الانفصــال عــن الــذات
فاضل حاتم الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فاضل حاتم الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من الأمور التي تعاني منها البشرية اليوم ويعدها علماء النفس من الأزمات النفسية الخطيرة هو انفصال الإنسان عن ذاته وانشغاله عنها بدوامة الرغبات والشهوات المادية لدرجة انه يشعر تجاهها بالنسيان , قد يكون هذا الكلام في بادئ الأمر صعب الاستيعاب والهضم لكن نجده من الحقائق القرآنية التي أكد عليها في أكثر من موضع , قال تعالى : ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ ( الحشر :19 ) , وقال تعالى أيضا :﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾. ( طه : 125 -126 ) .
وتنشا حالة النسيان للذات عند الاستغراق بالاهتمامات المادية والرغبات الجسمية وإهمال البعد الروحي وتجاهل المشاعر والأحاسيس , ورد عن رسول الله ( ص) انه قال : لو أن لابن ادم وادٍ مالاً لأحب أن له إليه مثله , ولا يملأ عين ابن ادم إلا التراب . ( صحيح البخاري ) , فكلما يشبع الإنسان رغبة معينة ظهرت له رغبة أخرى جديدة ليشبعها , وهكذا تراه يدور في دائرة مفرغة ينساق معها حالة من الخواء الروحي متفاقمة في داخله حتى تصل به الى مرحلة لاضطراب والتوتر النفسي الذي تلازمه مجموعة من الإمراض الفتاكة مثل القلق والخوف واليأس والإحباط تصل الى الانتحار والإدمان على المخدرات وحالات العنف الأسري وغيرها , قال تعالى : ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾. ( طه: 124) , وورد عن الإمام الصادق (ع ) انه قال : مثل الدنيا كمثل ماء البحر , كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله . (الكافي , 2 : 136 ) .
وهنا تأتي أهمية تركيز الشريعة الإسلامية على البعد الروحي عند الإنسان من خلال التحرر من قيود الشهوات واستحضار ذكر الله تعالى لأنه يمنحه شعوراً بالسعادة والاطمئنان , قال تعالى : ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾. ( الرعد : 28 ) , كذلك يعرفه المبدأ والمنتهى وان يعيش بواقعية في الحياة ويتعامل مع أحداثها ومتغيراتها دون أن تشغله عن هدفه الحقيقي ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) لان الانشغال عن الهدف الحقيقي وعن ذكر الله تعالى أيضا من أسباب نسيان الإنسان لنفسه فيحتاج الإنسان الى ما يحيي به ذاته كالاستماع الى الموعظة وقراءة القران وتذكر الموت , والاستماع لصوت الضمير والوجدان واستحضار الرقابة الإلهية والمشاركة في البرامج العبادية , ورد عن الإمام الرضا (ع) انه قال : من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب . ( ميزان الحكمة , 1 : 399 ) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat