صفحة الكاتب : علي الصفار الكربلائي

نفائسُ العتبة العباسية المقدسة : المصحف الشريف من القرن العاشر الهجري الموقوف للروضة المباركة
علي الصفار الكربلائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المصحف الشريف من القرن العاشر الهجري الموقوف للروضة المباركة لحضرة أبي الفضل العباس (ع) سنة 1274هـ من قبل الصدر الأعظم النوري

تحدثنا في حلقتنا السابقة عن عدة مصاحف مخطوطة نادرة ذات قيمة علمية وتاريخية كبيرة جداً منها: المصحف الشريف بالخط الكوفي المشرقي من القرن الخامس الهجري، والمصحف الشريف المنسوب لابن البواب من القرن الخامس الهجري، والمصحف الشريف المكتوب على طريقة ياقوت من القرن الثامن الهجري.
وفي حلقتنا هذه سنسلط الضوء في بحثنا هذا على مصحف مخطوط آخر وهو المصحف الذي يعود للعهد الصفوي، والموقوف لحضرة العباس بن علي من قبل الصدر الأعظم لدولة القاجار، وذلك في السابع والعشرين من شهر شعبان سنة 1274هـ.
الواقف: الواقف هو ميرزا آغاخان نصر الله النوري ابن ميرزا خان النوري المشهور بـ(اعتماد الدولة) وهو الصدر الأعظم في دولة آل قاجار على عهد السلطان ناصر الدين شاه والوقفية كتبت على الصفحة الأولى لهذا المصحف الشريف، وعليها ختم الصدر الأعظم مثبت فيه ألقابه وهي: (صدر أعظم دولت عليّه ايران، المستعين الراجي، اعتماد الدولة ميرزا آقاخان).
وفي الوسط شعار دولة ايران المستخدم أيام الصفويين والقاجاريين وهو الأسد والشمس وعليه تاريخ 1268م.
توفي الصدر الأعظم في 12/شوال/1281هـ الموافق 10/3/1865م.
خصائص وصفات هذا المصحف الشريف:
 تكمن أهمية هذا المصحف الشريف كونه من مجلد واحد من سورة الحمد حتى سورة الناس لم ينقص منه صفحة، نعم هنالك ورقة قدمت عن محلها، وذلك بسبب الترميم وإعادة التصحيف، وهذا من سهو المصحف ليس إلا، وبعد سورة الناس صفحتان لدعاء ختمة القرآن الشريف، وصفحتان للخيرة المباركة، وسنفصل ذلك في بحثنا.
أولا: الغلاف:
غلاف هذا المصحف مصنوع من الجلد لونه أحمر غامق ومؤطر بإطارين ذوي خطوط مستقيمة سوداء اللون، والجامة الوسطية غائرة، وتضم نقوشاً بارزة نسبياً، والكل باللون البرونزي.. وللجامة توابع زخرفية عليا وسفلى كأسية الشكل مزهرة الداخلة، أما الأركان الأربعة فهي مقرنصة ومتناظرة وغائرة، وقد حثيت بعناصر نباتية بارزة، والكل برونزي اللون.
والغلاف من الداخل ذو أرضية زرقاء غامقة عليها نقوش الهلكار بذهب يميل للخضرة.
والغلاف رغم قدمه متأخر عن المصحف الشريف نفسه، فان طريقة عمله وتنفيذه هي الأقرب للنمط والأسلوب القاجاري، وشكل الغلاف لايرقى الى ما كان معمول به في هكذا مصاحف فنية عالية الدقة في العهد الصفوي.
الورق: من النوع المصقول السميك نسبياً خصوصا المستخدم منه مع النقوش الهلكارية وهو طري ومائل للصفرة.
ثانياً: صفحتا الاستهلال:
 يمتازان بأرضية هلكارية مذهبة مع وجود طرّتين واحدة في كل صفحة، وهي عبارة عن شمسة ثمانية محشوة بزخارف زهرية ملونة بعدة ألوان هي: (البرتقالي – البنفسجي – الأبيض – الأصفر الليموني – الشذري)، والكل على أرضية زرقاء لازورد – تحاكي السماء، مع تباين جميل للون الذهب لرؤوس الشمسة الثمانية بالتعاقب ما بين ذهب مائل للصفرة، وذهب مائل للخضرة.
أما الكتابة في وسط الطرة، فهي بقلم الرقاع بالحبر الأبيض المسور بالأسود على أرضية مذهّبة موشاة بزخارف نباتية ذات طابع زهري متعدد الألوان.
ثالثاً: الصفحتان التاليتان (4،3) سورة الحمد:
وهما آية من آيات الفن والإبداع والتذهيب والزخرفة والرسم الاسليمي والتزويق، فالاطار الزخرفي الخارجي لكل صفحة يحتوي عناصر نباتية وزهرية ملونة ومزوقة، تتخللها سحب مذهبة بشكل زخرفي مزيد، والى الداخل منه عدة أطر دقيقة بعضها على شكل أشرطة بألوان عدة، وأخرى هندسية مضفورة ومذهبة ومزوقة، وزاد جمالها أن أرضيتها المذهبة مرملة ترميلاً دقيقاً من أصل الذهب، لتعطي انكسارات ضوئية تلفت الانتباه، مع وجود اطار سميك أزرق (لازورد) محشو بزخارف نباتية ملونة.
 أما وسط الصفحة فهي عبارة عن طرّة ذهبية تتوسطها سورة الفاتحة بقلم الريحان بالحبر الأبيض المسور بالأسود، والطرة محشوة بالزخارف النباتية الملونة، مع وجود ملحقات زخرفية ذات طابع كأسي أعلى وأسفل، كل طرة محشوة بزخارف اسليمية برتقالية اللون على أرضية مذهبة.. أما الأركان المحيطة بالطرة فهي مقرنصة ومذهبة محشوة بالزخارف النباتية الملونة، وما بين الأركان والطرة أرضية زرقاء داخلها نثار زخرفي نباتي زهري ملون، وسحب مذهّبة.
رابعاً: الصفحتان (7،6) بداية سورة البقرة، والصفحتان (326-327) بداية سورة الكهف، رُسمت هذه الصفحات الاربعة بشكل مميز جداً على ورق ذي رسوم هلكارية مذهّبة رائعة.
تعلو الصفحتان (6-326) زخارف ورسوم غاية في الدقة على أرضية زرقاء ومذهبة محشوة برسوم نباتية واسليمية ملونة، مع وجود طرة فيها اسم السورة، وعدد الآيات بقلم الرقاع باللون الأبيض المسور بالأسود.
أما متن الآيات الشريفة، فقد كُتب بقلم الريحان، سطر بالذهب المحدد بالحبر الأسود، وسطر بالحبر الأسود وبالتعاقب.. والأسطر كلها محاطة بسحب مذهبة، تتخللها زخارف نباتية متعددة الألوان، مع وجود ضربات فنية عبارة عن نقاط غائرة في السحب المذهبة، تعطي انكساراً ضوئياً جميلاً.
خامساً: باقي الصفحات:
أما عموم الصفحات الأخرى، فهي مؤطرة بعدة أطر شريطية بألوان متعددة، منها الذهبي والكحلي والجوزي والأحمر والأسود، وهنالك عدة صفحات (وهي قليلة جدا) لم تؤطر بالاطار الخارجي الذهبي المسور بالأسود.
سادساً: عدد صفحات هذا المصحف:
يبلغ عدد أوراق هذا المصحف الشريف (346) ورقة، أي أن عدد صفحاته - وحسب عدها وترقيمها من قبلنا – بلغ (692) صفحة.
سابعاً: نظام التسطير:
 وهو من المستوى الراقي جدا، فعموم الصفحات سُطّرت بطريقة واحدة عدا صفحات الاستهلال والختام، وبعض الصفحات التي زوّقت بشكل فني خاص، كالتي أشرنا اليها، أما عموم الصفحات فهي بواقع (12) سطراً للصفحة الواحدة، وكل سطر حُدّد بأطر دقيقة مذهبة ومحددة بالحبر الاسود، فيما كُتبت السطور بقلم الريحان، سطر بالذهب وآخر بالحبر الأسود.
أما أرضية كل سطر، فبدت مختلفة بتدرجها اللوني ما بين السطور المكتوبة بالحبر الاسود والسطور المكتوبة بالذهب؛ والواقع أن الأرضية نفسها، وانما خلق الفنان هذا التدرج بسبب انعكاس لون الكتابة مع وجود الأطر المحددة، واضاف غبار الذهب المتناثر على الحبر الاسود جمالاً لكل هذا.
ثامناً: الخط:
كُتبت عناوين السور بقلم الرقاع بالحبر الأبيض المسور بالأسود، الأرضية مذهبة محشوة بالزخارف النباتية الملونة محاطة باللازورد المنمّق بالزهور الملونة، مع أركان مقرنصة مذهبة ومزخرفة جميلة، والكل في اطار لازوردي منمّق جميل.
 أما متن الآيات فقد كُتب بقلم الريحان بالحبر الاسود وسطر بالذهب فزاده جمالاً، وأن قلم الريحان المستخدم في كتابة هذا المصحف راقٍ ومتميز وجميل.
أما الأحكام فقد كُتبت باللاجورد - اللون الأحمر، وكلمة (جزو) كُتبت على هوامش الصفحات باللازورد.
مع ملاحظة ان الصفحة التي تبدأ بسطر مذهب تنتهي بسطر كُتب بالحبر الأسود، أما ما يقابلها فبالعكس تماما، مما زاد هذا التباين في جمالية كل صفحتين متقابلتين.
تاسعاً: فواصل الآيات:
وهي عبارة عن وردة مدوّرة معتمة بخطوط مستقيمة سوداء الى ستة أجزاء، وأرضية الوردة مذهبة ومركزها نقطة سمائية باهتة، مع وجود نقاط بلون برتقالي في الأجزاء الستة، والوردة محددة بالحبر الأسود مع وجود ذؤابات نقطية لازوردية جميلة.
عاشراً: علامات الأخماس والأعشار:
وهن متشابهات جدا، مع وجود فارق بسيط سنشير اليه:
وهذه العلامات عبارة عن شكل دائري بقطر 27ملم، وسطه دائرة بأرضية لازوردية زرقاء، محشوة بأشكال زهرية مذهبة، والدائرة محاطة بحلقة برتقالية اللون، تليها حلقة سميكة مذهبة ومحشوة بالزخارف الاسليمية، فاطار رمادي تتلوه عدة أطر آخرها كحلي، تحيطه ذؤابات مذهبة وكحلية جميلة، تمتد منها خطوط مستقيمة قصيدة لتحاكي شكل الشمس بهاء.. والفارق ما بين علامة التخميس وعلامة التعشير، أن الأخيرة أضاف عليها الفنان الكاتب خطاً مستقيماً ممتداً للأسفل بقدر (2،5سم)، وللأعلى قرابة (5سم)، والعلوي ينطلق من وردة كأسية مذهبة تعلو الدائرة الأصل.
أحد عشر: مواصفات عامة:
وهنالك عدة أمور لايمكن تفصيلها لعدم سعة المقام، نشير اليها هنا، وسنذكرها بالتفصيل في كتابنا (المصاحف المخطوطة في العتبة العباسية المقدسة) منها:
1-  أشار الكاتب لهذا المصحف الشريف الى أحكام التلاوة التي يراها ضرورية في هوامش الصفحات بالحبر الأحمر اللاجورد.
2-  عالج بعض الموارد التي نسي فيها كتابة آية أو جزء من آية بشكل فني، حيث أضاف عنصراً زخرفياً جميلاً مذهباً الى الهامش، ووصله بالاطار الداخلي الحاصر للآيات الشريفة حتى لا يضر بالمنظر الجميل للمصحف.
3-  أضاف عناصر زخرفية مذهبة محشوة بالرسوم النباتية الملونة بدل بعض السطور، ليخلق تبايناً معيناً في بعض الصفحات، ويضيف جمالية للخطوط.
4-  الصفحتان (686-687) ختام المصحف الشريف سورة الناس لا تقل روعة وجمالاً وفناً وزخرفة وتزويقا عن صفحتي الاستهلال، أو الصفحات الأولى لسورتي البقرة والكهف.. وقد جاء بها على أرضية مذهبة ولازوردية محشوتان بالزخارف والرسوم النباتية والاسليمية والسحب المذهبة، مع تدرج رائع بألوان الذهب من ذهب مخضر الى مائل للخضرة الى ذهب أصفر، مما خلق لوحة فنية رائعة، وكتبت وسط هذا الجمال سورة الناس في الصفحتين باللون الأبيض المسوّر بالحبر.
5-  الصفحتان (688-689) ذات الأرضية الهلكارية، كتب فيها دعاء ختمة القرآن بالحبر الأبيض المحدد بالاسود على ارضية مذهبة محشورة بالرسوم النباتية الملونة الجميلة.
6-  أضاف في الصفحتين (690-691) جداول الخيرة المباركة والتفاؤل بكتاب الله وحسب الحروف وبألوان متعددة، وزخارف ورسوم نباتية جميلة.
هوية هذا السفر الخالد:
للأسف لم أجد توقيع هذا الفنان المبدع الذي كتب ورسم ونقش وزوق هذا المصحف الكريم، ولم أجد اسمه أو تاريخ النسخ.
ورغم ان هذا المصحف وقف للعتبة من قبل الصدر الأعظم وفي عهد سلطان قاجار ناصر الدين سنة 1274هـ، إلا أن عهد كتابة هذا المصحف اقدم من هذا التاريخ؛ لأن طريقة كتابته وفنه وزخرفته واسلوبية رسومه تعود للعهد الصفوي قطعا، مع ملاحظة ان الفنان والكاتب القاجاري سار على نهج الفنان والكاتب الصفوي، ولكن ميزات الفن والزخرفة والرسم الصفوي غير خافية على الباحث، ويؤيد ما قلناه الشبه الكبير لهذا المصحف مع المصاحف الصفوية، وخصوصا المنفذة والمكتوبة في القرن العاشر الهجري.
ومنها عدة مصاحف موجودة في المركز الوطني للمخطوطات العراقية، ومصحف في خزانة الروضة الحسينية، وآخر في خزانة العتبة العلوية والمجموعة الموجودة في متاحف تركيا.
ومنها مصحف سنة (962هـ)، ومصحف سنة (975ه)، ومصحف سنة (979ه)، ومصحف سنة (983هـ) ذو الأرضيات الهلكارية المذهبة، ومصحف شيراز سنة (956هـ)، ومصحف شيراز (1580م)، والشمسة الثمانية التي استفدنا منها في المقارنة، وكذا مصحف شيراز سنة (1000هـ)، والذي استفدنا منه بالمقارنة، خصوصا فيما يتعلق بصفحتي الخيرة والتفاؤل بالقرآن الكريم، وطريقة الجداول المتبعة آنذاك وأغلب هذه المصاحف نشر عنها، وقد أشرنا إليها في بحثنا المطول بكتابنا المشار اليه اعلاه.
النتيجة: هذا المصحف الشريف آية من آيات الابداع، ولوحة فنية غاية في الجمال، وهو يعود للعهد الصفوي بل مقدماته، وبرأيي انه من القرن العاشر الهجري - والله العالم -.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي الصفار الكربلائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/15



كتابة تعليق لموضوع : نفائسُ العتبة العباسية المقدسة : المصحف الشريف من القرن العاشر الهجري الموقوف للروضة المباركة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net