حوار مع الشاعرة التونسية نوره الإحولي
فراس الاسدي
فراس الاسدي
في ظل قلة وجود العنصر النسوي في الساحة الأدبية والثقافية العربية، وعلى كل الصعد والاشتغالات الإبداعية، ولكن يبرز عدد من الطاقات النسوية الشابة المكافحة في كتابة الشعر والخوض في عملية الثقافة.
فإن عملية إبراز الشاعرات عملية شاقة ومتعبة، إذ تخوض الشاعرة إرهاصات مجابهة الواقع في الأعراف والتقاليد، فضلًا عن كتابة الشعر الراكز الذي يجب أن يصل إلى المتلقي بيسر وسهولة، وأن طريقة إلقاء وايصال القصيدة بحد ذاتها طريقة غير يسيرة، بل صعبة.
ومن هنا تبرز إحدى شاعرات الوسط الثقافي العربي، وتبدع في كتابة النص العمودي والنثري على حد سواء.
الشاعرة التونسية نوره الإحولي هي عضو في العديد من المؤسسات الثقافية والإعلامية وتعمل محررة ومراسلة في بعض وسائل الاعلام المسموعة، ولها ديوان (زخات مطر).
وكان لنا معها هذا الحوار حول مجموعتها الثانية والفريدة (بيت شعر يسكن نفسه):
- بيت شعر يسكن نفسه، لماذا هذا العنوان؟
ومن الذي يسكن في طيات الآخر الشاعر أم بيت الشعر؟
لا أحد يعلم كم الكفاح الذي أخوضه لكتابة الشعر، وأي صراع أحياه في كل قصيدة مؤلمة. كنت في كل مرة أسكُنُني ويسكنني القصيد، وأسكن الشعر، لهذا اخترت عنوان (بيت شعر يسكن نفسه).
الشعر والشاعر جزء لا يتجزأ من الآخر، وكلاهما يمثل ذاتية الآخر. فالشعر هو بيت الشاعر والشاعر احتواء للشعر وأبياته وقوافيه ومعانيه.
- مجموعتك هي الثانية من بعد الأولى (زخات مطر)، ما هي الفترات الزمنية التي كُتبت فيها هذه المجموعة؟
بعد خمس سنوات تقريبا من الإصدار الأول، أنجزت (بيت شعر يسكن نفسه) واستغرق طيلة هذه الفترة.
- المجموعة خليط من الشعر العمودي والنثر، لماذا لم يكن إمّا عموديًا أو نثريًا، أو ربما تسعين لمسايرة جميع الأذواق؟
المجموعة الشعرية (بيت شعر يسكن نفسه) هي مجموعة تحتوي على (87) قصيدة عمودية، تتخللها قصيدتان من شعر التفعيلة، وهما (حمامتان) و (إلى المضطهدين في عهد العابدين) ولا تحتوي على نصوص شعرية إيمانًا مني وتحدّيًّا إبداعيًّا في كتابة الشعر العمودي.
- الاهداء، فيه مسحة شعرية ورسالة ثورية، هل هو جزء من الوفاء لثوار تونس بطريقة شعرية؟
أنا من جيل ثورة الياسمين، وأعتز جدًّا بهذا الانتماء، واكبت ما عاناه هذا الجيل وما يعانيه الآن من صعوبات في التشغيل وصعوبات اجتماعية واقتصادية، وهم الأحق بالإهداء، وقد يكون الإهداء شعريًّا، وأذكر جيدا لحظة كتابته لا شعوريا، وبكل صدق ووجدان.
الألم، الليل، التقاء الغرباء، الطرقات، المقاهي، المستشفيات، كلها معاجم مرتبطة بيومياتي وتفاصيلي.
أما المسارح المهجورة، فهي إشارة إلى واقع بلدي الثقافي وأيضا السياسي في هذه الفترة بالذات التي لم نعد نميز فيها بين الخير والشر.
- الذي يتفحّص في طيات النصوص الشعرية يجدها تتحدث عن الذات وعن الأقربين (الزوج، الأولاد، الأب)، لماذا هذا الوهج الشعري؟
هذا الوهج مرتبط جدًّا بشخصيتي ولا أستطيع أن أكتب ما لا أشعر به وما لا يتغلغل في كياني من شعور بالفرح او الحب أو الحزن أو الألم أو الوطن الذي هو وجعي الأكبر.
وهذا الشعور لا يرتبط أساسًا بحياتي الخاصة، فهو يرتبط بما أعايشه من مواقف وأحداث تحدث للأصدقاء والأحباب والمقربين. أيضًا شعور ينبثق عند المطالعة أو استماع الموسيقى أو مشاهدة فيلم درامي أو تدقيق في لوحة فنية.
- الجمع بين الاشتغالات الثقافية والأدبية والإعلامية يُضعف من نتاج المبدع؟
هذا صحيح رغم أن ميدان الإعلام وميدان الأدب مرتبطان جدا، وإذا اجتمعا في كيان واحد سيساعدان بدون شك في الرقي والازدهار، لكن التوفيق في إيجاد الوقت الكافي للكتابة والمطالعة في ظل انشغالات العمل صعب جدا.
- وأنت تجمعين بين الإعلام والشعر واشتغالات أخرى، أين تجدين إبداعك؟
للإعلام طابعه الخاص، ويشغل كامل الوقت تقريبًا من تصفح للأخبار ومتابعة للمستجدات، وكتابة المقالات وتحريرها واتصال سمعي وروحي بالمصدح والمستمع، وأجد نفسي في ذلك جدا؛ لأن حبي لعملي شديد وأقدسه حدّ الهذيان.
أما الشعر فهو كياني وعقلي وفَرحي وصندوق خصوصياتي وأسراري، ألجأ إليه عند الفرح والتعب، ولا يمكنني العيش بدونه.
باختصار، الإعلام والشعر متلازمان في حياتي.
- ألا تعتقدين أن المشهد الثقافي العربي يفتقر إلى العنصر النسوي؟ ما السبب في اننا لم نشاهد شاعرات على مستوى الوطن العربي الا ما ندر؟
كثيرا ما تحدثت عن هذا الموضوع بالذات، وتطرقت له في عديد المناسبات، المرأة في ميداننا الأدبي الثقافي مضطهدة تماما كاضطهادها في مجتمعاتنا العربية، فكم من حرف جميل بقي خلف القضبان، وكم من مبدعة لم نسمع ولم نشعر بنَفَسها الشعري؛ إرضاء لبعض التقاليد المجتمعية والقبلية غير صحيحة.
- متى سنشهد المجموعة الشعرية الثالثة؟
المجموعة الشعرية الثالثة جاهزة، ولكنني لا أتعجل النشر في الوقت الحالي، فمازلت أتنشق سعادتي (ببيت شعر يسكن نفسه) وقد يكون الإصدار القادم رواية.
- هل تعتقدين أن الاطلاع على ثقافات الشعوب يزيد من إبداع الكاتب؟
لا يمكن للكاتب أن يبدع بدون انفتاح على بقية الشعوب؛ لأن ثقافة الانفتاح تنمّي الفكر، وتصقل الحرف، وتجعل الكاتب أو الشاعر مواكبًا لما يحدث في الوسط الثقافي العربي والعالمي ويحدد موقعه وموقفه من ذلك.
- كلمة أخيرة؟
شكرا جزيلا لكم على هذا الحوار، وما أسعدني بهذه الفسحة الجميلة بينكم.
تحية لكم وورود.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat