صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

أنبياء الله داوود وسُليمان ، خزعبلات توراتية مشينة.
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 من وجهة نظر التوراة فإن نبي الله سُليمان عليه السلام هو ابن غير شرعي لنبي الله داوود عليه السلام. داوود عن طريق التلصص من فوق جدار بيته رأى زوجة صديقه وقائد جيشه أوريا الحثي (بثشبع) فأعجب بها جدا ، فأرسل جلاوزته فخطفوا بثشبع ودخل بها داوود ثم ارجعها لبيتها.

تقول التوراة : (وكان في وقت المساء أن داود قام وتمشى على السطح ، فرأى امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدا. فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: هذه بثشبع امرأة أوريا الحثي؟. فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه، فاضطجع معها . ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود وقالت: إني حبلى).(1)

وخوفا من الفضيحة قام داوود بعملية احتيال لستر الفضيحة ، فاستدعى زوجها أوريا من الحرب واعطاه اجازة لعله يدخل بامرأته فيُنسب الحمل إليه ، ولكن أوريا لم يذهب إلى بيته بل نام في بيوت الجند لأنهُ رأى من غير اللائق ان يبات في احضان زوجته والجنود ينامون في الخيام . (أرسل داود إلى يوآب يقول: أرسل إليّ أوريا الحثي.قال داود لأوريا: انزل إلى بيتك فخرج أوريا من بيت الملك، ونام على باب بيت الملك ولم ينزل إلى بيته.فأخبروا داود قائلين: لم ينزل أوريا إلى بيته. فقال داود لأوريا: أما جئت من السفر؟ فلماذا لم تنزل إلى بيتك؟فقال أوريا لداود: إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام، وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي؟ وحياتك وحياة نفسك، لا أفعل هذا الأمر).(2)

فشلت مؤامرة داوود الأولى فقرر قتل أوريا فأرسل داود زوجها اوريا الحثي إلى صفوف القتال الأولى ليُقتل : (وفي الصباح كتب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيُضرب ويموت، ومات اوريا الحثي. فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات رجلها، ندبت بعلها. ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته، صارت له امرأة وولدت له ابنا. وأما الأمر الذي فعله داود فقبح في عيني الرب). (3)

من هذا النص نفهم :

أن عمل داوود كان قبيحا في عيني الله لأنه انطوى على الغدر والزنا.

أن ثمرة هذه العلاقة الغادرة أطفال غير شرعيين أحدهم سُليمان، وكان الله تعالى يُخطط للنيل من داوود ومعاقبته على خطيته ولكنه عندما سمع صوت بكاء الطفل الأول قرر قتله بدلا عن داوود، وعرف نبي الله داوود بنوايا الله وقرر أن يخدع الله عن طريق الاعتكاف والصوم وهكذا اعتكف داوود وصام (صوما) كما يقول النص : (الرب أيضا قد نقل عنك خطيتك. لا تموت فالابن المولود لك يموت فسأل داود الله من أجل الصبي، وصام داود صوما).(4) ولكننا نرى نبي الله داوود ينقلب على صومه ويفطر عندما سمع ان الطفل مات وأن الله نفذ وعده فقال داوود ساخرا : (والآن قد مات، فلماذا أصوم؟).(5) فقام واكل خبزا ثم ذهب إلى (بثشبع) واضطجع معها نكاية بالرب ، لكي يُنجب طفلا آخر.

وهنا نرى أمر غريب جدا ومشين، وهو أن الله قتل الصبي الأول لأنه ثمرة زنا دوواد بـ (بثشبع) ولكننا نرى الله هنا يسمح للطفل الثاني الذي أنجبه داوود أيضا من نفس المرأة سمح لهُ أن يعيش وجعلهُ نبيا وأطلق عليه اسم (سليمان) وأحبه كثيرا كما نقرأ ذلك : (وعزى داود بثشبع، ودخل إليها واضطجع معها فولدت ابنا، فدعا اسمه سليمان، والرب أحبه).(6)

الله أحب سليمان مع انه مثل الطفل الأول ولد من زنا حسب قول التوراة من أن داوود دخل بها بعد موت زوجها مباشرة وهذا ما نراه يلوح في توبيخ الله الشديد لداوود بسبب دخوله بإمرأة رجل مات حديثا لم ينتهي حدادها ، وأيضا بسبب احتقار داوود لله تعالى: (لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينيه؟ قد قتلت أوريا الحثي بالسيف، وأخذت امرأته لك امرأة هكذا قال الرب: هأنذا أقيم عليك الشر من بيتك، وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك، فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس).(7)

هذا الكلام أوحى به الله إلى نبي معاصر لداوود اسمه (ناثان) وأمره ان يوصله إلى داوود. يقول تفسير سفر صموئيل : (كان ناثان من أنبياء الله ، لم يهب أن يواجه الملك داوُد بخطيته ، وهي احتقاره لوصايا الله وتدبيره عملية قتل أوريا بوضعه في مواجهة الحرب ليموت ليأخذ امرأته بثشبع فأوصل ناثان كلام الرب وبلّغهُ إلى داود).(😎

وهكذا يقرر الله معاقبة داوود على فعلته بأغرب عقوبة، أن يدفع اقرباء داوود لاغتصاب نسائه في عين الشمس امام الناس بسبب ان داوود غدر بصديقه وزنا بامرأته سرا وأنجب منها. وقد اعتبر الله تعالى فعل داوود جريمة ونسب لهُ قتل أوريا كما نقرأ : (لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينيه؟ قد قتلت أوريا الحثي بالسيف).(9) فكان داوود في نظر الله قاتلا زانيا غادرا فاجرا والعياذ بالله.

وهكذا ولد سُليمان فكان ثمرة ممارسة مشينة وعاش في مثل هذه الأجواء الغير طاهرة حسب رواية التوراة وما جاء في تفاسيرها ، لقد شوّه اليهود سمعة أنبيائهم ورفعوا من شأن حاخاماتهم. وتتبعوا ذلك في رسالة عيسى عليه السلام ، ففي اشارة خبيثة وضعوا لعيسى نسبا يمتد لنبي الله داوود مع علمهم بأن عيسى لا أب له ، وبذلك يكون عيسى عليه السلام أحد احفاد داوود القاتل الزاني كما نقرأ : (ميلاد يسوع المسيح ابن داود، وداود الملك ولد سُليمان من التي لأوريا). (10) وقولهم : (من التي لأوريا) تعريض بالسيد المسيح بأن جدته بثشبع زوجة اوريا التي استباحها داوود ، والقصد من ذلك أن يقولوا إن عيسى ابن زنا أيضا. وهذا ما قالوه للسيد المسيح بكل وضوح : (قال لهم يسوع أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعهُ من الله. فقالوا له : إننا لم نولد من زنا، لنا أب واحد وهو الله).(11)

القرآن أخبرنا بأن أحد اسباب لعن الله لليهود هو عصيانهم وافترائهم على الأنبياء واتهامهم لأنبياء الله داوود وعيسى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون). (12) سبب قيام نبي الله داوود وعيسى عليهما السلام بلعن اليهود هو افتراءاتهم عليهم وقد تقدم ذكر بعضه وسيأتي المزيد.

السيد المسيح اعترض على زعم الكهنة بأنه ابن داوود فأنكر ذلك ونسب التزوير إليهم، وحذّر من الكهنة المزورين كما نقرأ (كيف يقول الكتبة إن المسيح ابن داود؟..فمن أين هو ابنه؟ وكان الجمع الكثير يسمعه وقال لهم : تحرزوا من الكتبة ــ الكهنة ــ، الذين يرغبون المشي بالطيالسة، والتحيات في الأسواق، والمجالس الأولى في المجامع، والمتكآت الأولى في الولائم. الذين يأكلون بيوت الأرامل، ولعلةٍ يطيلون الصلوات. هؤلاء يأخذون دينونة أعظم).(13)

في خضّم هذه التحريفات المروّعة التي اساؤوا فيها لإثنين من أفضل أنبيائهم بعد موسى ، جاء القرآن ليطرح القصة بشكل آخر مبيّنا فيها مواطن الخلل والتزوير.

أقر القرآن فعل داوود مع زوجة أوريا الحثي وانجابه لسُليمان منها. ولكن جاء بها على شكل مثل يحكي فيه ملكان تسوّرا عليه المحراب وظهرا على هيئة بشر ليحكيا قصتهما لداوود نفسه، فيقول القرآن على لسان الملكين: (إن هذا أخي لهُ تسعُ وتسعون نعجة ولي نعجةٌ واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب ــ فقال داود ــ لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ــ وهنا انتبه داود لما حصل وأن هذين الشخصان هما من الملائكة ــ وظن داود إنما فتناهُ فاستغفر ربهُ وخر راكعا وأناب، فغفرنا له ذلك وإن لهُ عندنا لزلفى وحُسن مآب، يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناسِ بالحق ). (14)

بعض الروايات تقول كما ورد في تفسير الآية المذكورة تشير إلى قصة تزوج داوود عليه السلام زوجة (أُوريا الحثّي) وكان داوود رآها فمال إليها ورام تزوجها على الرغم من كثرة زوجاته ، فسأل صديقه أوريا أن يتنازل له عنها كما تقول التفاسير ولم يغتصبها او يقتل زوجها كما تزعم التوراة ، ولربما داوود لم يطلب من صديقه ان يتنازل له عن زوجته، وإنما تزوجها بعد مقتل زوجها لحفظ كرامة صديقه.(15)

قال المفسرون وأكثرهم من السنة : مع كثرة زوجات داوود ، مال قلبه إلى زوجة صديقه ،وكان ذلك جائز في شريعتهم مباحاً أن الرجل يتنازل عن زوجته إلى غيره لصداقة بينهما فيطلقها ويتزوجها الآخر بعد مضيّ عدتها وتحقق براءة رحمها. ولو صح ذلك فإن نبي الله داوود لم يفعل حراما لأنه دخل بها بعد أن استبرأت رحمها وهذا ما ذكرته التوراة في ثنايا القصة: (فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها).(16)

الله تعالى عندما يُقر ذلك ويفعلهُ نبيه إنما غايته بيان حكم شرعي للناس ونقض سنة جاهلية. وهذه القصة في حيثياتها تتشابه وقصة نبينا محمد صلوات الله عليه واله في قضية زيد التي ذكرها الله بقوله : (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه، فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها). (17) سبب اقرار الله تعالى بذلك بيّنهُ في نفس الآية فيقول : (لكي لا يكونَ على المؤمنين حرجٌ في أزواج ادعيائهم). (18) إذا هو حكمٌ شرعي اراد الله بيانه بهذه الصورة لرفع الحرج. وهو ليس من أمر النبي وفعله بل من الله تعالى كما يقول : (وكان امرُ الله مفعولا).(19)

وهكذا طرح القرآن نبأ الخصمين اللذان تسورا المحراب، ليضرب مثال لداوود لما حصل بينه وبين أوريا. لأن العبرة بما أعقبه نبأهما في نفس داوود فعتب الله على داوود لاستعماله لهذا المباح فعاتبه بأن أرسل إليه ملكين نزلا من سور المحراب في صورة خصمين وقصّا عليه القصة وطلبا حكمه وهديه فحكم بينهما فكان ذلك عظة له فشعر أنه كان الأليق بمقامه ألا يتناول هذا الزواج وإن كان مباحاً لما فيه من إيثار نفسه بما هو لغيره ولو بوجه مباح لأن الشعور بحسن الفعل أو قبحه قد لا يحصل عليه حين يفعله. لذلك نرى الإمام علي عليه السلام يقول : (لا أوتي برجل يزعم أن داوود عليه السلام تزوج بامرأة أوريا إلا جلدته حدين، حد النبوة وحدا للإسلام). (20)

ويقصد سلام الله عليه زواج داوود من امرأة اوريا بالطريقة التي ترويها التوراة، لأن ذلك مما شاع في زمنه عليه السلام عن طريق اليهود والنصارى وفق ما موجود في كتبهم ، والذي اثارهُ هو نزول تلك الآيات في قصة الملكين، وزواج النبي (ص) من زوجة دعيّه زيد، فبدأت آلة اليهود الاعلامية تدير عجلتها للنيل من سمعة النبي (ص) وقد كان لذلك الأثر الكبير في التفسير ومن هنا نرى بعض التفاسير الإسلامية نقلت ذلك عن اليهود وهو ما نراه يلوح في التفاسير بما يُسمى الاسرائيليات.

أما قصة الملائكة اللذين تسوروا على داوود المحراب فتطرحها التوراة أيضا ولكن بوجه قبيح غايتهُ ادانة نبي الله داوود (ع). فتقول التوراة (أرسل الرب ناثان إلى داود. فقال له: كان رجلان في مدينة واحدة، واحد غني والآخر فقير. وكان للغني غنم وبقر كثيرة جدا. وأما الفقير فلم يكن له إلا نعجة واحدة، فجاء ضيف إلى الرجل الغني، فأخذ نعجة الرجل الفقير وهيأ للرجل ، فحمي غضب داود على الرجل جدا، وقال لناثان: حي هو الرب، إنه يقتل الرجل الفاعل ذلك ويرد النعجة فقال ناثان لداود : أنت هو الرجل !قد قتلت أوريا الحثي وأخذت امرأته لك امرأة).(21)

من بين هذا الركام من الافتراءات من الصعب الحصول على نتيجة صحيحة إلا من خلال القراءة المتأنية للنصوص ، لأن ما يكتبه الانسان الغير معصوم من الخطأ لا بد ان تظهر من خلاله الحقيقة مهما حاول اخفائها، وهذا ما تبين ومن خلال نفس نصوص التوراة . فالتوراة تخبرنا بأن نبي الله داوود عندما وصله نبأ مقتل قائده أوريا جمع كل جيشه وزحف نحو مدينة (ربة) وانتقم لمقتل قائده كما يقول النص : (فجمع داود كل الشعب وذهب إلى ربة وحاربها وأخذها. وأخذ تاج ملكهم عن رأسه).(22)

تتهم التوراة نبي الله داوود بأنه جمع كل شعب المدينة التي احتلها وقام بتعذيبهم فقطّعهم بالمناشير وسلخ جلودهم بنوارج الحديد وقام بتكسير عظامهم بالفؤوس ثم احرقهم في مصانع الآجر (الطابوق) وقود لإنضاج الطابوق ثأرا لمقتل قائده أوريا. ولكن الحقيقة غير ذلك ، ان تصرف نبي الله داوود في هذه المعركة يعكس لنا أنها كانت معركة بين الحق والباطل، وأن قائده قُتل على يد اهل الباطل ولذلك هرع داوود شخصيا لقيادة الجيش وتأديب الأمم الوثنية وأسقط المدينة واخذ تاج ملكها، وهذا يُنقاض ما اوردته التوراة نفسها من أن سبب موت أوريا هو مكيدة داود من أجل زوجة قائده أوريا.

أجمع أهل التفسير أن ما فعلهُ داوود في زواجه من بثشبع كان مباحا في زمنه ، ولكن كان على داوود ألا يفعلهُ. لأن النبي أقدر على ضبط غرائزه من بقية الناس بما وهبهُ الله من مميزات تكاد تُلامس العصمة هذا إذا فرضنا جدلا ــ حسب قول التوراة ــ أن الأنبياء السابقون لم يكونوا معصومين بالقدر الذي كان عليه محمدا واله عليهم أفضل الصلاة والتسليم. فكما أن المتعة تشريع إلهي وهي من حلال محمد إلى يوم القيامة، ولكن النبي (ص) لم يثبت أنه فعلها لأن الله تعالى عوضهُ عنها بتعدد الزوجات (يا أيها النبي إنا احللنا لك ازواجك).

وقد أعاد الله تعالى تشريع مشابه لما حصل في زمن داوود النبي عندما أجاز الله تعالى زواج نبينا محمد (ص) من زوجة دعيّه اسامة بن زيد ، فقد أحل الله لهُ ذلك ليرفع الحرج عن امته في امثال هذه المسائل. وهو التشريع نفسه الذي عمل به نبي الله داوود في مسألة زواجه من زوجة صديقه اوريا وكأن الله تعالى يُريد أن يخبرنا بأن ما فعلهُ داوود كان حلالا وأنه بعلم الله تعالى. وبذلك ابرأ تعالى ساحة ثلاثة من أعظم أنبيائه (داوود ، سُليمان، عيسى). وفضح افتراء اليهود وتزييفهم للنصوص.

إن زيداً كان عبداً للنبي (صلى الله عليه واله) وأعتقه وكان ابناً له بالتبني، وكان الابن بالتبني طبقاً للسنة الجاهلية يتمتع بكل أحكام الابن الحقيقي، ومن جملتها حرمة الزواج بزوجة الابن المتبنى المطلّقة.

وفي البداية خطب النبي (صلى الله عليه واله) ابنة عمته زينب لزيد ، ولكنها رفضت لأنها كانت ترى أن موقعها الاجتماعي أعلى من زيد ، فنزلت الآية الكريمة تهدد مخالفة الله سبحانه ورسوله بقولها تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ). (23) فرضخت زينب، وكان المقصود من وراء ذلك كسر سنة جاهلية ،ولكن لم يستمر الزواج طويلاً لحدوث خلاف بين الزوجين، فصمم زيد على طلاقها، وصمم النبي (ص) بدوره جبراً لخاطر زينب ان يتزوج بها إذا ما طلقها زيد ليحقق الى جنب ذلك هدفاً آخر وهو هدم سنة جاهلية أخرى يُجيز الزواج بزوجة الابن المتبنى، ولكن النبي (ص) خشى إبراز ما أضمره خشية من المجتمع وسننه الباطلة فطلب منه الله سبحانه أن لا يخشى الناس مما صمم عليه بل عليه أن يخشى الله وحده، وعلى هذا نفهم ان هدف النبي (ص) هدف نبيل قصد من ورائه هدم سنّتين جاهليتين. وقصة زواج نبي الله داوود (ع) لا تخرج عن هذا السياق.

وأما مسألة مقتل أوريا في الحرب فهذا مما لم يذكره القرآن . فلم يرسل نبي الله داوود صديقه اوريا لحرب عبثية بقصد قتله بل كانت حرب ضمن نشر دعوة داوود (ع) بين الأمم الوثنية، وقد كان أوريا من خيرة قيادته ولما استشهد ، لم يسمح داوود لعائلته ان تبقى وحدها وهذا ما تؤكده التوراة : (فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات رجلها ، ندبت بعلها ، ولما مضت المناحة أرسل داوُد وضمها إلى بيته، وصارت له امرأة وولدت له ابنا).(24)

لم يكن نبي الله داوود وحده من تعرض لهذه الفرية القبيحة التي لا تُليق بعوام الناس، بل تتبعهُ اليهود في أهل بيته فنسبوا لهم كل قبيحة ورذيلة حيث اتهموا عائلة داوود بأنهم ممن يُمارس (زنا المحارم) فزعموا أن ابن داوود زنا بأخته كما نقرأ : (كان لأبشالوم بن داود أخت جميلة اسمها ثامار، فأحبها أمنون بن داود وأصبح أمنون سقيما من أجل ثامار أخته لأنها كانت عذراء. فاضطجع أمنون وتمارض وطلب ارسال اخته ثامار لكي تعمل له الطعام ثم قال أمنون لثامار: ايتي بالطعام إلى المخدع فآكل من يدك،وقدمت له ليأكل، فأمسكها وقال لها: تعالي اضطجعي معي يا أختي. قالت له: لا يا أخي، لا تذلني لا تعمل هذه القباحة أين أذهب بعاري؟ فلم يشأ أن يسمع لصوتها، بل تمكن منها وقهرها واضطجع معها. ثم دعا غلامه الذي كان يخدمه وقال: اطرد هذه عني خارجا وأقفل الباب وراءها. فجعلت ثامار رمادا على رأسها، ومزقت الثوب الذي عليها، ووضعت يدها على رأسها وتذهب صارخة. ولما سمع الملك داود بجميع هذه الأمور اغتاظ جدا. ولم يكلم أمنون بشر ولا بخير).(25)

في هذا النص اتهام لنبي الله داوود بأنه عطل حدا من حدود الله وهو قتل من يغتصب اخته كما نقرأ في التوراة : (وإذا أخذ رجل أخته بنت أبيه أو بنت أمه، ورأى عورتها ورأت هي عورته، فذلك عار. يقطعان أمام أعين بني شعبهما. قد كشف عورة أخته).(26) ولكن الابن الأكبر لداوود (أبشالوم) حسب قول التوراة قرر ان يثأر لشرفه بأن يقتل أخيه (أمنون). بسبب افتراعه لأخته ثامار،يقول النص : (فأوصى أبشالوم غلمانه قائلا: انظروا. متى طاب قلب أمنون بالخمر وقلت لكم اضربوا أمنون فاقتلوه.ففعل غلمان أبشالوم بأمنون كما أمر أبشالوم. وصل الخبر إلى داود، فقام ومزق ثيابه واضطجع على الأرض ، وهرب ابشالوم وذهب إلى تلماي بن عميهود ملك جشور).(27)

وتلماي بن عميهود هو جد ابشالوم من جهة أمه (معكة) وهو ملك وثني. وكأن اليهود يُريدون ان يقولوا بأن داوود عصى ربه وعطّل حدا من حدود الله فقام ابنه ابشالوم بتطبيق الحد بأخيه، ولكن ابشالون أفسد عمله هذا بأن لجأ إلى الأمم الوثنية محتميا بهم.(28)

هذه الأحداث مجتمعة اتعبت داوود فضعف إيمانه كما تقول التوراة : (هذه الظروف القاسية التي حلّت بداوُد أظهرته بمظهر من فقد ثقته بالله أو كاد، وأغرقته في بحر من اليأس والقنوط. وكان إيمانه قد بلغ من الضعف أقصاه فلم ينطق بالصدق ومع أن داود ارتكب في بعض الأحيان خطايا يندى لها الجبين خجلًا إلا إننا إذا نظرنا إلى عمق توبته لرأينا في هذا شيئًا مما يخفف ذنبه على حدّ ما).(29)

وكذلك لاحق اليهود داوود بولده ابشالوم حيث زعموا أن الله اختاره لكي يُعاقب داوود على زناه بزوجة صديقه كما أوعده (وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك، فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس).(30) حيث فعل ابشالوم بن داوود الفاحشة مع سراري أبيه العشرة أمام الملأ من بني إسرائيل ،وهذا ما نراه جليا واضحا في صموئيل : ( ادخُل إلى سراري أبيك لحفظ البيت ، فنصبوا لأبشالوم الخيمة على السطح، ودخل أبشالوم إلى سراري أبيه أمام جميع إسرائيل). (31)

عندما عاد داوود إلى بيته تقدم الشعب كلّه وشهدوا على ابنه ابشالوم بأنه فعل الفاحشة مع نسائه العشرة. فقام داود بحبس نسائه العشرة في البيت حتى موتهن.(وجاء داود إلى بيته .. وأخذ النساء السراري العشر وجعلهن تحت حجز وكن محبوسات إلى يوم موتهن). (23) ولكن داوود لم يستطع ان يُقيم الحد رجما على ابنه ابشالوم حسب شريعة التوراة وطلب من عبيدة أن لا يقتلوا ابشالوم ابنه وصفح عنهُ لأن داوود أيضا قام بفعل الزنا، فإذا عاقب ابنه وجب عليه ان يُعاقب نفسه.

أي عاقل يقرأ ذلك فلا يحكم على التوراة بأنه تم التلاعب بها بقصد الاساءة لأنبياء الله ، وصياغتها بطريقة تتبرر معها افعال الكهنة المشينة وتميل أيضا لتبرير أعمال الأباطرة والقياصرة المنحرفة الباطلة، وهذه التبريرات مشابهة لبعض أحاديث كهنة المسلمين التي تقول (اطع الحاكم الظالم وان زنى او شرب الخمر او لاط او جلد ظهرك واخذ مالك).(33)

داوود في نظر اليهود يُعتبر ملكا وليس نبيا هو ثاني ملك على مملكة إسرائيل ، وأن مزاميره ليست مقدسة وإنما هي قصائد شعرية كتبها بصفته شاعر. وهذا ما يقوله قاموس الكتاب المقدس : (تمتع داوُد بمواهب موسيقية من صنف ممتاز، فقد أجاد اللعب على القيثار ثم أنشأ فيما بعد المزامير والأناشيد).(34) ولكن حسب الدين الإسلامي فإن داوود نبي ضمن سلسلة أنبياء بني إسرائيل بعد موسى وأن الله انزل عليه المزامير ولم تكن شعرا بل كانت كتابا مقدسا كما يقول القرآن : (وآتينا داوود زبورا). (35) لا بل أن الله اضافة إلى النبوة جعلهُ خليفة في الأرض وهذه من أكبر منن الله على نبيه داوود. (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الإرض).(36)

ومن المفارقات انهم مع انكارهم لنبوة داوود إلا أنهم يذكرون بأن الوحي جبرئيل (الروح القدس) كان يتكلم بفم داوود ، أي يوحي له بما يأمره به الله فيقول : (أيها الرجال الإخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود، عن يهوذا الذي صار دليلا للذين قبضوا على يسوع).(37) الإنجيل هنا يقول بأن داوود أخبره الوحي بمسألة القبض على السيد المسيح وأن جبرائيل هو من أخبره بذلك. وكما هو معروف من نفس الكتاب المقدس بأن الروح القدس جبرئيل لا ينزل إلا على الأنبياء الكبار.

المحصلة، أن التوراة ترى نبي الله داوود يخطف زوجة صديقه ويزني بها ويُنجب منها نغلا ويتسبب في مقتل صديقه ، ثم يغتصب أحد ابناء داوود اخته ، ويُعطّل داوود حدا من حدود الله لمصلحة أبنه، ثم يقوم الاخ الآخر بقتل أخيه انتقاما لشرف اخته ، ثم يهرب الاخ القاتل إلى جده الوثني. ثم يقوم ابن داوود باغتصاب نساء أبيه داوود أمام الملأ. أين ذلك من القرآن الذي ذكر داوود وسُليمان بكل توقير واحترام ونسب لهما ما لم ينسبه لبعض الأنبياء حتى أن الله تعالى عندما تعرض نبينا محمد (ص) للأذى العظيم على يد كفار قريش واسى نبيه وامرهُ بالصبر ضاربا له مثلا داوود في صبره على اذى بني إسرائيل فقال تعالى مخاطبا نبيه (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب). (38)

داوود وسليمان في القرآن.

(يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق. ووهبنا لداوود سُليمان نعم العبد إنهُ أواب. وكلا آتينا حُكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يُسبحن والطير وكنا فاعلين. وقالا الحمدُ لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين. وورث سُليمان داوود وقال يا أيها الناس عُلمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين. وآتاهُ الله الملك والحكمة وعلمهُ مما يشاء. ومن يؤتَ الحكمةَ فقد اوتيَ خيراً كثيرا. ولسُليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها. ولقد آتينا داوود وسُليمان علما. وحُشر لسُليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون. ولسُليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر، واسلنا له عين القطر، ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه).

المصادر :

1- سفر صموئيل الثاني 11 : 3.

2- سفر صموئيل الثاني 11: 6ــ11.

3- سفر صموئيل الثاني 11 : 1ــ 27.

4- سفر صموئيل الثاني 12: 16.

5- سفر صموئل الثاني 12 : 23.

6- سفر صموئيل الثاني 12: 24.

7- سفر صموئل الثاني 12 : 11.

8- تفسير الكتاب المقدس ، الموسوعة الكنيسة لتفسير العهد القديم تفسير سفر صموئيل الثاني 12.

9- سفر صموئل الثاني 12 : 11.

10- إنجيل متى 1 : 1 ــ 6.

11- إنجيل يوحنا 8 : 41.

12- سورة المائدة آية : 78.

13- إنجيل مرقس 12: 35 ــ 40. وقول عيسى يأخذون دينونة أعظم ، يعني عذاب عظيم خاص بهم في الآخرة. 14- سورة ص آية : 26.

15- انظر كافة التفاسير أهل السنّة، لهذه الآيات.

16- سفر صموئيل الثاني 11 : 4.

17- سورة الاحزاب آية : 37.

18- سورة الاحزاب آية : 37.

19- سورة الاحزاب آية : 37.

20- تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٣٢. القصة التي ينقلها اغلب من قام بتفسير القرآن كانت مطابقة للرؤية التوراتية وما ينقله اليهود عن النبي داوود. ومثال على ذلك ما ذكره الطبري في تفسير قوله تعالى : (هل أتاك نبأ الخصمِ إذ تسوروا المحراب). يقول بأن نبي الله داوود نظر من الكوّة التي في قصره فأبصر امرأة تغتسل على سطح لها، فرأى امرأة من أجمل الناس خَلْقا فسأل عنها، فأخبروه أن لها زوجا. فكتب داوود إلى قائد جيشه بأن يبعث اوريا امام العدو، فقُتل. فتزوج داوود امرأته فلما دخلت عليه، قال: لم تلبث عنده إلا يسيرا حتى بعث الله مَلَكين في صور إنسيين).

21- سفر صموئيل الثاني 11 : 1 ــ 9.

22- سفر صموئيل الثاني 12 : 29. طبعا التوراة كعادتها في تشويه صورة الأنبياء زعمت أن داوود عندما احتل المدينة (أخرج الشعب الذي فيها ووضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفؤوس حديد وأمرهم في أتون الآجر.و: سفر صموئيل الثاني 12 : 31.

23- سورة الاحزاب:36.

24- سفر صموئيل الثاني 11 : 27.

25- سفر صموئيل الثاني 13 : 1ــ14.

26- سفر اللاويين 20: 17.

27- سفر صموئيل الثاني 13: 28 ــ 37.

28- يقول القس انطونيوس فكري في تفسيره: (ثم هرب إبشالوم إلى جده تلماي بن عميهود ملك جشور وهي مقاطعة شرق الأردن ، وغالبًا فهو وثني).شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص أنطونيوس فكري، تفسير سفر صموئيل الثاني 13.

29- قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية. شرح كلمة دَاوُد الْنَبِي وَالْمَلِك (الْمُرَنِّم | الْمُرَتِّل | إِمَام الْمُغَنِين).

30- سفر صموئل الثاني 12 : 11.

31- سفر صموئيل الثاني 16 : 22.

32- سفر صموئيل الثاني 29 : 3.

33- (العلامة ابن عثيمين في شرح الواسطية/الشرح الثاني/شريط المحاضرة 18) قال: لو فرضنا أن الأمير فاجر وفاسق كل ليلة مع مومس -والعياذ بالله- فإن أهل السنة يرون الجهاد معه، ولا يعصون الله فيه بل زاد الشيخ ابن عثيمين حتى وإن كان يلوط ويشرب الخمر ويزني بمومس في الحج).

34- قاموس الكتاب المقدس دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة: دَاوُد.

35- سورة النساء آية : 163.

36- سورة ص آية : 26.

37- سفر أعمال الرسل 1: 16.

38- سورة ص آية : 17.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/10/04



كتابة تعليق لموضوع : أنبياء الله داوود وسُليمان ، خزعبلات توراتية مشينة.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net