راهب بني هاشم.. الإمام الكاظم (ع)
صباح محسن كاظم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صباح محسن كاظم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حياة ملؤها الألم والأسى والسجن والمحن والخطوب، لم تثنِ الإمام السجين عن الشكر لله والعرفان لآلائه وإحسانه؛ ولم تجده يذعن للشكوى والتذمر والجزع ووحشة السجن، بل تحكم بالصبر على مشقة تلك الوحشة، من خلال إرادته في الهيمنة على كباح جماح النفس بالتقوى والإيمان، والتفرغ للعبادة والدعاء والذوبان الإلهي المحض في شكر الخالق، وهو بأقسى المحن، محنة الغرف المظلمة، وغلظة القلوب القاسية، والانقطاع القسري عن الأمة.
فمنفى الجسد – في السجن - لم يبعده عن الدعاء للأمة بالخلاص من بطش الطغاة العباسيين الذين أجرموا بحقه، بعزله عن القواعد الشعبية والجماهير، وهذا ديدن الطغاة بكلّ عصر ومصر في مقاومتهم لدعوات الحق من قبل الأنبياء والصالحين؛ فهم يلقون بهم في ظلمة وقعر السجون، أو يعاملونهم بالنفي والمطاردة، والمحاصرة، لكن إرادة الحق للمعصوم تنتصر وإن غُيّب أو سُجن أو استشهد، فالتاريخ يدون فضائله ومناقبه وسيرته، ويُدرس بكل عصر وزمان كمثال يُحتذى به للوقوف بوجه الباطل ونصرة الحق، والانتصار للحقيقة بالصمود بوجه الرذيلة، ولدحض شعارات وأساليب البغاة، وشتان بين الصلاح والخراب، فمسعى الطغيان موئله الزوال، فيما منار الإصلاح في السيرة العطرة لأئمة الهدى والتقى والورع هي معرفة تعد إشعاعاً من نور الهداية، ونور التكامل، ليستقى من مسيرتها العبر للشعوب، ولجميع المؤمنين الذين يواجهون قسوة الطغاة.
ففي حياة الشعوب دروس من الأكاسرة والقياصرة والمستبدين الذين يشيدون قلاعهم وقصورهم وحصونهم من جماجم الضحايا، وعلى ضلوع الفقراء؛ فيما دعوة الإصلاح والإيمان والخير من الأنبياء والمعصومين تتلألأ كالنجوم الزاهرة في الوجود.
إمامنا السجين كاظم الغيظ (ع) تغلب بإرادته وعصمته وملكته وكمالاته الأخلاقية والروحية على محنة السجن، وظلمة القبو، ووحشة المعاملة.. ليعلمنا مواجهة قسوة ووحشية القتلة المرعوبين من النُساك والعُباد والزُهاد الذين لا يحملون سلاح المواجهة، لكن قلوبهم تحمل مقاومة الأشرار، وسلاح الإيمان أمضى وأقوى، فبصيام إمامنا الكاظم (ع) في نهاره وقيامه بليله، تخلص من الرزء الذي وضعه فيه اللارشيد العباسي الذي بهر بما رآه من تقوى الإمام وعبادته فقال بحقه: (إنه من رهبان بني هاشم).
وحتى عندما سجن إمامنا التقي في بيت السندي بن شاهك، أقبل على عبادة الله تعالى، فكان منشغلاً ومتأملاً وذائباً بذكر الله... وقد ذكر الباحث الكبير باقر شريف القرشي في دراسته عن حياة الإمام (ع) ص8:
(كانت عائلة السندي تطل عليه، فترى هذه السيرة التي تحاكي سيرة الأنبياء، فاعتنقت شقيقة السندي فكرة الإمامة، وكان من آثار ذلك أن أصبح كشاجم حفيد السندي من أعلام الشيعة في عصره. إنها سيرة تملك القلوب والمشاعر، فهي مترعة بجميع معاني السمو والنبل والزهد في الدنيا والإقبال على الله...).
لقد كظم الإمام غيظه من أجل الرضا لخالق السموات والأرض، وتلك المقاومة السلمية الاحتجاجية لعدم مداهنة الباطل لبني العباس، الذين أوغلوا بحقدهم حد الإسراف والولوغ بالدماء الزكية، والأنفس الطاهرة المطهرة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat