هل (يخافُ) الإمام الغائب؟
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
يروي الشيعةُ عن الأئمة المعصومين عليهم السلام رواياتٍ تفيد أنَّ الإمام المنتظر قد غاب خوفاً من القتل.
يسمعُ المخالف كلامَهم، فيقول:
هل يخاف إمامُكم أيها الشيعة؟ فَعَلامَ تَقتَدُون وتعتَقِدُون بإمامٍ خائفٍ؟ وأيُّ فضلٍ له إن كان كذلك؟ ألا يكون عاجزاً عن حفظ نفسه؟ فكيف ترجون وتأملون أن يحفظكم ويرعاكم؟
وهَل يجتمعُ خوفُ الإمام مع كماله وعصمته؟
ألا ينبغي أن يكون قلبُ الإمام طافحاً بالإيمان مطمئناً بدلاً من أن يكون خائفاً؟
أسئلةٌ كثيرةٌ يطرحها المخالف في المذهب أو الدين.. فما هو موقف الشيعة منها؟
1. خوف المؤمنين
لقد نفى الله تعالى الخوفَ عن المؤمنين يوم القيامة حينما قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة 277).
وقال تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (يونس 62).
لقد نَفَت هذه الآيات المباركة خوفَ الأولياء والمؤمنين في الآخرة، عندما تحين ساعة الأجر والثواب على ما قدَّموا في الدُّنيا، وقد قال تعالى عن يوم الحساب: ﴿يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ (الزخرف68).
فلا خوفَ على المؤمنين يوم القيامة من سوء المنقلب، حيث تنتظرهم جنّاتٌ أُعِدَّت لهم، وهو لا يتنافى مع خوفِهم في الدُّنيا.
وقد نطقَت آيات الكتاب الكريم بمدح الخائفين في الدُّنيا من يوم الحساب، فإنَّهم يخافون من يوم الجزاء وهم في دار الامتحان، قال تعالى: ﴿رِجالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصارُ﴾ (النور37).
فلَم يكُن الخوف مذموماً مُطلقاً، بل إنَّ الخوفَ في الدُّنيا من يوم الجزاء مقدَّمةٌ للأمن فيه من العذاب.
قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ (الأنعام51).
بل ذمَّ عزَّ وجل الذين لا يخافون ذلك اليوم: ﴿كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الآخِرَةَ﴾ (المدثر53).
2. خوف الأنبياء
ثمَّ إنَّه قد دلَّت جملةٌ من الآيات والروايات على خوف الأنبياء في مواطن عدَّة، منها:
1. خوف النبي إبراهيم عليه السلام من الملائكة ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ (هود 70).
2. خوف النبي يعقوب على يوسف عليهم السلام: ﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ (يوسف 13).
3. خوف موسى وهارون عليهما السلام لما أُمِرا بالذهاب إلى فرعون: ﴿قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ (طه46).
4. خوف موسى عليه السلام أمام السحرة: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى﴾ (طه67-68).
5. خوف موسى من التكذيب والقتل: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ (الشعراء12-14).
6. خوف موسى وترقبه القتل: ﴿فَأَصْبَحَ فِي المَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ إلى قوله تعالى ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص21).
وقد روي أنَّ في الإمام الحجة سُنَنٌ من الأنبياء منها سُنَّةٌ من موسى وأنَّه (خَائِفٌ يَتَرَقَّبُ) (الإمامة والتبصرة ص94).
ومثلها قوله تعالى عن لسان موسى عليه السلام: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ (الشعراء21).
وقد روي عن الصادق عليه السلام أنَّ الإمام الحجة يقرأ هذه الآية في غيبته وعند ظهوره (الغيبة للنعماني ص174).
7. خوف النبيّ محمد (ص) بمكة، فعن الصادق عليه السلام: اكْتَتَمَ رَسُولُ الله (ص) بِمَكَّةَ مُسْتَخْفِياً خَائِفاً خَمْسَ سِنِينَ لَيْسَ يَظْهَرُ وَعَلِيٌّ (ع) مَعَهُ وَخَدِيجَةُ، ثُمَّ أَمَرَهُ الله تَعَالَى أَنْ يَصْدَعَ بِمَا يُؤْمَرُ فَظَهَرَ وَأَظْهَرَ أَمْرَهُ (الغيبة للطوسي ص332).
3. كيف يخاف الأنبياء؟
ثمَّ إنَّ السؤال ينقلب إلى جهةٍ أخرى، إذ كيف نُوَجِّه خوف هؤلاء الأنبياء جميعاً، وهو ليس خوفاً من يوم الجزاء كخوف المؤمنين من الحساب.
وكيف نفهمُ خوف إبراهيم من الملائكة، وخوف يعقوب على يوسف من الذئب، وخوف وموسى وهارون من طغيان فرعون، ومن التكذيب والقتل، وخوف النبي محمد (ص) في مكة خمس سنين.
ثم كيف يجتمع ذلك مع نفي الله تعالى خشية الأنبياء من كلِّ أحدٍ سواه، قال تعالى: ﴿الَّذينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله وَكَفى بالله حَسيباً﴾ (الأحزاب39)
وقال تعالى في مقام ذمِّ الذين يخشون الناس كخشية الله: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتالُ إِذا فَريقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَريبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَليلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتيلاً﴾ (النساء77).
وقد نهى الله تعالى عن الخوف مَن تتنزل عليهم الملائكة، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فصلت30).
وثبت أنَّ الخشية هي الخوف كما في كتاب العين ج4 ص284.
فكيف يخشى الأنبياء أحداً غير الله تعالى ويخافونه؟ سيَّما إذا فُسِّر الخوف بالفزع والذعر:
الخوف: الفزع (المحيط في اللغة ج4 ص423).
الذُّعْرِ والفزَع (معجم مقائيس اللغة ج2 ص230).
يرتفعُ اللبس والإبهام عندما نعلَم أن للخوفِ والخشية أكثر من معنى، فإنَّهما وإن كانا يدلّان على الفزع والذُّعر، إلا أن الأنبياء والأولياء والصالحين لمّا كانوا ممّن لا يخشون أحداً إلا الله تعالى، أي لا يفزعون من أحدٍ سواه، ولا يخافون إلا منه تعالى، تَعَيَّن حملُ الخوف والخشية التي وردَت في الأنبياء على معنى آخر ورد في اللغة، حيث يصير معنى (الخوف) مساوقاً (للعلم).
قال ابن فارس:
الخاء والشين والحرف المعتل يدلُّ على خَوف وذُعْر، ثمّ يحمل عليه المجاز. فالخَشَية الخَوْف.. والمجاز قولهم: خَشِيت بمعنى عَلِمت.
ولقد خَشِيت بأن مَن تَبِعَ الهُدى * سكَنَ الجِنَانَ مع النبيِّ محمدٍ (معجم مقائيس اللغة ج2 ص184)
وقال الراغب:
الخَوْف: توقّع مكروه عن أمارة مظنونة، أو معلومة.. ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تُقْسِطُوا﴾ [النساء/3]، وقوله:﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقٰاقَ بَيْنِهِمٰا﴾ [النساء/35]، فقد فسّر ذلك بعرفتم (مفردات ألفاظ القرآن ص303)
فيكون الخوفُ في هذه الآيات هو العلم بالعاقبة، أو توقُّعُ ما يكون مكروهاً.
وهكذا لا يكون خوفُ الأنبياء من تلك الأحداث خوفَ فَزَعٍ وذُعرٍ، بل يعني عِلمَهم بما يجري، أو ترقُّبهم لأحداثٍ جسيمة أو أليمةٍ أو مؤذية.
قال ابن منظور:
والخَوْفُ: العِلْم، وبه فسر اللحياني قوله تعالى: ﴿فَمَنْ خٰافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً وَإِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً﴾ (لسان العرب، ج9، ص: 100).
وشواهدُ هذا المعنى في الآيات كثيرةٌ منها ما تقدَّم، وفي الروايات أكثر، منها ما ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام:
وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَهُ، فَإِنَّ الكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ (نهج البلاغة ص392).
وليس الخوف هنا هو الفزع والرُّعب جزماً، إنما هو توقُّعُ وترقُّب الضلال، أو العلم به، أو الترقُّبُ مع العلم، فيلزم على العاقل أن يجتنب الطريق الذي يحتمل فيه الضلال، ولو لم يحصل عنده خوف بمعنى الفزع والرُّعب.
وعنه عليه السلام:
إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَيْنِ: اتِّبَاعَ الهَوَى وَطُولَ الأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ الهَوَى فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَنِ الحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ (المحاسن ج1 ص211).
ولم يكُن خوفُ أمير المؤمنين عليه السلام سوى علمه بما يؤدي إليه اتباع الهوى وطول الأمل، وترقُّبُ البُعد عن الحقِّ لمن اتبع هواه وطال أمله.
ومثله حديث الإمام الرضا عليه السلام:
إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ اسْتِخْفَافاً بِالدِّينِ.. (صحيفة الإمام الرضا عليه السلام ص78).
فليس خوفه عليه السلام هنا خوفَ فزعٍ ولا رُعب، بل هو عِلمٌ بما سيقدمون عليه من استخفافٍ بالدين، وعِلمٌ بما سيترتب على ذلك من آثار.
بل قيل أنَّ الخوف من الله تعالى لا يراد منه الرُّعب أيضاً بل الكف عن المعاصي، قال الراغب:
والخوف من اللّه لا يراد به ما يخطر بالبال من الرّعب، كاستشعار الخوف من الأسد، بل إنما يراد به الكفّ عن المعاصي واختيار الطّاعات، ولذلك قيل: لا يعدّ خائفا من لم يكن للذنوب تاركا (مفردات ألفاظ القرآن ص303).
ولا يبعد صحة هذا التفسير، فعن الصادق عليه السلام فِي قَوْلِ الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾:
مَنْ عَلِمَ أَنَّ الله يَرَاهُ وَيَسْمَعُ مَا يَقُولُ، وَيَعْلَمُ مَا يَعْمَلُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، فَيَحْجُزُهُ ذَلِكَ عَنِ القَبِيحِ مِنَ الأَعْمَال، فَذَلِكَ الَّذِي خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوى (الكافي ج2 ص70).
4. كيف يخاف الإمام المهدي؟
إذا تبيَّن ذلك نقول:
لقد دلَّت الأحاديث الشريفة أنَّ وجه الحكمة في غيبة الإمام لا ينكشف إلا بعد ظهوره، وأنَّ الله تعالى لم يأذن للأئمة عليهم السلام في كشف العلَّة التامة لغيبته عليه السلام، فعلمنا أنَّ ما ذُكِرَ من خوفه القتل وسواه ليس السببَ التامّ في غيبته عجّل الله تعالى فرجه، وإن كان جزء علَّةٍ أو حكمةً للغيبة.
عن الصادق عليه السلام: إِنَّ لِلْقَائِمِ (ع) غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ.. إِنَّهُ يَخَافُ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ، يَعْنِي القَتْلَ (الكافي ج1 ص338).
فإنَّ الإمام يخافُ على نفسه القتل، أي يعلم بأنَّه سيُقتل كما قُتِلَ آباؤه من قبل لولا غيبته، فغاب بأمر الله تعالى حفظاً لنفسه الشريفة، لأنَّ بقتله وهو آخر الأئمة المعصومين فناءُ الأرض بأهلها، فإنَّ الأرضَ تسيخُ بمن فيها لولا الحجَّة.
فكان في غيبة الإمام حفظُ الأرض ومَن عليها، ولَم يكُن خوفُهُ القتلَ يعني شيئاً سوى علمه بأنه سيُقتل.
وقد يُشعِرُ بهذا المعنى ما دلَّ من الروايات الشريفة على أنَّ الله تعالى لا يخلي الأرض من حجة، يكون تارةً ظاهراً، وأخرى يكون (خَائِف مَغْمُور) أو (مُكْتَتَم يُتَرَقَّبُ)، حيث يراد من الخوف هنا العلم بالقتل وترقُّبه لولا الغيبة.
ولا يراد من الترقُّب ترقُّبُ أمرٍ مجهول، فقد استعمل الترقُّب في آيات عدّة فيما يعلم وقوعه، ومنها:
قوله تعالى لشعيب عليه السلام: ﴿وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ (هود 93).
وقوله تعالى: ﴿ارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ (الدخان10)، وهو معلوم التحقق والوقوع.
ولذا فإنَّ قولنا بأن الإمام خافَ القتل يعني عَلِمَ بمصيره لو ظهر، فغاب حتى لا يُقتل، دون أن يعني الفزع والرعب والذعر.
وعلى كلِّ تقدير..
ليس الإمام خائفاً خوفاً يتوهمه الجهال..
والإمام قادرٌ على حفظ نفسه بالإعجاز، وبالولاية التي أعطاه الله إياها، كما النبي أيام استتاره وعدم ظهوره، لكن سنة الله التي أبت أن تجري الأمور بغير أسبابها اقتضت الصبر على هؤلاء وإمهالَهم.
إنَّ قلبَ الإمام هو مصدر الإيمان للمؤمنين، وهو الذي يفيض سكينة على المحبين والموالين.. فلا يتوهمنَّ متوهمٌ أن الإمام يفزعُ ويخشى أحداً إلا الله.
والثمرة ممّا تقدَّم..
أنَّه حيث ثبت الخوف للأنبياء والأئمة عليهم السلام، ولم يكن لائقاً بمكانتهم وشأنهم، ولا متناسباً مع خوفم من ربهم دون سواه، لزم تفسيره بترقّبهم وانتظارهم لما يعلمونه من مآل الأمور، لا بفزعهم ورعبهم وذعرهم.
وعليه يحمل ما ورد أنَّ النبي (ص) اكتتم بمكة: مُسْتَخْفِياً خَائِفاً خَمْسَ سِنِينَ لَيْسَ يَظْهَرُ.
فقد كان ذلك بأمر الله تعالى، لعلمه بمآل الظهور والخروج، وأن ليس يتحقق الغرض الإلهي بتعجيل ذلك، وأنَّ لذلك وقتاً.. فانتظر صلى الله عليه وآله أمر الله تعالى حتى صدع وانتشرت دعوته.
لم يكن الرسول صلى الله عليه وآله مرتعباً ولا مذعوراً، وهو أعظم عارفٍ بالله تعالى ومُسَلِّمٍ له أمره، هو الذي ينام ولا ينام قلبه، فأنى لهذا القلب أن يفزع ويذعر لخشية أحدٍ غير الله تعالى؟!
وليس الإمام المنتظر مخالفاً لسنته تلك، ولا حائداً عن طريقته.
إنَّ إمامنا غائبٌ بأمر الله تعالى، عالمٌ بنا وبظروفنا، يرتقب أمر الله تعالى فلا يصدع إلا عنه، وليس في ذلك نقصٌ في الإمام الكامل العالم العارف، ولا في شيعته الموقنين به وبمكانته.. بل تمام الكمال والإنقياد لله تعالى.
والحمد لله رب العالمين
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat