أربيل ما قبلها وما بعدها
رائد عبد الحسين السوداني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لو أمعنا النظر فيما يجري في العراق من شلل في إدارة شؤون البلد نتيجة التقاطعات والمماحكات والاجتماعات ،والاجتماعات المقابلة من قبل أطراف ما سمي بالعملية السياسية (أركان السلطة)،والتصريحات والتصريحات المقابلة التي تدل على وجود أزمة بين الأطراف كافة ،وأخرى داخل بنية كل طرف ،وثالثة تتعلق بذات الأفراد الذين يكونون هذه الأطراف ،فهم مأزومون من الداخل ولأسباب عديدة ليس هذا أوان الحديث عنها،وسنركز على العلاقة بين كل طرف وآخر .
عليه أقول لو أمعنا النظر و تفحصنا ما يحدث اليوم من تأزم في علاقاتهم مجتمعين ، نخرج بنتيجة واحدة ،مفادها ،إنها الحقيقة التي يجب أن نجابهها وهي إنها مخرجات ما جرى في صيف 2003 تبدأ من تأسيس مجلس الحكم على أسس طائفية – مذهبية – قومية،حتى عُد رئيس الحزب الشيوعي العراقي ممثلا للشيعة مع آخرين ،كما عُد عدنان الباجة جي ونصير الجادرجي العلمانيان بأنهما ممثلان للسنة مع آخرين.
بعد ذلك جاء دور حكومة أياد علاوي الذي لم يكن له رأي في كيفية تشكيلها ولا اختيار أعضاءها، بل لعب الدور الرئيس الأخضر الإبراهيمي الدبلوماسي الجزائري الذي كان مثّلا للأمم المتحدة في العراق ،وقد أعلنت التشكيلة وبعض الوزراء في الخارج ،وعندما سئل رئيس الحكومة عن تقصير بعض الوزراء أعلن إنه لا يستطيع تبديلهم لأن الأمر ليس بيده بل عائد إلى الأمم المتحدة،وبطبيعة الحال إلى الولايات المتحدة الأمريكية،علماً إن هذه الحكومة كانت مؤقتة وانحسر واجبها الأهم في إجراء انتخابات الجمعية الوطنية،بموجب قانون انتخابات القائمة المغلقة وعلى أساس الكيانات ،وهذا كان بداية الاستقطابات والاصطفافات الكبرى المبنية على أساس الطائفة ،والعرق ،والدين ،وليس على أساس القوائم الحزبية والحركات والتيارات ،ولما أفرزت النتائج الكتلة الأكبر من طائفة معينة (شيعية) تليها قائمة قومية (كردية) تبين إن هناك خللا واضحا في بنية الجمعية التي وضعت مهمتها الرئيسة في كتابة الدستور ،فكانت الحاجة إلى إشراك سياسيين يمثلون الطائفة الكبيرة الأخرى في العراق (السنة) ،وهذا خلل كبير آخر ،فالدستور وكل القوانين لا يكتبها أو يصوغها السياسي ،بل الذي يكتبها ويصوغها المختصون في الدساتير والقوانين الدستورية ويصادق عليها السياسي لكننا في العراق وجدنا وعملنا بالصورة المعكوسة .وانسحب هذا الأمر على تشكيل حكومة الجعفري التي جاءت بمبدأ المحاصصة ليأتي بعد ذلك وبالانتخابات التي جاءت بمجلس النواب الأول فقد شاهدنا إن هذا المجلس وقد شُلت حركته بسبب وجود كتلتين أكبر (شيعية) يمثلها الائتلاف باستثناء الكتلة الصدرية التي انسحبت فيما بعد ، و(سنية) تمثلها جبهة التوافق ،مع كتلة العراقية التي تحالفت مع الشيوعيين الذين انسحبوا بعد ذلك لوجود خلل في بنية العراقية ،تتوسط هذه الكتل الكتلة الكردية وهي كبيرة بطبيعة الحال،هنا خلقت حالة مشوهة من العمل السياسي الغير قائم على مبدأ بناء دولة مؤسسات بل دولة الطوائف والكتل ،وتعود الفرد العراقي وهو يشاهد السياسي العراقي يطالب بالمقعد المعين أو بالوظيفة المعينة للشيعة أو للسنة أو للكرد مما أدى إلى توقف عمل حكومة نوري المالكي الأولى بشكل شبه كامل ،علما أطلق على هذه الحكومة بأنها حكومة المصالحة الوطنية وهي بعيدة المنال بطبيعة الحال .
في هذه الأثناء كان الشارع يشهد صراعا هو الآخر لكنه صراع صبغته الدم والتفجيرات والتهجير والتهجير المقابل ،والخطف المتبادل ،واحتلال مناطق لاسيما في العاصمة وغير ذلك كثير ،وقد ابتدأ هذا النوع من الصراع بعد أسابيع أو أشهر قليلة من الاحتلال فقد راح ضحيته وهو الأبرز في تلك المرحلة ممثل الأمم المتحدة ،ووصل الصراع ذروته في شهر شباط 2006عندما فُجر المرقدان المقدسان لدى الشيعة في سامراء ،حيث بدأت حرب وصراع دموي رهيب تمثل بقتال شوارع ،وهجوم مدينة تمثل طائفة معينة على مدينة أخرى لطائفة معينة ثانية ،هذا وقد كانت مدن تعد مراكز لمحافظات قد تحولت إلى معاقل للمسلحين ومن الطرفين ،استمر هذا الوضع إلى 2008بعد أن شُكلت الصحوات وبمبادرة من القائد الأمريكي (باتريوس) وبعد إعلان الرئيس لستراتيجته الجديدة المتمثلة بإرسال (21000) ألف جندي أمريكي إلى العراق ،وكذلك العمليات في المنطقة الجنوبية المتمثلة بصولة الفرسان وبشائر السلام .
إن هذه العمليات لا تعد بوجهة نظري تداعيات وإرهاصات تشكيل ما يسمى العملية السياسية واستقطاباتها السياسية ونتائجها على المجتمع ،بل هي تداعيات التغيير فقط ،أي تغيير السلطة، أما التداعيات الكبرى للاستقطابات والاصطفافات فهي في طور البدء أو التكوين لاسيما بعد الانتخابات الأخيرة التي جاءت بحكومة المالكي الثانية وأنتجت لنا تسمية حكومة الشراكة الوطنية بموجب اتفاق أربيل فقد وجدنا عملية المخاض قد وصلت إلى زاويتها الحادة في الخطاب الطائفي ومن الطرفين وإن حاولت كل الأطراف التغطية بالعامل الوطني والخطاب الوطني وبناء دولة المؤسسات إلا أن نتائج الانتخابات خيبت آمالهم فلم يحقق الطرف السني الذي تزيا بزي الوطنية الأغلبية المؤهلة لتشكيل حكومة ولا فريق رئيس الوزراء الذي رفض الانضمام في الائتلاف الموحد وشكل قائمته الخاصة به فاضطر كل فريق أن يعود إلى معسكره مرددا الخطاب الذي زعم إنه قد أصبح بالنسبة إليه من المحرمات ،على إن هذه العودة كانت بصورة تأزيمية لاسيما إنها تزامنت مع انسحاب القوات الأمريكية ،فقبل أن تنقضي 24ساعة على إعلان الانسحاب تفجرت قضية طارق الهاشمي ،وقبلها قضية صالح المطلك ليكون معسكر مقابل آخر ،رافقه تأزم آخر يحمل الكثير من المعاني التاريخية والسياسية ،وأعني التأزم والأزمة بين معسكر رئيس الوزراء ومعسكر مسعود البارزاني ،فدخل العنصر القومي ذو الخطوط الدولية المتشعبة كالمعسكر الطائفي المذهبي ،وقد دخل الخط التركي على المعسكر الكردي القومي مغازلا ومقربا له يعده البعض مفارقة لكنه من وجهة نظري إنها ليست مفارقة ،بل إن تركيا تعتبر التعامل مع الجانب الضعيف وهو مهما يكن سيكون الجانب الكردي ولعدة عوامل جغرافية ،وتاريخية ،واجتماعية ، خيراً لها من التعامل مع الجانب القوي وهو بطبيعة الحال العراق مهما يكن حاله موحدا أم انفصل عنه الأكراد التي ستنقض عليهم وتسيطر عليهم سياسيا وحتى عسكريا.
أما مآل هذه الأزمة فمهما رُحلت إلى زمان قادم،أو سُكنت باتفاقيات وبيانات مثل اتفاقية أربيل الأولى فإن الصدام حاصل وهذا برأيي من تداعيات التأسيس الذي بني كي نصل إلى هذه المرحلة ،وأيضا خضوعه للمشروع الأمريكي الهادف إلى بقاء عراق ضعيف لا يستطيع الاستمرار إلا بالرجوع إليها والحاجة لتداخلاتها وتدخلاتها ،كما إنها لا تريد للعراق أن يتشرذم رسميا فيصعب السيطرة على الوضع في هذه المنطقة الحساسة،لكن كيف يكون الصدام ومع من؟ أقول إن الصدام الأكبر لم يحصل ما لم تحصل قبله صدامات داخل كل مكون كما يعبرون ليفرز لنا من يعلن إنه يمثل الحالة السنية أو الشيعية ،ومن يمثل القومية الكردية،وإن مقومات هذا الصدام والصراع متوفرة جداً ،وبعد حصول هذه الصدامات والصراعات يستطيع المتصارعون الجلوس إلى طاولة الحوار الحقيقي ليضعوا العقد الاجتماعي الذي يضعه الاختصاصيون وليس أصحاب السياسة والقائم على أسس حزبية وليس كيانات وقوائم استقطابية ،وعلى النظام الرئاسي وليس البرلماني الذي يُفرز من قائمة أو حزب يمثل مكونا واحداً .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
رائد عبد الحسين السوداني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat