعِ منقسما
نصفين ما بين مطروحٍ ومنهزمِ
وسار ولواءُ الحمد يرفرفُ فوق رأسه، وأزاح الفرسان عن الفرات، بعد أن جدل أبطالهم، وهزم شجعانهم، ونزل إلى الفرات مطمئناً بعد أن جَلا كتائبَ ابن سعد.
يقول الشيخ حسن مصبح الحلي (رحمه الله):
جلاها بمشحوذِ الغرارين أبلجٍ
يدبُّ به للدراعين حمامُها
فحلّأَها عن جانب النهر عنوةً
وولت هواديها يصل لجامُها
ثنى رجله عن صهوة المهر وامتطى
قرى النهر واحتل السقاء همامُها
وهبَّ إلى نحو الخيام مشمّراً
لريِّ عطاشى قد طواها أُوامُها
فالعباس بن علي ساقي عطاشى كربلاء, ولهذه الخصوصية تهدى لحضرته القرب والسقايا وكشاكيل الماء، حتى أصبحت القربةُ رمزاً واشارة له في تراثنا وشعرنا وأدبنا أدب الطف.
ومما أهدي للعتبة العباسية المقدسة في هذا الخصوص، وعُرض في متحف الكفيل، قربة مصنوعة من النحاس، مطلية بالذهب، عليها نقوش وزخارف جميلة، في وسطها طرة مكتوب في وسطها (سكينة بنت الحسين) وكأن سكينة وأطفال الإمام الحسين (عليه السلام) وعياله، مازالوا عطاشى يستصرخون أبا الفضل، ويطلبون منه الماء؟ أ ولا يعلمون ما صنع السهمُ بعينه؟ وما فعل العمودُ برأسه؟ وبأي يدٍ يقدمُ لهم الماء؟!
أما حامل هذه القربة الذهبية، فهو عبارة عن سلسلةٍ جميلةٍ مذهّبة.
ولسان حال هذه القربة:
ساقي العطاشى إليكم حنَّت القربُ
جاءتك عطشى بنار الشّوق تلتهبُ
وأقبلت رغمَ سهمِ الغدرِ صارخةً
كَفَّ الإباء لِيَجثوا عندك الذهبُ
وهنالك قربتان أُخريان صُنعتا من الفضة الخالصة، يعرضان في متحف الكفيل، يزدانان جمالاً بالزخارف والنقوش، يزهران ببريق اللجين، ويزدادان بهاءً، مهما يرتميان في حضرة قطيع الكفين.
وصدق السيد جعفر الحلي (رحمه الله)، إذ يقول في حق أبي الفضل (عليه السلام):
ولو استقى نهرَ المجرةِ لارتقى
وطويلُ ذابله اليها سُلَّمُ
في كفّه اليسرى السقاء يقلّه
وبكفه اليمنى الحسامُ المخذمُ
مثل السحابة للفواطم صوبه
ويصيبُ حاصبة العدو فيرجمُ
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat