صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (18)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

إِنَّ {أَنفُسَكُمْ} هذهِ تارةً تكُونُ الإِنسان الفَرد وتارةً تكُونُ الإِنسان الجَماعة.

وهي تُشيرُ إِلى البِدايةِ [المُنطلقِ] وإِلى المقصدِ [العَمل] مرُوراً بالأَدواتِ والوسائلِ.

فإِذا كانت تعني الإِنسان الفَرد فبمعنى أَنَّ عليكَ أَن لا تلتفتَ إِلى الآخَرين أَو إِلى المُحيط الإِجتماعي [والإِفتراضي] الذي تعيشُ فيهِ وشعارُك [حشرٌ مَع النَّاسِ عيدٌ] و[لَو عمَّت هانَت] بل يلزمكَ أَن تشقَّ طريقكَ السَّليم والصَّحيح وبأَدواتٍ سليمةٍ وطاهرةٍ في الحياةِ لتُنجِزَ واجِباتِكَ وتتحمَّل مسؤُوليَّاتك مهما كانَ نَوع المُحيط الذي تعيشُ فيهِسيِّئاً وسلبيّاً ومُتشائِماً، فالنَّجاحُ والفَشلُ مسؤُوليَّةً عينيَّةً [فرديَّةً] أَوَّلاً ثُمَّ تتحوَّل إِلى مسؤُوليَّةِ الجماعةِ والمُجتمعِ كما يصِفُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقَولهِ {لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْأَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا} مِن دُونِ الإِستسلامِ لِما يفرضهُ الواقع على السُّلوكِ الشَّخصي على الأَقل، كما يشرحُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْوَلَكِنِّي لَا أَرَى إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي}.

أَمَّا إِذا كانت بمعنى الإِنسان الجَماعة فبمعنى أَنَّ عليها أَن تفكِّر وتُخطِّط وتأخُذ بكُلِّ أَسباب النَّجاح والتقدُّم بغضِّ النَّظر عن حالِ الجماعاتِ الأُخرى إِذا كانت فاشِلةومُتخلِّفة مثلاً.

قالَ تعالى {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ* فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ* إِنَّ فِي ذَلِكَلَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُو الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.

وبهذهِ القاعِدة تتجلَّى قيمة التَّنافُس سواءً على مُستوى الإِنسان الفرد أَو الإِنسان الجماعةِ {وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} فلَولا ذلكَ لما شهِدنا ناجحٌ إِلى جانبِ فاشلٍأَو أَمَّةٌ ناجِحةٌ إِلى جانبِ أُمَّةٍ فاشِلةٍ.

وقِس على ذلكَ كُلَّ حالاتِ النَّجاحِ والفشلِ على مُختلفِ المُستوياتِ كالتَّعليمِ والصحَّة والبيئة وغيرِها.

إِنَّ واحدةً من طُرُق التَّفكير الأَعوَج التي تنتهي بصاحبِها إِلى الفشَل والتخلُّف هو عندَما يضبط المرءُ ساعتهُ على توقيتاتِ الآخَرين، كما يُقال، فيُفكِّر كما يُفكِّر الآخرُونويسير ويمشي ويلبس ويقرأ ويكتُب ويُصادِق ويُعادي ويتبنَّى ويُصدِّق ويُكذِّب ويُخطِّط ويقضي وقتهُ كما يفعَل الآخرُون وحسبَ أَمزجتهِم، لدرجةِ أَنَّ شخصيَّتهُ تذُوبُبالآخرين فلم تعُد لهُ شخصيَّةً مُستقلَّةً تُميِّزهُ عن الآخرينَ خوفاً مِن أَن يُتَّهم بكونهِ شاذُّ عن حالِ الآخرينَ أَو أَنَّهُ مُعقَّدٌ فاشِلٌ في الإِنسجامِ معهُم! وعندما يكتشِفُ أَنَّ كُلَّالذي فعلهُ كانَ خطأٌ ينتهي بهِ إِلى الضَّياع قالَ [وهلْ هيَ بقِيَت عليَّ]؟! وكأَنَّ استنساخهُ للفشَلِ أَو الخطإِ أَو النِّهايةِ البائسةِ مِن الآخرين يشفع لهُ حالتهُ البائسة ويُبرِّر لهُذلكَ، وهذا هو عينُ الخطأ الخطيئة.

أَمَّا القُرآن الكريم فيقُولُ {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي* فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ}.

فماذا ينفعكَ إِذا انخرطتَ في جيشِ الفاشلِينَ؟! أَتظنُّ أَنَّهُ سيتحمَّل عنكَ مسؤُوليَّةالفشَل مثلاً؟! والله تعالى حذَّرنا بقَولهِ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَاوَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}؟!.

إِنَّ الإِنسان الفَرد النَّاجح لا يُقدِّر نفسهُ بالفاشِلينَ وإِنَّما يقيسَها بالعظامِ والنَّاجحِينَ والمُتقدِّمينَ والمُتميِّزينَ.

إِنّّهُ لا يتَّكِلُ على الآخرينَ وإِنَّما يصنعُ مجدهُ ورصيدهُ بجُهدهِ.

كذلكَ فإِنَّ الإِنسان الجَماعة لا تُقدِّر نفسَها بالجَماعاتِ الفاشِلةِ وإِنَّما بالجماعاتِ النَّاجِحةِ التي تترُك بصماتها في الواقعِ البشري.

أُنظرُوا إِلى حالِنا اليَوم في مُجتمعِنا، فعندما تلُومُ أَحداً بسببِ فسادهِ في السُّلطةِ أَو فشلهِ في الإِدارةِ أَو على مُستوى العلاقاتِ الزَّوجيَّةِ وفي التَّربيةِ الأُسرِيَّة، يُجيبُكَفَوراً وكأَنَّ الجَواب حاضِراً على طرفِ لِسانهِ؛ لستُ وحدي فاسِداً ولستُ أَنا فقط الفاشِل! أَلا ترى فُلان وعِلَّان؟! أَلا تنظُر إِلى الجماعةِ هذهِ والأُخرى تِلك؟!.

هل يتصوَّر هذا الفاسِد والفاشِل أَنَّ مُقارنةَ نفسهِ مع الفاسدِينَ والفاشلينَ الآخرين سيُسقط عنهُ المسؤُوليَّة الأَخلاقيَّة مثلاً؟! أَبداً.

إِنَّ حسابَ القيمة [قيمة الفرد] سواءً في الدُّنيا أَو في الآخرةِ، إِنَّما تُقاسُ بالإِنجازِ والإِنجازِ فقط، فلا ينفعُ المرءُ شيئاً إِذا قارنَ نفسهُ بالآخرين، فذلكَ لا يزيدهُ شيئاً بليُنقِصهُ الكثير لأَنَّهُ سيُلامُ على ذلكَ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/19



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (18)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net