صفحة الكاتب : مصطفى قطبي

النخب بعالمنا العربي اضطرار أم  ضرورة ؟
مصطفى قطبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هل تلاحظون معي هذه الظاهرة العجيبة التي نعيشها هذه الأيام، ظاهرة ''الجمهور يريد..." التي يتبعها الجميع، فالكل يريد أن ينزل إلى مستوى الجمهور ويخطب وده ورضاه، الكل: الفنانون والمطربون والسياسيون وكتاب الزوايا حتى الحكومات بجلالة قدرها، الفنان أصبح همه أن يقدم عملاً يسلي المشاهدين حتى إن كان دون المستوى وبلا هدف أو رسالة يقدمها لهم، والمطرب أصبح همه أن ترقص أجساد الجماهير على أنغام أغنياته دون أن تلامس الكلمات والألحان إحساسه ومشاعره لترتقي بها، والسياسي أصبح همه رضا الناخبين حتى إن كان ذلك على حساب المصلحة العامة وتجاوز القانون، والكاتب الصحافي أصبح همه افتعال المعارك مع بعض المسؤولين والوزراء بحق ودون حق وبنيّة طيبة أو غير طيبة ليقبل القارئ على قراءة زاويته دون اكتراث لتأثير كلماته على من يقرؤها، والحكومة أصبح كل همها رضا جمهورها من النواب المشاكسين أو الموالين، وأصبح آخر همها التنمية وإقامة المشاريع التي تخدم الوطن وتؤمن مستقبل أجياله القادمة!

ولم يعد أحد من النخبة بهذا البلد أو ذاك يفكر بعقله بل بعقل جمهوره الذي هو المشاهد والمستمع والناخب والقارئ، والذي يفترض به ألا يكون هو من يقود المسيرة بل من ذكرناهم أولا، فهم من يفترض أن يكونوا صفوة المجتمع ونخبته المثقفة الواعية التي تمتلك العقول الممتازة والقادرة على قيادة المجتمع وتبصيره وتوعيته والنهوض به، لا أن تتبع على الدوام ما يريده أو يرغب به أو يطالب به الجمهور...

ففي ذلك كل الخطر على مجتمع يفتقد معظم أفراده النضج الثقافي والسياسي والمعرفي، ومعناه أن يُزال الرأس المفكر من الجسد ليصبح بلا رأس، فهل رأيتم جسماً يسير بلا رأس؟! وقد يقول قائل الآن: ما هذا الذي تقوله يا رجل؟! ألا تعلم أن رجل الشارع البسيط في كل أمة متحضرة هو من يقرر مصيرها، وأن ما تنتقده هو ظاهرة عامة في معظم بلاد العالم، ودليل على ديمقراطية المجتمع والحرية التي يعيش فيها، فلماذا تعترض هكذا بلا معنى ومن دون خلق الله عليها؟!

وأقول نعم... معك حق رجل الشارع في كل أمة متقدمة متحضرة هو الذي يريد وهو الذي يطالب، لكنه ليس هو الذي يفكر ويخطط وينفذ، ثم إن مطالباتهم غير مطالباتنا لأنهم أكثر نضجاً ووعياً منا، وهم يفكرون بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم، فيما نحن كل ما يهمنا حاضرنا الذي نعيشه ويومنا الذي نقضيه، وأرجوك دلني على مجتمع متحضر متقدم ترك فيه النخبة من الساسة والمفكرين والمثقفين أعمالهم وأبحاثهم ودراساتهم وشغلوا أنفسهم بالتوافه التي تشغل العامة، وأصبح مبلغ همهم أن يتملقوا الناس ويبحثوا عن رضاهم!

ونتساءل بكل هدوء: هل تحيا نخبنا السياسية والثقافية والفكرية حيرتها المنتجة المبدعة، وتعيش مستمتعة بقلقها الوجوديّ الخلاق، أم إنها لا تعدو التهويل والمبالغة في تلبّس ما لا طاقة لها به، وما لم يكن لها به طاقة في أي يوم...؟

أو تعلم ما مشكلتنا أو مشكلة نخبنا السياسية والثقافية والفكرية؟ مشكلتنا أننا لا نعمل للمستقبل أبداً، والتفكير في الغد وما سيحصل فيه لا يحتل مكاناً من رؤوسنا، لأننا نعيش عيش الكسالى والخاملين نفكر في يومنا وساعتنا فقط، لا نبني شيئاً ليبقى وكأننا مؤقتون، فقد أصبح كل شيء في حياتنا ارتجالياً متقلباً متغيراً، وانظر معي فإنك سترى ما يحدث يوماً بعد يوم، فكل مشروع يتوقف، وكل برنامج ينهار، وكل فكرة تتغير، وكل همة تموت، وكل حماس ينطفئ، والسبب أن من يفترض بهم أن يقودوا الناس أصبحوا يمشون بحسب أهواء الناس ورغباتهم ومطالبهم التي لا تنتهي!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى قطبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/06/01



كتابة تعليق لموضوع : النخب بعالمنا العربي اضطرار أم  ضرورة ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net