صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (٢٦)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ}.

مجموعةٌ مِن المعاييرِ حدَّدتها آيات القُرآن الكريم كأُسُسٍ للتَّفاضلِ ترسم معالِم مُجتمعٍ عادلٍ ومُتكاملٍ ومُتكافلٍ، وعكسها تقودهُ إِلى الفشل.

لعلَّ مِن أَهمِّها خمسةٌ وردَت في الآيات الخمْس التَّالية؛

*{كُلًّا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}.

*{وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.

*{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}.

*{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّاللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}

*{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}.

١/ إِنَّ مصادر البِناء وأَدوات النُّهوض مُشاعة لا يجوزُ منحَ امتيازَها لجماعةٍ دونَ أُخرى بالتَّمييزِ على أَساسِ الخلفيَّة بكُلِّ أَشكالِها.

٢/ رِعايةُ واحترامُ أَشياء النَّاس وبضمنِها ما يتميَّزونَ بهِ من طاقاتٍ وخبراتٍ وكفاءاتٍ وقُدراتٍ تميِّزهُم بالإِكتسابِ وليسَ بالإِنتماءِ والهويَّة.

٣/ إِحترامُ فضل النَّاس بعضهُم على بعضٍ وعدَمِ الإِستهانةِ بأَيٍّ منهُ مهما كانَ صغيراً، فلِكُلِّ صاحبِ فضلٍ دورٌ في عمليَّةِ البناءِ بِدءاً بالأُسرةِ وانتهاءً بالسُّلطةِ مروراًبالخدَماتِ العامَّةِ، {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}.

٤/ القانُون فوقَ الجميع لتتحقَّق العَدالة والمُساواة من خلالِ حاكميَّتهِ حصراً وليسَ من خلالِ حاكميَّة العِلاقات الشخصيَّة مثلاً أَو الحزبيَّة أَو من خلالِ مُعادلة القوَّة، فلقدكتبَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) لأَحدِ عُمَّالهِ {وَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَلَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَأُزِيحَالْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا}.

٥/ أَن يحصلَ كُلَّ صاحبِ فضلٍ على ثمنِ جُهدهِ وبالقانُون فلا يُسرق من جهدهِ شيءٌ أَو يُنتقَصُ منهُ بطريقةٍ من الطُّرق المُلتَوية، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْيَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.

فكما طمأَنت الآية الكريمة {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} كُلَّ صاحبَ عملٍ صالحٍ إِلى أَنَّهُ سوفَ لن يُظلم أَو يُهضم في الآخِرةِ كذلكيجب أَن تتحقَّق هذهِ المُعادلة في الدُّنيا.

فليسَ من العدلِ والإِنصافِ أَن نُساوي بينَ النَّاجح والفاشِل وبينَ النَّزيه والفاسد وبينَ المُبادر والكَل، فلقد كتبَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهدهِ المعرُوف للأَشترِ لمَّا ولَّاهُ مِصر{وَلَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَتَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ وَأَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ}.

وإِنَّ من أَقبحِ أَنواع المُفاضلة عندَ الحاكِمِ تحديداً هو اعتمادهُ على الخلفيَّة والعِلاقات الشخصيَّة فيسرُق من فضلِ هذا ليُضيفهُ إِلى حسابِ ذاكَ لمجرَّد أَنَّ الأَوَّل غَيرمدعُوم والثَّاني مُوصى بهِ!.

يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى وَلَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِهِ وَلَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ وَلَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِمَا كَانَ صَغِيراً وَلَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ عَظِيماً}.

هذهِ لعلَّها من أَهم المعايير التي لا تجدَها إِلَّا في المُجتمع العادِل بنسبةٍ من النِّسَب ولا أَقولُ المُجتمع العادِل بالمُطلق، وهي الصُّورة التي لا تلمِس لها أَثرٌ يُذكر فيمجتمعِنا بسببِ الفسادِ المالي والإِداري وغلبَة المِزاج والعِلاقات الشخصيَّة على القانُونِ.

وإِنَّ ما يُؤسفُ لهُ جدّاً، والذي يُشكِّلُ خطراً على مُستقبلِ المُجتمعِ، هو أَنَّ النَّشء الجديد يُعاني أَشدَّ المُعاناة من غيابِ هذهِ المعاييرِ وتجاوُزها وسحقِها من قبلِ عِصابةٍ أَوعصاباتٍ تتحكَّم بمُقدِّرات البِلاد.

فالشَّباب يُعانونَ مِن انعدامِ الفُرص وعلى مُختلفِ المُستوياتِ وخاصَّةً التَّعليم والعَمل وتشكيلِ حياتهِم الإِجتماعيَّة الخاصَّة.

كما يُعانُونَ من تجاهُلِ المُجتمعِ والدَّولةِ لقُدراتهِم الخلَّاقةِ وكفاءاتهِم وما يتميَّزُونَ بهِ من القُدرةِ على الإِبداعِ.

إِنَّهم يُعانُونَ من غَيابِ فُرص التَّعبير عن ذاتهِم لتحقيقِ ذاتهِم، لأَنَّ أَبوابَ الفُرص مُفتَّحة على أَساس العلاقاتِ الشخصيَّة وليسَ على أَساسِ القدرةِ على استيعابِهاوتوظيفِها، ولذلكَ ترى، مَثل،اً شابّاً غبيّاً لا يمتلِك شيئاً من القُدُرات والرَّصيد الشَّخصي يمتلِك كُلَّ أَدَوات البِناء الذَّاتي والنُّهوض لمُجرَّد أَنَّهُ إِبنُ فُلان فيما ترى شابٌّ آخريتميَّز بعقليَّةٍ خارِقةٍ وطريقةِ تفكيرٍ خلَّاقةٍ لا يمتلكُ شيئاً من الأَدَوات والفُرص لأَنَّهُ [غَير مدعُوم].

هذهِ الحالات تُشكِّل إِنتهاكاً لسيادةِ البِلاد وحُرمة المُجتمع لما تُسبِّبهُ من إِهدارٍ للطَّاقاتِ والفُرص والأَدواتِ التي تذهَب أَدراج الرِّياح ويتمُّ تضييعَها لأَنَّها لا تذهب إِلى مَنيستحقَّها فيهدرَها ويضيِّعها [الأَغبياء].

ومِن صُور الظُّلم كذلكَ مُساواة ثمن الجُهد المبذُول الأَمر الذي يُضيِّع فُرص النُّهوض بتدميرِ نفسيَّة النَّشء الجديد الذي لا يلمِس أَيَّ نوعٍ من العدالةِ في توزيعِ الثَّمنالمفرُوضِ بإِزاءِ كُلِّ جُهدٍ مبذُولٍ مِن أَيٍّ كانَ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/27



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (٢٦)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net