صفحة الكاتب : سالم مشكور

جائحة الفساد
سالم مشكور

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لم يعد الفساد مقتصراً على أفراد، بل بات فساد ضمير ونفوس، ترجمته العملية تتوقف على إمكانية وصول الفاسد إلى المال العام أو الخاص، بل وحتى التقصير في أداء الواجب كشكل من أشكال الفساد. ما يراه الجميع هو عمليات الفساد الكبيرة التي تتم من قبل سياسي أو مسؤول رفيع المستوى أو شركة تتخذ من فساد المسؤول غطاء لفسادها، والغش في نوعية الخدمة التي يفترض تقديمها.

الفساد في مستوياته العليا بات جائحة حقيقية، أبطالها وحوش لا تشبع من المال الحرام ولا تقنع ببعضه، وهو هدف مقدس تسعى لتحقيقه بكل الأدوات حتى وإن أضرت بالمجتمع واقتصاده وأمنه وأرواح أبنائه.

أمامنا أزمة الدولار مثال حيٌّ لاستخدام هذه المافيات قوت المواطن واستقراره، عبر التلاعب بسعر الصرف لتحقيق أرباح خيالية. إنه الفساد المتوحش الذي تورط فيه الكثير من السياسيين والمسؤولين بشكل أو آخر. ما هو ظاهر للسطح هو فساد بملايين الدولارات بل وصلت إلى المليارات؟ لكن هل المستويات الأخرى خالية من الفساد، وهل تخلو القطاعات الاخرى غير السياسية الرسمية من الفساد؟

كبار الفاسدين هم أبناء هذا المجتمع، وهم نتاج ثقافته وتاريخه، وهي ثقافة لم تختص بحفنة من الناس أصبحوا مسؤولين، إنما تشمل المجتمع ككل. مصادرها متنوعة، بين ظروف اقتصادية صعبة مرّ بها المجتمع عبر عقود، وحروب حمقاء قتلت مئات الآلاف جسدياً، وملايين العراقيين أخلاقيا ونفسياً، وتراجع دور الأسرة في التربية، ودور الدين في بناء رادع داخلي عند الانسان، من خلال محاصرة المؤسسة الدينية والصاق تهم الخيانة أو معارضة النظام حتى بالإنسان الملتزم دينياً، دون أن ننسى الموروث التاريخي لكثير من فئات المجتمع العراقي التي تدخل النهب في خانة المراجل.

وأيضاً المشكلة السياسية مع الأنظمة المستبدة، التي اعتبرت الحاكم وعشيرته مالكين للوطن، ما أفسح في المجال لرواج فكرة اباحة المال العام، بعيدا عن الأساس الديني المغلوط لهذه الفتاوى، الذي يستند اليه الكثيرون، ويقوم على أن الحكم غير شرعي لعدم خضوعه لمرجعية دينية، كل هذا أنتج ثقافة النهب التي كانت مقتصرة على رأس الحكم وعائلته وعشرته، ثم السماح بفساد محدود بحجة مساعدة الموظف والعامل في زمن الحصار.

لكن الطفرة الكبيرة كانت بعد 2003، وزوال العامل الردعي الرسمي وتوفر الأموال بمبالغ كبيرة، فصعدت محفزات الفساد في كل المستويات. من تطول يده لا يتورع عن أخذ المال العام، المسؤول الكبير يحصل على الملايين لتتطور إلى عشرات بل مئات الملايين، والادنى مستوى تطول يده أقل فلا يتورع، وهكذا حتى نصل إلى أدنى المستويات. المشكلة أن كل الناس يشكون من الفساد، بعضهم صادق والآخر منزعج لأن يده لا تطول المال. بات المعيار هو “إمكانية الأخذ” وليس حرمة، و”لا أخلاقية” مدّ اليد إلى المال العام والخاص.

عندما يرفع صاحب اليد النظيفة شعار مكافحة الفساد ويمتلك القدرة على محاربته، عندها سنكون أمام أمل بالنجاة من هذه الجائحة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سالم مشكور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/25



كتابة تعليق لموضوع : جائحة الفساد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net